ثقةٌ بحكومة تُشبه الحكم والحكّام , غابت عنها هموم ومشاكل الناس , وطار قانون الانتخابات

 

السفير :

لم تحمل الجلسة النيابية العامة المخصصة لمناقشة البيان الوزاري مفاجآت سياسية، خصوصا أن حكومة «استعادة الثقة» تكاد تكون في الأساس «برلماناً مصغراً»، بفعل تمثيلها لمعظم الكتل النيابية.
ولولا «مفرقعات» المشادة بين النائبين خالد الضاهر ورياض رحال، و «تمايز» بعض الكلمات النوعية لعدد من النواب، لكانت الجلسة عادية، مع الإشارة الى أن مجرد انعقادها بعد غياب طويل قد منحها، في الشكل، شيئا من الجاذبية.
واستكمالا للإيقاع السريع في عبور مراحل ترميم السلطة، من المقرر ان يتم اليوم الاستماع الى رد الرئيس سعد الحريري على الكلمات التي أُلقيت، والتصويت على الثقة في الحكومة، علما ان النواب سامي الجميل وبطرس حرب والضاهر أعلنوا خلال مداخلاتهم أمس عن حجبها اعتراضا على كيفية مقاربة البيان الوزاري لدور المقاومة ومبدأ السيادة، فيما كان لافتا للانتباه أن النائب حسن فضل الله ركز في كلمته على مقاومة الفساد باعتبارها ممرا إلزاميا نحو إعادة بناء الدولة، واختبارا لمدى قدرة الحكومة على كسب الثقة الشعبية، عارضا بالأرقام والوقائع نماذج عن هذا الفساد الذي يتخذ أحيانا كثيرة طابعا مقوننا.
وبينما ساهمت حكومة الوحدة الوطنية في فتح شرايين سياسية مسدودة، أعادت زيارة وفد قيادي من «حزب الله» للنائب وليد جنبلاط، قبل أيام، تثبيت «براغي» العلاقة الثنائية التي تقوم منذ فترة طويلة على ركيزتي التعاون في مساحة القواسم المشتركة، وربط النزاع في مساحة الخلاف، لا سيما بالنسبة الى الملف السوري.
يحصل أحيانا، أن تهتز هذه العلاقة بفعل «مطبات هوائية» طارئة، كما جرى مؤخرا بعد استعراض «سرايا التوحيد» في الجاهلية، الذي وضعه جنبلاط حينها في سياق توجيه رسالة اليه من الحزب عبر «البريد السريع».
احتار جنبلاط في أمره آنذاك، وهو الذي لم يجد تفسيرا واضحا لدوافع هذه «الرسالة المفترضة»، في ظل التقاطع الواسع بينه وبين الحزب داخليا، مع اقتناعه في الوقت ذاته بأنها موجهة اليه شخصيا.
تجنب جنبلاط الإفصاح عما يختلج في نفسه بصوت عال، لتفادي أي توتر علني وظاهر مع «حزب الله»، مفضلا أن يعبر عن مكنوناته في اللحظة المناسبة عبر أقنية التواصل التقليدية التي تربطه بمركز القرار في الضاحية.
ثم أتى «شبح» النسبية الكاملة ليزيد من أرق جنبلاط وقلقه، بعدما شعر أن هناك ضغطا متزايدا في اتجاه الدفع نحو اعتماد هذا النظام الانتخابي الذي لا يتناسب مع حسابات المختارة وحساسيتها.
لاحقا، التقطت «رادارات» الحزب انزعاج جنبلاط من دلالات «استعراض الجاهلية» بناءً على اعتقاد لديه بأنه موجّه عن بُعد، فيما كانت إشارات اعتراضه على النسبية تصبح ايضا أكثر وضوحا وتسارعا.
أدركت قيادة الحزب أن السبب الأساسي لهذا الالتباس المستجد في العلاقة مع جنبلاط إنما يعود الى سوء فهم أو سوء تفاهم، بُنيت عليه فرضيات سياسية غير واقعية، فكان لا بد من توضيح تولاه في المرحلة الاولى سفير «النيات الحسنة» على خط الضاحية - كليمنصو وفيق صفا (مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله»).
أكد صفا للمعنيين في «الحزب التقدمي الاشتراكي»، عبر اتصالات في الكواليس، أن «حزب الله» لا يعتمد مع جنبلاط أسلوب توجيه الرسائل بالواسطة، وإذا كان هناك ما يريد أن يبلغه إياه، فهو يفعل ذلك مباشرة ومن دون مواربة، «ثم ليس هناك ما يستدعي أصلا توجيه أي رسالة اليه، ذلك أن هناك تناغما معه في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية وتثبيت الاستقرار الداخلي وتشكيل الحكومة وتفهم الهواجس المتعلقة بقانون الانتخاب، أما التباين حيال الأزمة السورية فهو تحت السيطرة على قاعدة تنظيم الخلاف».
