شبح الموت على الطرقات تابع مهمته في العام 2016، وإن انخفضت نسبة "نشاطه" 20,62 في المئة في لبنان. إذ حصد منذ بداية العام وحتى 21 من هذا الشهر أرواح 448 إنساناً من خلال 3318 حادثاً، أما عدد الجرحى فسجّل 4495، في حين وصل عدد الحوداث في الفترة ذاتها من العام 2015 الى 4180 حادثاً راح ضحيتها 564 قتيلاً و5525 جريحاً، بحسب إحصاءات مديرية  قوى الأمن  الداخلي . 

الرقم لا يزال كبيراً على الرغم من الجهود المبذولة من القوى الأمنية والجمعيات التي تعنى بالقضية، لا بل إن بعض الحوادث كان من الضخامة وحتى من الغرابة، فحفر في ذاكرة اللبنانيين الذين تفاجأوا بهول الخبر الذي ترك أثرا مريراً في عائلات ودّعت أحباءها الى الأبد بعدما لاقوا حتفهم على الطرقات، من هذه الحوادث:

رحلة الموت


رحلة موت من مستيتا الى قرطبا عاشتها عائلتا الخوري وعطا الله في شهر نيسان، بعدما ابتلع واد سيارة عائلة الخوري وهي في طريق عودتها من دعوة غداء. في ذلك اليوم المشؤوم، توفيت تيريز عبدو الخوري، وخالتها جوزفين خليل عطالله، وأصيبت والدة تيريز، مريم، وشقيقتها مارغو، وشقيقها بطرس الذي كان يقود السيارة. شراهة شبح الموت كانت كبيرة هذه المرة، تربص بالعائلة على مفترق مار الياس، بعدما امضت يوماً جميلاً في منزل طوني الخوري في مستيتا تناولت خلاله الغداء حتى حلّ المساء وحان وقت العودة. صعد الجميع في السيارة فجأة تعطلت السيارة من نوع "مرسيدس" فضية اللون، فلم يتمكن بطرس من لفّ مقودها عند المفترق، مما أدى الى تدهورها في الوادي وارتطامها بصخرة قبل ان تتوقف.

 

رحيل فراشة
كالفراشة دخلت نفق سليم سلام على أمل الوصول إلى منزلها، من غير أن تتوقع أن يكون شبح الموت قاسياً إلى هذه الدرجة وينتزع جناحيه داخله، ويخطف روحها ويسارع بها بعيداً من أحبائها وقبل ملاقاة والدتها التي تلقت اتصالاً منها قبل عشر دقائق من وفاتها تطلعها فيه أنها قادمة. هي سماح سراج التي أطفأ الموت سراجها في نفق صغير في شهر حزيران، لتتلقى بعدها عائلة الدكتور محمد سراج اتصالاً قلب حياتها. فابنة الاثني وعشرين ربيعاً غادرتهم رغماً عنها، بعدما أنهت توزيع حصص غذائية على الجوامع بطلب من مديرها في المطبعة التي تعمل في ادارتها في منطقة المتحف، سماح التي أنهت دراسة إدارة الاعمال من الجامعة الاميركية في بيروت وتوظفت سريعاً في أهم مطابع لبنان، تمكنت خلال أشهر قليلة أن تظهر تفوقها في عملها كما كانت دائماً متفوقة في دراستها.

رقصة الوداع
الموت تربّص بشبانٍ من بلدة جديدة الفاكهة، في شهر تموز، فانتظرهم تحت جنح الظلام، قبل أن يفاجأهم ويخطف جرجس الخوري (18 عاماً) وميلاد عون (16 عاماً)، تاركاً جوني عون وباسل غورلي (سوري) يعانيان من كسور ورضوض في كل انحاء جسديهما. الشبان الأربعة كانوا في سهرة لافتتاح الموسم الصيفي في مسبح البلدة، في ذلك اليوم غنّوا، رقصوا وفرحوا، وكأنهم يودّعون الحياة، كانوا نحو ثمانية شبان، بعدها ركب ميلاد وجوني وباسل في سيارة جرجس من نوع تويوتا، في طريق العودة إلى البيت، لكن للاسف وقع ما لم يكن في الحسبان، اصطدموا بواجهة احد افران البلدة.

