ربما يكون من الخطأ النظر إلى النتائج المترتّبة عن خروج النائب أنطوان زهرا من معركة الانتخابات النيابية، من زاوية ضيقة، أي تبديل نائب «قواتي» بآخر في البترون. فليس مستبعَداً أن تكون لها انعكاسات على مستوى أكبر.
 
العالمون بخصوصيات البترون يقولون: «إنّ قدرة «القوات» الانتخابية في البترون تعود، بمقدارٍ لا يُستهان به، إلى النائب زهرا. فللرجل تمثيل رمزي على المستوى «القواتي» منذ زمن الحرب. وغالبية الماكينة التجييرية «القواتية» في البترون ترتبط بزهرا مباشرة. وهو يقيم علاقات وثيقة مع أجيال المقاتيلن رفاقه خلال الحرب، والذين باتوا اليوم قاعدة المناصرين لـ«القوات».
 
أساساً كان معظم هؤلاء تحت جناح الكتائب، وزهرا أيضاً، في زمن الدكتور جورج سعادة. ومع نموّ القواعد «القواتية» في البترون، خصوصاً بعد وصول الدكتور سمير جعجع إلى قيادتها، طغى الطابع «القواتي». وحظي زهرا، وما يزال، بموقع مميَّز جداً في معراب. فهو اضطلع بدور مهم في الأمانة على مقوّمات «القوات» خلال وجود جعجع في السجن».
يقول البعض: «حينذاك، غادر زهرا إلى الإمارات العربية المتحدة، وعمل في مشاريع عائلية في الفُجيرة. وحافظ على أمانة «القوات» المالية، وساهم في تطويرها. وعندما عاد جعجع إلى الحياة السياسية سلّمه زهرا الأمانة زائداً الأرباح، وهذه ظاهرة نادرة في سلوك كوادر أحزاب الحرب، حيث بحث كثيرون عن وسيلة لوضع اليد على ما أمكن.
 
الدكتور جعجع لا ينسى أبداً هذا الموقف لـ»الرفيق»، ويبادله التقدير ويتّكل عليه في كلّ ما يتعلق بالبترون». ويقول الشباب «القواتيون» في القضاء: «ما من واحدٍ منا إلّا وجلس معه زهرا على الأرض في يوم من الأيام، وأكل معه لقمة الخبز. ولذلك، هو يرتبط بهم عاطفياً».
البترون مقسومة، كمعظم أقضية جبل لبنان التاريخي (من زغرتا إلى جزين) بين الجرد والوسط والساحل. قبل نموّ «القوات» في القضاء، كان الجرد يصوِّت عائلياً بين آل حرب وآل يونس. والساحل كان يدعم سايد عقل ويوسف ضو.وأما الوسط، فكان فيه الكتائب، من خلال سعادة.
 
واليوم، ما زال حرب يتمتع بوزن في الجرد، مع نموّ شعبية «القوات». وأما في الوسط، فالقواعد الكتائبية تحوَّل جزءٌ منها إلى «القوات» من خلال زهرا. ويبقى الساحل الذي يعتمد عليه خصوصاً الوزير جبران باسيل. ويقدّر المطلعون ما يمكن أن يحصل عليه باسيل في مدينة البترون (نحو 6500 ناخب) بما يفوق 2000 صوت، فيما يحصل حرب و»القوات» على رقم أدنى بكثير.
 
ولكن، في تقدير المتابعين، لا يعود تأييد ناخبي الساحل لباسيل، خصوصاً، إلى تعاطفهم مع «التيار»، بل إلى رغبتهم في الحفاظ على تمثيل من الساحل.
إتجاه الانتخابات يدور حول القضاء أو المختلط، أي التأهيل في القضاء. والقوى السياسية تستعدّ للمعركة في كلّ لبنان على هذا الأساس، بما في ذلك البترون. وهنا يمكن النظر إلى تحالف عون ـ جعجع ومدى تماسكه في مواجهة لعبة التجاذب. ففي الانتخابات البلدية، ارتأى كلّ منهما التحالف أو التنافس وفقاً لخصوصيات كلّ مدينة وبلدة.
 
وللبترون أهمية أساسية في تحالف عون ـ جعجع. فالقضاء له رمزيته كمقعل «قواتي»، ورمزيته كقضاء ينتمي إليه رئيس «التيار الوطني الحر». ولم ينجح باسيل يوماً في كسر الجدار الذي فرضته ثنائية «القوات» ـ بطرس حرب هناك.
 
رمزياً، إنّ فوز باسيل بمقعد البترون أهم من تولّيه وزارة الخارجية. فحتى اليوم، يعيِّره خصومه بالعجز عن الفوز بثقة أهل البترون. ولذلك، هو يحتاج إلى المقعد «بأيّ ثمن»... ولكن حتماً بالمرور عبر بوابة التحالف مع «القوات».
 
إذا تمَّ نقل المقعد الماروني الذي يشغله سامر سعادة من طرابلس إلى البترون، فسيتداخل التنافس على ثلاثة مقاعد. وليس واضحاً ما إذا كان الكتائب سيتوافق مع «القوات» أو «التيار» أو مع الطرفين على الحصص في لبنان كله. وفي الحالين، ستكون هناك أهمية لموقع بطرس حرب في المعركة.
يصعب اليوم رسم السيناريوهات. فلا القانون جاهز ولا التحالفات واضحة. لكنّ بعض الذين واكبوا البترونيّين ومزاجهم وتوجهاتهم لدورات انتخابية عدة يقولون: «من دون أنطوان زهرا، ستكون المعركة مختلفة. ستحصل «القوات» على مقعدها، ولكنّ التجيير للخصم، جبران باسيل، ليس مضموناً».
 
وإذا كان مرشح «القوات» البديل من زهرا هو الدكتور وليد حرب، كما يتردّد، فعليها التأكد من أنّ آل حرب سيصوِّتون «قواتياً» لا عائلياً. ويتوقع المطلعون أن تتوزع الاتجاهات في بعض الأوساط التي تمون عليها «القوات» بتأثير من زهرا، والتي ـ مثله ـ لم تتعاطف يوماً مع باسيل.
ومن دون زهرا، قد يعود جزءٌ من القواعد التي تدعم «القوات»، في الوسط، ولا سيما منها تلك الآتية أساساً من الكتائب، إلى التصويت لسامر سعادة، إذا نُقل المقعد من طرابلس. وأساساً، خسر باسيل مناصري تيار «المردة» الذين أعطوه في الانتخابات السابقة.
 
إذاً، إنّ خروج زهرا من معركة البترون ستكون له انعكاسات على المجريات والنتائج. والأبرز هو: هل سيصل باسيل إلى المجلس النيابي من بوابة «القوات»؟ أي، هل تمنح «القوات» رئيس «التيار الوطني الحر» امتياز الفوز بمقعد في عقر دارها البتروني كما وافقت على إعطاء رئيسه السابق، العماد عون، امتياز الصعود إلى بعبدا؟