وبعد ذلك، أطل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، مشددا على أن دعم خيار النسبية الكاملة لا يلغي ضرورة تفهم هواجس القلقين وأخذها بعين الاعتبار. ترك موقف نصرالله معطوفا على توضيحات صفا ارتياحا لدى جنبلاط، وبالتالي أصبحت الأرضية جاهزة لعقد لقاء بين الجانبين.
وإذا كان صفا قد أصبح من «أهل البيت»، بحكم «تخصصه» في التنسيق مع جنبلاط، فإن وجود المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل في اجتماع كليمنصو الأخير لم يخلُ من الدلالة السياسية المعبرة، بحيث انطوى هذا الحضور لاثنين من أبرز معاوني نصرالله على لفتة خاصة من «السيد» في اتجاه رئيس اللقاء الديموقراطي، ما عكس رغبة الحزب في طمأنته حتى أقصى الحدود الممكنة.
في مستهل اللقاء الذي حضره أصلان جنبلاط ومسؤولون في «التقدمي»، نقل وفد الحزب الى وليد جنبلاط سلام نصرالله واطمئنانه الى صحته، فبادل التحية بمثلها، مستفسرا بدوره عن أحوال «السيد» وصحته.
وأكد الوفد تمسك الحزب بالعلاقة الوطيدة مع جنبلاط، ووجوب تفعيل التواصل واستمراره وفق القاعدة المتبعة أصلا وهي توثيق التعاون في الملفات الداخلية التي تجمعهما وتنظيم الخلاف في القضايا التي يتباينان في شأنها.
وفي مسألة قانون الانتخاب، أبلغ الوفد جنبلاط تفهم نصرالله لخصوصية موقفه، وأوضح له أنه عندما تكلم «السيد « عن ضرورة مراعاة هواجس البعض حيال النسبية الشاملة فإنه كان يقصده تحديدا. كما شدد الوفد على أن التفاهم حول قانون الانتخاب يحتاج الى حوار بين مختلف المكوّنات اللبنانية ولا يمكن اختصاره بتوافق بين طرفين فقط، لافتاً الانتباه الى أن الواقع اللبناني يحول دون إقرار أي قانون انتخابي لا يحظى برضى جميع المكونات الداخلية أو معظمها.
وفيما تفادى جنبلاط الخوض في تفاصيل هذا الملف، بادر أحد قياديي «التقدمي» الى القول إن الثقل الأساسي للطائفة الدرزية موجود في الشوف وعاليه، ونحن معنيون بأن نحافظ على وجودنا..
واتفق الجانبان على أنه لا يجوز ربط كل الأمور بقانون الانتخاب، لئلا تتعطل مصالح المواطنين الحيوية أو تتعثر ربطا بالخلاف الانتخابي، كما تطرق النقاش الى شؤون إنمائية ومعيشية، ومستقبل الوضع الحكومي وكيفية تنشيطه، وأهمية تفعيل التواصل بين الحزبين.
وعلم أن جنبلاط أبدى بعد اللقاء ارتياحه الشديد الى ما سمعه من خليل وصفا، «بحيث يمكن الجزم بأن صفحة الالتباس طُويت نهائيا، وان العلاقة الثنائية استرجعت نضارتها ورصانتها»، كما قالت أوساط قيادية في «التقدمي» لـ «السفير»، مشيرة الى أن وفد الحزب نقل حرص نصرالله على تفهم هواجس جنبلاط.
وقالت مصادر مقربة من «حزب الله» لـ «السفير» إن الزيارة لجنبلاط اندرجت في إطار تعزيز التعاون والتنسيق، مؤكدة انها كانت ودية وإيجابية.
وكان نصرالله قد أكد في كلمة له أمس، خلال حفل تأبين الشيخ الراحل عبد الناصر جبري، أن التكفيريين أوصلوا الأمة الى أخطر ما يمكن أن تصل اليه ويجب ان نتحمل «المسؤولية ونُحاصر ونعزل الذين يبثون الفتن».
وشدد نصر الله على «وجوب الدفاع عن المقاومة ومحورها ومجتمعاتها»، لافتا الانتباه الى أن «محور المقاومة سيخرج منتصراً من هذه الحرب الكونية عليه لان المقاومين في المنطقة مصرون على المواجهة حتى الانتصار النهائي». وأضاف: ان المستقبل هو للمقاومة ومحور المقاومة.