خسارة كبيرة للامن العام
جثث ملقاة أرضاً على أوتوستراد جونيه، سيارة مهشمة لم يبقَ منها ما يدل على نوعيتها، اتخذت من صندوق سيارة "رينو كليو" مكاناً بعدما انقلبت من مسلك الى آخر عليها، هو محتوى الصورة الدموية التي صدمت اللبنانيين في شهر تموز لهول الكارثة التي اسفرت عن مقتل 3 شبان من الأمن العام إضافة الى جريحين. من الشمال انطلق المفتشون رواد بيطار، فادي شندب، ونادر اسعد، في سيارة "مازدا" عائدة للأخير الى مركز عملهم في المديرية العامة للأمن العام في بيروت، لكن هذه المرة لم يتمكنوا من الوصول إذ عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً، حوّل شبح الموت رحلتهم الى مستشفى سيدة لبنان، بعدما تربص بهم في محلة جسر السراي، انقضّ عليهم بوحشية، خطف أرواحهم بسرعة من دون ان يترك لأي منهم إمكان مقاومته. المنية، الضنية، وجبل محسن تقاسمت الحزن على ابنائها الثلاثة، الذين رحلوا فجأة من دون سابق انذار.

رحيل قبل تحقيق الاحلام
شهر آب كان قاتلاً بالنسبة إلى عائلة أكوميي، ففي لحظة فقدت أغلى ما لديها، ابنة حنونة ومهندسة موهوبة، فارقت الحياة بحادث سير على طريق وادي الريحان-الضنية، هي سوسن ابنة البدواي التي حصلت قبل أشهر من وفاتها على شهادة الهندسة، وعلى وظيفة قبل خمسة أيام في احدى الشركات الكبرى، كانت تنتظر حصولها على أول راتب لتشعر بأن مجهود سنين الدراسة حصد ثماره، كما كانت تتهيأ لحفلة التخرج من الجامعة العربية، لكن دُفنت وأحلامها تحت التراب بسبب شاحنة كانت تقف على جانب الطريق من دون ان تضيء "الفلاشر". في ثوانٍ تغيّرَ كل شيء، اصطدمت سيارة المرسيدس التي يقودها عصام شقيق سوسن بجانب الشاحنة قبل ان تصدمه سيارة قادمة من الجهة المعاكسة، والنتيجة مفارقة سوسن الحياة واصابة عصام بجروح في وجهه.

شهيدا الدفاع المدني
سارعوا الى آلية الاطفاء بكل شجاعة، وانطلقوا لإخماد حريق شبّ في أحد أحراج دير الحرف-بتخنيه. كانوا يريدون إنقاذ بلدتهم من خطر استعار النيران، لكن للأسف تعرض اثنان منهم لحادث سير مريع، ورحلا قبل ان يكملا مهمتهما ويصلا الى المكان المقصود، حيث اصطدمت آلية الاطفاء بعمود كهرباء قبل ان تنقلب ويسلّم عماد عبد الصمد مكارم روحه على الفور في حين قاوم خالد غرز الدين الذي نقل الى مستشفى الجبل قبل ان يفارق الحياة، اما زميلهما ناجي زياد زيتوني فكتب له عمر جديد بعد ان تعرض لكسر في كتفه.
بلدة رأس المتن اتشحت بالسواد في شهر تشرين الاول، كيف لا وخسارتها مزدوجة لبطلين تطوعا بالدفاع المدني قبل سنوات، وضعا روحهما على كفيهما من أجل خدمة اهل منطقتهما.

