في الساعات الأخيرة، ظهر القلق في عدد من النُخَب السياسية المسيحية القريبة من الرئيس ميشال عون. وقال بعضهم: «مسار التطورات في ملف الانتخابات وملفات أخرى يثير المخاوف من «تنفيس» اندفاعة العهد، ونخشى أن ينجح الحصار المضروب عليه في دفعه إلى الرضوخ لـ«الأمر الواقع».
 
يوماً بعد يوم، يتّضح لماذا يعتبر عون أنّ عهده لم يبدأ في خريف 2016، بل هو سيبدأ في صيف 2017، بعد الانتخابات النيابية والحكومة التي ستُنتجها. ويتّضح أيضاً أنّ عون يتعاطى مع المجلس والحكومة الحاليين، بصفتهما تعبيراً عن مرحلة انتقالية ستنتهي بالانتخابات.
 
لذلك، يقول القريبون منه إنه اليوم «يتحمَّل اضطرارياً» ما يتعرّض له من محاولات إحباط، مطمئنّاً إلى أنّ عامل الوقت يلعب لمصلحته. فقد شاءت المواعيد الدستورية أن تجرى الانتخابات النيابية بعد 5 أشهر من انتخابه، وهذا ما يتيح له الفرصة لتحقيق طموحه بتغيير ذهنية التعاطي السياسي التي يعتبر أنّ بقاءها سيتكفّل بإسقاط العهد.
 
وهذه الفرصة لن تتكرّر خلال هذا العهد، فإذا جرت الانتخابات النيابية في أيار المقبل أو بتأخير تقني في أيلول، فالانتخابات التالية ستجري قبل عام وبضعة أشهر على نهاية ولاية الرئيس. وسيكون نهج العهد قد سقط تماماً خلال السنوات الخمس السابقة، وسيكون عون عاجزاً عن القيام بشيء.
وطبعاً، في تقدير المراهنين على عون، لن تتكرّر فرصة انتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بمواصفات القوة والرصيد اللذين شاءت الظروف أن يحظى بهما. فالرئيس الذي سيخلف عون لن يكون أقوى منه سواء مسيحياً أو بامتلاكه أوراق قوة لدى الطوائف الأخرى.
 
إذاً، يعتبر عون أنّ وصوله إلى الرئاسة هو خطوة أولى لا بدّ منها ليكون اللاعب القوي في معركة التغيير، لكنّ قانون الانتخاب هو السلاح الوحيد الذي به سينزل إلى ساحة المعركة ويحقق الهدف. ومن هنا الأهمية التي لطالما أَوْلاها عون لقانون الانتخاب.
 
الأرجح أنّ الورقة الأحبّ إلى قلب عون كانت وما زالت اقتراح «اللقاء الأورثوذكسي» الذي يعتمد النسبية. لكنه، واقعياً، يقبل بأيّ قانون يُقارب «الأورثوذكسي» بنتائجه. ومن هذا المنظار، هو يتمسّك بالنسبية شرط أن تؤدي إلى تمثيل المسيحيين من خلال قواعدهم الذاتية لا بقواعد الطوائف الأخرى.
 
إنّ المنطق الذي يدير عون من خلاله ملف قانون الانتخاب يقوم، في العمق، على «فلسفة» الاقتراح «الأورثوذكسي». وكلّ أشكال التأهيل على مستويات القضاء أو المحافظة يرى أنها قابلة للبحث. لكنّ عدوّه اللدود، الذي لا يرضخ له، هو قانون الـ60.
إنّ القريبين من عون، الذين يناقش معهم غالباً ملف الانتخاب والقانون، يقولون: «قانون الـ60 هو العنوان الذي يرمز إلى استتباع المسيحيين واسترهانهم. إنه عدوُّنا اللدود الذي لن نقبل به بأيّ شكل. ونحن لا نُناور في هذا المجال».
 
أكثر من ذلك، يعتبر هؤلاء أنّ دفع رئيس الجمهورية الى ان يوافق على الـ60، مع بعض التجميل هنا وهناك، يهدف إلى «تَزحيط» العهد بكامله وإجهاضه قبل أن يبدأ. فالقوى الرافضة وجود عون في موقع الرئاسة تعمل لإسقاط عهده من الداخل بإعادة إنتاج قانون الـ60 كنهج لتركيب السلطة والسيطرة على القرار المسيحي.
 
وهذا الكلام العنيف ضد الـ60 يوحي بأنّ عون لن يمشي به «أيّاً كان الثمن»، حتى ولو كان الفراغ. ويقول هؤلاء: «لا نريد الفراغ في المجلس النيابي، بل انتخابات في موعدها أو بتأخير تقني لأشهر قليلة، ولكننا لا نريد قانون الـ60 أيضاً. وليتحمّل الجميع مسؤولياتهم».
 
ويُذكِّر هؤلاء بتجربة عون مع الملف الرئاسي، فهو ارتضى الفراغ الرئاسي نحو عامين ونصف العام على أن يُنتَخَب رئيس آخر، يصنِّفه «ضعيفاً». فما الذي يَحولُ دون أن يطبّق عون المعادلة إيّاها في المجلس النيابي، فيرفض توقيع مرسوم الانتخابات وفق الـ60 أو مرسوماً للتمديد؟ وانطلاقاً من تشدُّد عون في رفض قانون الـ60، يسأل البعض: «إذاً، ما الذي يدفع القريبين منه إلى القلق؟».
يرشح عن بعض هؤلاء أنهم يخشون قيام تحالف مصالح بين عدد من القوى التي لطالما أدارت البلد، خلال المرحلة السورية وبعدها، وفق منطق «الحلف الرباعي»، بحيث تتمكن هذه الأكثرية، مَدعومة بقرار دولي - إقليمي، من فرض إجراء الانتخابات في موعدها «وبمَن حضر»، أي بقانون الـ60، بعد تحسينات شكلية للتمثيل المسيحي حفاظاً على ماء الوجه.
 
ويقول هؤلاء: «البلد مقبل على استحقاقات وتحديات كثيرة، ومنها حسم الملفات كالنفط والاتصالات والكهرباء والنفايات والتعيينات ومسائل الأمن والمال والقضاء. وسيكون عهد عون أمام التحدّي بين انتظام المؤسسات الرقابية والقضائية لمواكبة الملفات والتعيينات أو بقائها في وضعية الميت، فيسقط معها العهد بصدقيّته ووعوده». ويضيفون: «المحكّ سيبقى قانون الانتخاب.
 
فإذا تغيّر وجاءت سلطة تشريعية مناسبة، سيكون ممكناً الرهان على نجاح العهد. أمّا إذا أعيد إنتاج التركيبة الحالية بقانون الـ60 أو بما يقود إلى إنتاج التركيبة إيّاها بقانون جديد شكلاً، فسيكون الرهان قد سقط».
 
يستعدّ عون «المدفعجي» لإطلاق آخر قذائفه وأقواها. فهل يُتاح له ذلك؟
يبدو أنّ «كلمة السرّ» في هذا الخيار ستبقى لدى «حزب الله». فهل يستمر داعماً لعون، ولو في الفراغ النيابي، كما كان داعماً في الفراغ الرئاسي؟ أم انّ «الحزب» سيدافع عن شريكه الشيعي، رئيس المجلس، ضد المحاولات لتعطيل دوره؟ وهل سيكون ذلك جزءاً من وعد «حزب الله» لبري بالوقوف معه في «الجهاد الأكبر»، بعدما وَفى بوعده لعون بدعمه للوصول إلى الرئاسة؟