 

النهار :

لو توافر العدد المطلوب من الحاضرين في قاعة مجلس النواب مساء أمس، لحصلت الحكومة على الثقة بأكثرية تقرب من 90 في المئة من الاصوات. وإذا كانت الثقة بحكومة "استعادة الثقة" مضمونة الى حد كبير، فإن احداً لم يتوقع أن تدخل في سباق مع الوقت، حتى بدا كلام المداخلات في اليوم الاول، كأنه رفع عتب لا أكثر، وتمرير للوقت الضروري. وكان النواب توافقوا على ان يتحدث واحد من كل كتلة اختصاراً للوقت، لكن الاتفاق سقط أمام رغبة البعض في الاطلالة الاعلامية. ولولا السجال بين النائبين خالد الضاهر ورياض رحال، والذي استعمل فيه الاول اهانات شخصية، وبعض "الشغب" الطريف للنائب سيرج طورسركيسيان، لاعتبرت جلسة مملة، وخصوصا ان اياً من الافرقاء لم يشأ تسجيل اعتراض اساسي على حكومة كادت ان تكون حكومة وحدة وطنية لولا غياب حزب الكتائب عنها، وجاءت نتيجة توافق سياسي تجسد في انتخاب الرئيس وتأليف الحكومة، وربما ينسحب الامر في الاتفاق على قانون انتخاب جديد او قديم معدل يراعي مصالح الاحزاب والمذاهب.
وإذ بدا لافتاً سقوط كل ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان من النسخة المطبوعة الموزعة على النواب، بسبب "السهو والغلط"، فإن الرئيس نبيه بري استدرك الامر قبل بدء الجلسة ووزع ملحقاً ولفت الى أخطاء طباعية عدة.
وفي ما يتعلق بقانون الانتخاب، أدرجت مصادر زيارة وفد من "حزب الله" للنائب وليد جنبلاط في كليمنصو في إطار تأكيد ما كان اعلنه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، ان الهواجس في شأن القانون لها مكان للبحث والتفاوض انطلاقا من إدراك الحزب أن النسبية الشاملة التي يطالب بها لن ترى النور على الارجح، وان المهم الذهاب الى قانون انتخاب لا يظلم أحدا ولا يكون مشكلة في البلد، وتاليا فإن التشديد على أن النسبية هي ممر الزامي للانتخابات المقبلة قد تم التخلي عنه، والدليل البارز هو عدم الاشارة الى ذلك في البيان الوزاري، مما يؤشر لغياب الاتفاق على اعتمادها او اعتبارها ممرا الزاميا وضروريا لإجراء الانتخابات. ويدرك الحزب ان اي قانون انتخابي لن يصير نافذا ما لم يتوافق عليه الجميع، شأنه في ذلك شأن جميع المسائل والامور الاساسية الكبيرة في البلد، ولذلك نحا الحزب في اتجاه التأكيد أن لهواجس البعض من النسبية الكاملة والشاملة مكانها. ومعلوم أنه سبق لـ"حزب الله" والحزب التقدمي الاشتراكي ان توافقا في جلسة سابقة على ان عدم القدرة على الاتفاق على الامور او المسائل الاساسية لا يعفي من تفعيل العمل الخدماتي والاجتماعي.
من جهته، لا يزال بري على موقفه من النسبية، وهو لا ينفك يردد "قلنا مراراً وتكراراً ان النسبية هي باب الخلاص للبنان، وانا ارى هناك من يعمل على نسفها وخنقها في المهد. وبناء على كل هذه التحديات سأبقى مستمرا على تحقيق هذا المطلب الوطني حتى لو بقيت وحدي".
الحكومة
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" عشية نيل الحكومة الثقة اليوم في جلسة تعقد الساعة 11.00 قبل الظهر، أن جدولا حافلا بالمهمات سينطلق مجلس الوزراء الى تنفيذه مع مجلس النواب. وفي طليعة هذه المهمات إعداد مشروع موازنة هي الاولى بعد أعوام، وهي ستأخذ طريقها بعد إدخال تعديلات على المشروع الذي سبق أن أعده وزير المال علي حسن خليل في عهد الحكومة السابقة. وتوقعت المصادر أن تستغرق مناقشة الموازنة وإقرارها في البرلمان الاشهر الفاصلة عن الربيع المقبل، على أن تتضمن إقرار سلسلة الرتب والرواتب بعد توفير مواردها، ولا سيما برفع طفيف للضريبة على القيمة المضافة.
أما المهمة التالية والتي تتصدر الأولويات أيضا، فستكون إنجاز قانون جديد للانتخاب. وفي وقت يدور النقاش حول مبدأ القانون المختلط (أكثري ونسبي) لفتت المصادر الى أن المهلة المتبقية قبل انتهاء ولاية المجلس الممدد له في 20 حزيران المقبل تبدو قصيرة نسبيا، مشيرة الى ان الامتحانات الرسمية ستنطلق في 7 أيار المقبل وتستمر أسابيع، وسيكون إنجازها أمرا ضروريا للذهاب الى الانتخابات، باعتبار أن المؤسسات التربوية الرسمية تشكل مراكز اقتراع والاساتذة فريق العمل للاشراف على الانتخابات، فضلا عن أن هناك تحديا يتمثل بالقدرة على تطبيق قانون جديد. وقالت المصادر إن إمكان فتح دورات استثنائية لمجلس النواب أمر وارد، من أجل بقاء التشريع بوتيرة مناسبة لوضع قوانين تتطلبها المرحلة.

 

المستقبل :

في السباق الوطني المتسارع نحو إعادة تثبيت ركائز الدولة واستنهاضها من غيبوبة الفراغ وسباتها المؤسساتي الطويل، تخطت حكومة الرئيس سعد الحريري محطة الثقة البرلمانية بسرعة قياسية على مسار الزخم والاندفاع نفسه الذي ميّز محطاتها السابقة، تكليفاً وتأليفاً وإقراراً للبيان الوزاري، لتحصد صباح اليوم ثقة وطنية عارمة بعزمها وقدرتها على الشروع في مهمة «استعادة الثقة بالدولة والدستور والوفاق (...) وترجمة الأمل والتفاؤل بإقرار قانون انتخاب جديد وبنهوض اقتصادي يعيد النمو ويلبي حاجات جميع اللبنانيين« كما تعهد الحريري أثناء تلاوته نص بيان حكومة «استعادة الثقة» أمام مجلس النواب، في جلسة شدد في مستهلها على كونها «تختصر كل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وإنجازاتنا وتألقنا وعثراتنا وأزماتنا»، باعتبار «كل تحديات النجاح أو الفشل تُختصر بكلمة واحدة هي الثقة» التي كلما ارتفع منسوبها «كان الازدهار والاستقرار والنجاح» وكلما بدأت بالتراجع «يكون الواقع في طريقه نحو الفشل». إذاً، وتحت دفع منسوب الثقة المرتفع الذي أبدته أغلبية الكتل البرلمانية الوازنة في أول أيام «جلسات الثقة» الثلاثة، تقرر اختصار الكلمات والجلسات لتنتهي بذلك عملية مناقشة البيان الوزاري في جلستي الأمس الصباحية والمسائية على أن يعود المجلس إلى الاجتماع عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم للاستماع إلى ردّ الحكومة على مداخلات النواب والتصويت على الثقة بها.. إيذاناً بالانطلاق بدءاً من اليوم في مهمة «استعادة الثقة (...) والانتقال من الانقسام الحاد إلى الوحدة الوطنية ومن الخصومة والانقسام إلى التنوع والاختلاف»، بحسب ما وعد الحريري في كلمته أمس.

وفي أبرز وقائع «أول وآخر» أيام مناقشة بيان «استعادة الثقة»، فقد استُهل صباحاً بتلاوة مراسيم استقالة حكومة الرئيس تمام سلام وتسمية الرئيس الحريري وتأليف الحكومة، ثم تليت المادة الرابعة من النظام الداخلي والمتعلقة بملء الشواغر في مكتب المجلس وعضوية اللجان الدائمة بسبب التوزير. في حين لفت بري انتباه النواب قبل البدء بتلاوة البيان إلى بعض العبارات التي جرى تصحيحها فيه فضلاً عن إضافة الفقرة الخاصة بالمحكمة الدولية بعدما سقط تدوينها سهواً في الصيغة النهائية الأولية التي كان قد جرى توزيعها.