أشلاء تحت جسر الكرنتينا
يحيى الحجيري الذي ذهب لتأمين الدواء لابنه فتحول اشلاء نتيجة حادث صدم مروري تحت جسر الكرنتينا. في شهر تشرين الاول قبل يوم من مقتله، مرّ ابن وادي حميد على دكان جاره عبد الرحيم طلب منه عشرين الف ليرة، كي يتمكن من دفع المواصلات إلى بيروت، أبلغه أنه سيعيدها في اليوم التالي، تبادل واياه أطراف الحديث، كان فرحاً كعادته، فرغم كل صعوبات الحياة التي يعيشها لم تفارق الضحكة وجهه. في مفرزة سير بيروت الأولى فتح تحقيق بالحادث، والى الان لم يتم التوصل الى شيء في قضيته.

غيدا والريغار
وفي ذات الشهر رحلت غيدا جهاد المهتار بحادث هزّ منطقة عرمون- الضيعة، بعدما مرّت شاحنة على "ريغار" والنتيجة طارت قطعة منه تزن عشرات الكيلوغرامات لتصيب ابنة الاربعة أعوام، سلمت الروح على الفور أمام أعين والديها تاركة توأمها غدي في حيرة يسأل عنها، ينتظر عودتها من المستشفى كما يظن، آبياً الذهاب الى المدرسة من دونها. كانت غيدا في محل والدها للسمانة الملاصق لمنزلها، عندما مرت الشاحنة، وما إن صعدت عجلتها على ريغار البلدية حتى طارت قطعة حديد منه الى داخل المحل، أصابتها في بطنها ووجهها، فتوفيت على الفور، قبل نقلها الى مستشفى قبر شمون.

شاحنة انهت حياة الناظرة
كما انقلبت في ذات الشهر شاحنة محملة بالصخور على الطريق الذي يصل منطقة باب الحديد بمنطقة أبي سمراء والمعروفة بـ"طلعة القلعة"، على سيارة الناظرة في مدرسة الإيمان الاسلامية في طرابلس، رنا دندشي، التي كرست عمرها في تربية الأجيال، لترحل فجأة من دون سابق انذار كما اصيبت ابنتها وحفيدتها. كانت دندشي (55 عاماً) عائدة مع ابنتها وحفيدتها من بيروت بعدما قصدتها لشراء قماش لفرش صالون منزلها، وما ان وصلت الى "طلعة القلعة" حتى انقلب الكميون، في لحظة حلت الكارثة، التي ستترك أثرها في عائلتها وفي جميع من عرفها، طوال العمر.

المسعف بات الضحية
تلقت جمعية الرسالة للاسعاف الصحي في شهر تشرين الثاني اتصالاً عن ضحية نتيجة حادث سير على طريق الشويفات مقابل معمل غندور. هذه المرة لم يكن المسعف عباس زنيط في المركز، كي يسرع كعادته لأداء واجبه الانساني ونقل الجرحى والموتى بل كان هو الضحية. هو من علِق داخل سيارته التي اصطدمت بشاحنة بعدما أوصل والده وشقيقه الى مكان عملهما في خلدة قبل ان يعود ليقصد عمله في احد المطاعم. ساعتان وعناصر الدفاع المدني يحاولون انتشال جثته قبل نقلها الى مستشفى بعبدا.

خسارة مزدوجة
هزّت الصدمة جبل محسن في كانون الاول، بعد انتشار خبر وفاة شابين من ابنائها، هما المجند في الجيش اللبناني حسن عبد الكريم رمضان وطالب التمريض نور عبد الكريم الحاج، اللذان رحلا في غفلة، بعدما انتظرهما شبح الموت إلى جانب الطريق في محلة سهل الجديدة قرب مفرق بحيرة بنشعي في زغرتا. خطف روحهما تحت جنح الظلام، تاركاً جسدين داخل بقايا سيارة معلقة في شجرة. كان الشابان في طريق عودتهما الى منزلهما فجراً بعدما انهيا زيارة لصديقهما في منطقة زغرتا، الطقس الماطر والبارد تسبب بتكون طبقة من الجليد على الطريق، فقد السائق السيطرة على السيارة، التي اصطدمت بقوة بشجرة، فحلّت الفاجعة.