وعلى الأثر ألقى رئيس الحكومة كلمة توجّه فيها إلى المجلس قبل تلاوته البيان الوزاري بالتشديد على أنّ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول الفائت «لم تكن الجلسة السادسة والأربعين لملء الشغور بل الجلسة الأولى للعودة إلى الانتظام تحت قبة البرلمان لإعادة تأكيد ثقتنا بنظامنا الديمقراطي البرلماني وبالشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستورية». وعلى وقع إشارته إلى «الواقع الخطير» اقتصادياً في البلد ربطاً بارتفاع نسبة الفقر والبطالة وانخفاض النمو، استعرض الحريري نص البيان الوزاري للحكومة التي أطلقت لنفسها عنوان «استعادة الثقة» باعتبار أنّ «الثقة هي أغلى ما يمكن أن يملكه بلدنا واستعادتها هي أسرع ما يمكن أن ننجزه»، طالباً من المجلس «استكمال الثقة» التي كان قد أطلقها «عندما أنهى عامين ونصف من الفراغ بانتخاب فخامة الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية».

وبعد أن فنّد بنود ومضامين البيان (ص2)، التي أكدت الجهوزية الحكومية للشروع في تنفيذ «سلسلة أولويات على رأسها إقرار موازنة 2017 وإقرار التشريعات اللازمة والجاهزة أمام المجلس النيابي، وتقديم مشاريع قوانين تسهل بيئة العمل الإقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية وتنظيمها وتطويرها، والتخطيط للاصلاحات والمشاريع البنيوية والإقتصادية والإنمائية»، فضلاً عن التعهد «بالعمل على أن تكون القضايا الوطنية التي تعني جميع اللبنانيين من دون استثناء في رأس جدول أعمال مجلس الوزراء»، توالى 22 نائباً من مختلف الكتل والمستقلين على المنبر لإبداء ملاحظاتهم والتعبير عن تطلعاتهم الحكومية، لتمنح في محصلة المشهد أغلبية نيابية وازنة الثقة للحكومة، بينما حجبها كل من كتلة «الكتائب اللبنانية» والنائب خالد الضاهر، في حين أعلن النائب بطرس حرب «الامتناع عن حجب الثقة وعن منحها» وأعلنت كتلة «التضامن» مقاطعة جلسات مناقشة البيان.

 

الديار :

جلسة «الثقة» النيابية لم تكن على قدر آمال اللبنانيين، وغاب الاهتمام الشعبي كلياً رغم انها الجلسة الاولى منذ سنتين ونصف، حتى الكلمات لم تكن على مستوى مشاكل البلد الاقتصادية والاجتماعية، وكانت «سطحية» و«مسلوقة» في ظل اصرار النواب على الرئيس بري «الاستعجال» وانهائها امس كي يتسنى لهم المغادرة وقضاء «عطلة الاعياد» في المنتجعات الخارجية، لكن نقص عدد النواب وعدم انجاز الرئيس الحريري لرده اديا الى تأجيل جلسة الثقة المحسومة الى اليوم ولن تستغرق مدتها الساعة فقط كي يسافر «كبار القوم».
الجلسة النيابية امس كشفت «افتقار» البلد الى «القامات» النيابية وموت الحياة النيابية التي لن تصحح وتعود عافيتها الا بقانون انتخابي عادل على مستوى البلد يضرب الاقطاعيات الطائفية والمالية ويؤسس لحياة سياسية جديدة لن تتحق طالما كل الكتل النيابية تريد قانون الستين، وتعمل له، فيما رفضها ليس الا من «باب الضحك على الذقون» وهذا الامر بدأ يتكشف مع بدء اعلان معظم الكتل ولو «همسا» ان «الستين» هو أهين الحلول.
لكن اللافت ان الجلسة شهدت سجالات مستقبلية، ستؤسس لمرحلة جديدة في منطقة الشمال، وبعد ان عاد النائب خالد الضاهر الى «بيت الطاعة المستقبلي» خلال الانتخابات الرئاسية، وصوت مع كتلة المستقبل لصالح العماد ميشال عون، وحضر مراراً الى بيت الوسط لكن «رياح» الضاهر «المستقبلية» الشمالية تبدلت كلها امس، ولم يعط الثقة للحكومة وخالف قرار المستقبل رغم ان الرئيس فؤاد السنيورة «تهرب» من حضور الجلسات بشكل ديبلوماسي واعلن مغادرته لبنان، كما ان الرئيس نجيب ميقاتي مع النائب احمد كرامي لم يحضرا الجلسة. وهذا ما سيؤسس حكماً الى تحالف وازن وقوي وفاعل في طرابلس والشمال بين الوزير اشرف ريفي والرئيس ميقاتي والنائب خالد الضاهر صاحب الحضور القوي وربما حسم هذا التحالف الانتخابات النيابية لصالحه وسيواجه الحريري مشكلة كبرى في طرابلس خصوصا ان اجواء الود والتلاقي على افضل حال بين الرئيس ميقاتي والوزير اشرف ريفي الذي حسم الانتخابات البلدية لصالحه في طرابلس واذا انضم النائب خالد الضاهر الى التحالف مع حضوره الاسلامي القوي فان معادلة جديدة سترسم في الشمال ويدركها الحريري جيداً، الذي تفاجأ بكلام خالد الضاهر ضد الحكومة وضد زميله في كتلة المستقبل رياض رحال، وربما اتخذت كتلة المستقبل قرارا في جلستها المقبلة ضد النائب خالد الضاهر.
واللافت ان الجلسة النيابية المخصصة لمناقشة البيان الوزاري، تطرقت الى كل شيء الا الى بنود البيان الوزاري حتى ان فقرة المحكمة الدولية اضيفت قبل دقائق من القاء الحريري للبيان وكذلك الملف النفطي، باستثناء القوات اللبنانية التي تطرقت الى موضوع سلاح المقاومة لكن نواب المستقبل تجاهلوا هذا الملف والعلاقة مع سوريا والنأي بالنفس وكل الملفات الخلافية من اجل انطلاق الحكومة، وحتى انهم لم يردوا على كلمة نائب حزب الله الحاج علي عمار بقوله «من نساجله يكبر ومن يساجلنا يصغر».
اليوم ستنال الحكومة ثقة معظم الكتل النيابية باستنثاء الكتائب والوزير بطرس حرب والنائب خالد الضاهر، لكن اللافت ان الوزير اشرف ريفي غاب عن الجلسة.

ـ قانون الانتخابات ـ

ورغم مرور جلسة الثقة بشكل هادئ وودي، لكن هذا الهدوء لن يطول مع بدء مناقشة قانون الانتخابات في جلسة الحكومة المقبلة، وعندها ستنفجر الخلافات لان البعض يعتبر القانون مسألة «حياة او موت» سياسية بالنسبة له وحسب المعلومات فان النائب وليد جنبلاط هدد بتصعيد كبير واعطى تعليمات لماكينته باطلاق حملة تصاريح سياسية واعلامية ضد النسبية ورفع السقف عاليا.
وفي المعلومات فانه في «عز» الهجوم الجنبلاطي على «النسبية» جاء كلام الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله عن استعداد حزب الله لمراعاة هواجس البعض وقلق البعض قاصداً النائب وليد جنبلاط دون ان يسميه. وهذا ما استدعى اتصالا من جنبلاط بالحاج وفيق صفا شاكراً السيد على مواقفه، واستتبع ذلك بسلسلة مواقف اشتراكية ايجابية تجاه حزب الله وبعدها قام المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل والحاج وفيق صفا بزيارة جنبلاط في كليمنصو بحضور النواب اكرم شهيب، وائل ابو فاعور وغازي العريضي. وكان «طبق» النقاش الوحيد قانون الانتخابات، رغم التباين بين الطرفين حول تمسك جنبلاط برفض النسبية واعلان حزب الله موقفه المعروف لجنبلاط بتأييده للنسبية، لكنه تم التوافق بين الطرفين على استمرار النقاشات وتشكيل لجنة للوصول الى تفاهم اذا أمكن واعلان جنبلاط ماذا يريد، واي قانون يريده؟ مقابل ماذا يريد حزب الله ايضا؟ واكد وفد الحزب انه يتفهم هواجس جنبلاط، وتمسك حزب الله بالنسبية ليس مقصوداً به جنبلاط ولا الطائفة الدرزية. وكانت اجواء الاجتماع جيدة، وخرج جنبلاط مرتاحا حسب مصادره رغم استمرار التباين. لكن بالحوار يتم الوصول الى تفاهمات، لكن حزب الله يؤكد دائما ان الحوار مع جنبلاط لا يعني عدم تفهم حزب الله لهواجس حلفائه الدروز ايضا وتمسكهم بالنسبية.

ـ لجنة حزب الله والمستقبل وامل ـ

وفي ملف قانون الانتخابات ايضا، علم ان اللجنة الثنائية بين حزب الله وتيار المستقبل التي تجتمع بشكل دوري في عين التينة ستتحول الى ثلاثية بانضمام حركة امل وسيكون النقاش محصوراً في اجتماعها المقبل بقانون الانتخابات والوصول الى صيغة توافقية تولد من «رحم» القوانين المطروحة وربما تحتاج الى «معجزة» للوصول اليها. وهذا ما سيؤدي الى اجراء الانتخابات على اساس الستين.
 علما ان النقاش مستقبلا بين الكتل وداخل الحكومة سينحصر بقوانين الستين، والمختلط اي قانون الاشتراكي المستقبل القوات اللبنانية الذي لم يعد متحمسا له جنبلاط واساسه 68 نائباً على الاكثري و60 نائبا على النسبي، وقانون كتلة التنمية والتحرير والذي يتبناه الرئيس بري 64 اكثري 64 نسبي، وايضا قانون التأهيل الاكثري في القضاء والنسبي في الدوائر الكبرى، علما ان جنبلاط يرفض ما ورد في قانون الرئيس بري لجهة ضم بعبدا الى الشوف وعاليه فيما قانون القوات المستقبل الاشتراكي يتمسك بعاليه والشوف دائرة واحدة، وهذا فقط ما يرضي جنبلاط ويزيل هواجسه لكن المعارضة الدرزية تتمسك ايضاً بالنسبية وبثلاثية بعبدا الشوف عاليه ونقلت موقفها بوضوح الى حزب الله الذي سيوازن حتما بين مطالب جنبلاط وحلفائه الدروز رغم ان علاقة جنبلاط بحزب الله هذه الايام «سمن وعسل».

 

الجمهورية :

إختصَروا أيام النقاش الثلاثة بواحد، وتَقرّر التصويت على الثقة بالحكومة اليوم، لكنّهم في الطريق استدركوا «السهو» عن ذكر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في البيان الوزاري فاستلحقوه به على عجَل، وسارت المناقشات التي لم تخلُ مِن بعض السجالات والمشادّات الكلامية بألفاظ وعبارات نابية بين «أبناء الصفّ الواحد» فتدخّلَت مطرقة رئاسة المجلس ولجَمتها وشَطبتها من محضر الجلسة التي كان الحضور فيها «من كلّ فجٍّ عميق»...

عشيّة جلسة تصويت مجلس النواب على الثقة بالحكومة، والتي تُعقد الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، وسماع جواب الحكومة، بدا جليّاً أنّ رئيس «حكومة استعادة الثقة» سعد الحريري، كما شاء تسميتَها، سيتمكّن من انتزاع ثقة موصوفة ووازنة ومريحة لحكومته التي يُفترض أن تنكبّ بعد الأعياد على معالجة ملفات أساسية، أبرزُها: قانون الانتخاب والموازنة العامة للدولة والتعيينات الإدارية لإنهاء الشغور.

وكانت الحكومة قد نالت في جلسة الأمس التي اختُصِرت بها الأيام الثلاثة المقرّرة لمناقشة البيان الوزاري ثقةَ كلّ مِن: الرئيس تمام سلام وكتَل «الإصلاح والتغيير»، «القوات اللبنانية»،»الوفاء للمقاومة»، «المستقبل»، الحزب «السوري القومي»،«اللقاء الديموقراطي»، «التنمية والتحرير»، «لبنان الحر الموحّد»،»الجماعة الإسلامية».

وحجبَ الثقة كلّ مِن: كتلة «التضامن» برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي التي لم تحضر إلى مجلس النواب، النائب خالد الضاهر، وكتلة حزب الكتائب، فيما امتنَع النائب بطرس حرب عن حجبِ الثقة عن الحكومة، كما امتنعَ عن منحِها إياها «بغية منحِ العهد الجديد ورئيسه فرصة إثبات قدرته على الوفاء بقسَمه ومنحِ رئيس الحكومة فرصةَ ترجمة بيان حكومته أفعالاً وإنجازات».

عون يتابع

وفي الوقت الذي كانت الأنظار مشدودة إلى مداخلات النواب في ساحة النجمة، كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتتبّع باهتمام مضمونَ مناقشات النواب للبيان الوزاري للحكومة، منتظراً نَيل الحكومة الثقة للانطلاق بالورشة الحكومية الكبرى على مختلف المستويات.

جلسة واردة

وحول احتمال عقدِ جلسة لمجلس الوزراء غداً الخميس أو الجمعة، أجمعَت مصادر قصر بعبدا والسراي الحكومي على القول لـ»الجمهورية» إنّ الاتصالات مفتوحة بين عون والحريري، وإذا استدعَت الحاجة تنعقد جلسة خلال اليومين المقبلين، إذ إنّ هناك كثيراً من القضايا الملحّة التي تحتاج للبتّ في مجلس الوزراء.

وحول التكهّنات والتسريبات عن تعيينات في بعض المواقع العسكرية والأمنية والإدارية، قالت المصادر إنّ المشاورات لم تقارب بعد أياً مِن هذه التعيينات، وإنْ كانت التحضيرات جارية لملءِ الشواغر الإدارية. إذ إنّ هناك العشرات من المواقع التي تُدار بالتكليف أو بالإنابة، وهو أمرٌ سينتهي قريباً بمعزل عن ملفّي قانون الانتخاب والموازنة العامّة.

الحريري

وكان الحريري قد أكّد قبَيل تلاوته البيانَ الوزاري أنّ «استعادة الثقة تبدأ بالاتفاق على الواقع الذي نحن فيه»، وشدّد على أهمّيةِ الثقة في المجتمعات، وقال: «عندما تبدأ الثقة بالتراجع يكون الواقع في طريقه نحو الفشَل».

وشدّد البيان على ضرورة إقرار موازنة 2017، وتسريع الإجراءات المتعلقة بدورة التراخيص للتنقيب عن النفط واستخراجه، بإصدار المراسيم والقوانين اللازمة وتأكيد حقّ لبنان الكامل في مياهه وثروته من النفط والغاز، وبتثبيت حدوده البحرية، خصوصاً في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

كذلك شدّد البيان على «العمل على وضعِ استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، أمّا الاستراتيجية الدفاعية الوطنية فيتمّ التوافق عليها بالحوار».
وفي موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تمّت إضافتُها بعدما كانت قد غابَت عن الصيغة النهائية للبيان الوزاري «بسبب سهوٍ طباعي»، أظهَر البيان حرصَ الحكومة «على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه»، ومتابعتها «مسارَ المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة بعيداً عن أيّ تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسِلمه الأهلي».

وأكّد البيان العمل «على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية في أسرع وقت ممكن، على أن يراعي هذا القانون قواعدَ العيش الواحد والمناصفة ويؤمّن صحّة التمثيل وفعاليتَه لشتّى فئات الشعب اللبناني وأجياله، وذلك في صيغةٍ عصرية».

ونصَّ البيان أيضاً على»ضرورة ابتعاد لبنان عن النزاعات الخارجية ملتزمين احترامَ ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة
منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن ساحةَ سلام واستقرار وتَلاقٍ».

وأكّد احترام الحكومة «للمواثيق والقرارات الدولية كافّة والتزامَها قرارَ مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، وعلى استمرار الدعم لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان».

وشدّد على أنّ الحكومة «لن تألوَ جهدا ولن توفّر مقاومةً لتحرير ما تبَقّى من أراضٍ لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدوّ لمّا يزَل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استناداً إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه.

وأكّد «واجب الدولة وسعيَها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزءَ اللبناني من قرية الغجر بشتّى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».

واعتبر أنّ الحلّ الوحيد لأزمة النازحين «هو بعودتهم الآمنة إلى بلدهم ورفض أيّ شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم في المجتمعات المضيفة. وأكّد «رفضَ مبدأ توطين اللاجئين وخصوصاً الفلسطينيين، والتمسّكَ بحقّهم بالعودة إلى ديارهم».

وكانت كلمات النوّاب في الجلسة التي غاب عنها الرئيس فؤاد السنيورة لوجوده في الخارج، والنائب وليد جنبلاط، لم تأتِ بأيّ مفاجآت، وقاربَت ملفات عدة، أبرزُها قانون الانتخاب، وضرورة إقرار قانون للموازنة، ودعوة إلى ورشة إصلاح لمكافحة الفساد، وتشديد على تطبيق «الطائف» واحترام الدستور، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي غابت عن البيان الوزاري.

ووصَف وزيرٌ سابق البيانَ الوزاري بأنّه بيان «تقليدي يعكس التناقضات الموجودة في الحكومة»، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ الحكم على الحكومة ليس وقفاً على البيان إنّما على العمل الوزاري، وهذا يتطلب وقتاً لكي يتبيّن».

المرّ

على صعيد آخر، لفتَ نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر، خلال استقباله الأمينَ العام لحزب «الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان في مكتبه في العمارة مساء أمس الأول، إلى «أنّنا أمضَينا 50 عاماً في التحالف بين حزب «الطاشناق» وبيننا، وما بتِحرز أن لا نكمل المشوار معاً»، مؤكّداً: «نفتخر بأنّنا تَحالفنا بشرفٍ ووفاء لخدمة الناس والوقوف إلى جانبهم والدفاع عن حقوقهم، ومِن أجل إنماء المتن ولبنان». فيما أكّد بقرادونيان «أنّ المتن يتّسع للجميع، ولا سبب يَجعلنا نفكّر في أنّ هذا التحالف لن يكون في خدمة الناس».

 

 

اللواء :

الثقة المرتفعة التي ستمنح لحكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال عون، ربما لا تكون آخر «البشائر البيضاء» التي حملها كانون الاول من العام 2016، قبل أيام ثلاثة من انتهائه، حيث سجل هذا الشهر سلسلة من العلامات الجيدة، سواء في ما خص المطر والثلج، أو «الثقة البيضاء» التي أعربت غالبية الكتل النيابية عن عزمها على اعطائها لـ«حكومة استعادة الثقة» التي تذهب إلى العام المقبل، ومعها آمال اللبنانيين بسنة جديدة ستبدأ معالم وجهتها مع اول جلسة يعقدها مجلس الوزراء الأربعاء المقبل في الرابع من كانون الثاني في القصر الجمهوري، وفي الموعد المتفق عليه بين الحادية عشرة والثانية بعد الظهر.
ووفقاً لمصدر وزاري مطلع، فان من أولى مهام الحكومة الحريرية فتح ملف التعيينات الأمنية والإدارية، لا سيما في ما يتعلق بقيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، على أن تنتقل التعيينات إلى المناصب الشاغرة في الإدارات العامة.
وإذا كانت موازنة العام 2017 التي احيلت إلى الحكومة السابقة، تشكّل أولوية في الشهر الأوّل من السنة الجديدة، بعد ان تمّ فصل الاتصالات من أجل قانون جديد للانتخابات عن المجريات الأخرى للحكومة، فان المرحلة الأولى من جولات الرئيس عون العربية ستكون على الطاولة أيضاً، ربما في اول جلسة للحكومة بعد نيلها الثقة او في الأسبوع الذي يلي، باعتبار أن استعادة الثقة العربية والدولية بلبنان يتعين أن تتزامن مع إجراءات استعادة الثقة في الداخل، وقبل حصول اجندات دولية وخارجية قد تحمل مفاجآت غير سارة، في ظل الصراعات المتأججة في المنطقة، والتحولات الخطيرة، سواء في الولايات المتحدة او اوروبا الغربية.
واعتبرت مصادر نيابية واسعة الاطلاع انه لا يمكن الاستهانة بالانجازات السياسية والأمنية والوفاقية التي تحققت، على الرغم من بعض الأصوات التي لا تزال تتجاهل هذه الإنجازات وانعكاساتها على استعادة الثقتين اللبنانية والخارجية، بالمحاولات القوية الجارية لانتشال الدولة اللبنانية من حالتي الفشل والشلل اللتين اصابتها في الصميم وكادت ان تجعل من اليأس قاعدة بدل الرجاء.
ولاحظت هذه المصادر أن كلمات النواب في معرض مناقشة البيان الوزاري، باستثناء المشادة غير المبررة بين نائبي عكار خالد الضاهر ورياض رحال، عكست أجواء لا يمكن الاستهانة بها من الوفاق الداخلي، على عدم تعريض لبنان لتداعيات الأزمة السورية أو الصراعات الإقليمية الجارية.
وتوقفت هذه المصادر عند التقارب الذي ظهر من قبل كتلة «الوفاء للمقاومة» تجاه الحكومة ورئيسها، والذي عبّر عنه بصورة واضحة النائب علي عمار الذي أعلن مد اليد للرئيس الحريري وحكومته.
وقالت هذه المصادر لـ«اللواء» انه بعد جلسة الثقة، فان المجلس النيابي الذي ينهي عقده العادي الأوّل بانتظار صدور مرسوم فتح دورة استثنائية من أجل إقرار الموازنة ومواكبة التحضيرات لقانون الانتخاب، لن يتوانى عن مواكبة عمل الحكومة، لا سيما في حقلي التشريع والمراقبة، بعد ان تعهد الرئيس الحريري في بيانه الوزاري بأن تقدّم الحكومة تقريراً مختصراً عن اعمالها من اجل مساعدة المجلس على ممارسة صلاحياته في الرقابة والمساءلة، ورد الرئيس بري بالإعراب عن استعداده للدعوة إلى عقد جلسة مساءلة شهرياً.
ثقة بيوم واحد
ودل اختصار جلسات الثقة التي كانت مقررة بثلاثة أيام بيوم واحد، على ثبات أجواء الانفراج وقوة التسوية السياسية التي أنهت الشغور الرئاسي وأعادت الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة.
ولم يقتصر هذا الأمر على اختصار الجلسات، بل واكبه مساع حثيثة لحصر مواقف الكتل بنائب أو نائبين، وهكذا تكلم 22 نائباً من أصل 27 طلبوا الكلام، وطوي الكلام، على ان يردّ الرئيس الحريري على مداخلات اليوم، ثم يبدأ التصويت على الثقة، ثم ترفع الجلسة.
وفي تقدير مصدر نيابي، ان عدوى السرعة في إقرار البيان الوزاري لحكومة «استعادة الثقة»، في أقل من 72 ساعة حكومياً انسحب على جلسات المناقشة نيابياً، إذ ان الرئيس برّي كان يزمع بعد اختصار كلمات النواب من 27 نائباً طلبوا الكلام إلى 22 في الجلستين الصباحية والمسائية، ان يطرح الثقة بالحكومة ليلاً، لكن الرئيس الحريري طلب من الرئيس برّي تأجيل التصويت على الثقة إلى جلسة تعقد قبل ظهر اليوم لتأمين أكبر حضور للنواب، خصوصاً وأن حضور هؤلاء النواب ليلاً تفاءل كثيراً، وكان ثمة خشية فيما لو طرحت الثقة ان تكون هزيلة لا تتجاوز الـ60 صوتاً، وهو الأمر الذي انتبه إليه الرئيس برّي، رغم انه كان ينوي بالتفاهم مع الرئيس الحريري إنجاز المناقشة والتصويت في يوم واحد.
وعلى هذا الأساس تفاهم الرئيسان برّي والحريري على ان تعقد جلسة التصويت قبل ظهر اليوم، خصوصاً وانه يفترض بالمجلس ان يستمع إلى جواب الحكومة على مداخلات النواب، قبل طرح الثقة.
وبحسب المصدر النيابي فإن الثقة ستكون على أبواب المائة صوت، ويعزو ذلك إلى وجود عدد من النواب خارج البلاد، وبينهم ثلاثة من كتلة «المستقبل» وهم: الرئيس فؤاد السنيورة والنائبان زياد القادري وسيبوه كلبكيان، ومرض النائب بدر ونوس، بالإضافة إلى الرئيسين تمام سلام (الذي لم يحضر الجلسة المسائية) ونجيب ميقاتي الذي أعلن والنائب احمد كرامي مقاطعتهما جلسات الثقة، ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي ترددت معلومات انه خارج البلاد، والأمر نفسه يسري على رئيس تيّار «المردة»النائب سليمان فرنجية، رغم ان كتلته بشخص النائب اسطفان الدويهي أعلنت إعطاء الحكومة الثقة.
ورجح هذا المصدر ان يصل عدد حاجبي الثقة إلى حدود 11 نائباً، بينهم 5 من نواب الكتائب، والتي أعلن رئيس الحزب سامي الجميل حجبها، بالإضافة نواب مستقلين، بينهم النواب بطرس حرب الذي أعلن امتناعه عن إعطاء الثقة، ورئيس حزب الوطنيين «الاحرار» دوري شمعون، وربما نائب حزب «البعث» عاصم قانصوه، مع الإشارة إلى ان حكومة الرئيس الحريري الأولى التي تشكّلت في كانون الأوّل 2009 نالت ثقة 122 نائباً من أصل 124 نائباً حضروا الجلسة يومذاك، فعارض نائب واحد وامتنع آخر.
وكادت مناقشة البيان الوزاري في مرحلتيها الصباحية والمسائية والتي تحدث فيها 22 نائباً أن تمر بهدوء قلّ نظيره، لو لم يعكر صفوها «سجال ناعم» حصل بين الرئيس برّي والنائب خالد الضاهر على خلفية المقاومة والسلاح، والتي سبقتها مجادلة لم تخل من النبرة العالية بين رئيس المجلس والنائب إبراهيم كنعان على خلفية لائحة طالبي الكلام، حيث طلب كنعان حصر الكلام بنائب عن كل كتلة، وهو ما رفضه الرئيس برّي بسبب سابقة حصلت معه حول هذا الأمر، حيث لم يتم التجاوب معه من قبل الكتل.
أما السجال الناري فهو الذي اندلع بين الضاهر والنائب رياض رحال الذي اعترض هجوم زميله على الحكومة، عازياً سبب ذلك لعدم توزيره، وهو ما حمل النائب الضاهر على رشق النائب رحال «بصلية» قوية من الكلام النابي الذي استدعى الرئيس برّي إلى التدخل السريع وطلبه شطب تلك العبارات من محضر الجلسة، قبل أن يعلن نائب عكار حجب الثقة عن الحكومة.
عدا هذه المحطة القصيرة من التوتر، فان أجواء التوافق السياسي طبعت مناخات الجلسة على الضفتين النيابية والحكومية بشكل واضح، لا بل انه برز حرص واضح من قبل غالبية الكتل على تسهيل مرور الحكومة من خلال بيانها الوزاري لمباشرة عملها بثقة نيابية عالية، سيما وأن ما تضمنه هذا البيان من مفردات وعبارات حظيت برضى أكثرية النواب، لا سيما منهم الذين كانوا قد امتنعوا عن تسمية الرئيس الحريري لتأليف الحكومة، وعلى وجه الخصوص كتلة «الوفاء للمقاومة» التي أعلن نوابها عن استعدادهم لمد اليد للحكومة، وإبداء مرونة لافتة في مقاربة ما تضمنه البيان الوزاري، ومنح الثقة في سابقة قلّ نظيرها، وهذا يُشجّع على القول بأن المجلس سيشكل رافعة للحكومة لتمكينها من تنفيذ المهمة التي جاءت لأجلها وفي مقدمها إعداد قانون جديد للانتخابات.
البيان الوزاري
وكان الرئيس الحريري تعهد في البيان الوزاري لحكومته، التي اتخذت لنفسها عنوان «استعادة الثقة» بالعمل على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية في أسرع وقت ممكن، على ان يراعي هذا القانون قواعد العيش الواحد والمناصفة ويؤمن صحة التمثيل، وذلك في صيغة عصرية تلحظ الإصلاحات الضرورية، كما تعهد بوضع استراتيجية وطنية عامة لمكافحة الفساد، وملء الشواغر في الإدارات والمؤسسات العامة باصحاب الكفاءات، معلناً التزام الحكومة بوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب على كامل الأراضي اللبنانية، أما الاستراتيجية الدفاعية الوطنية فيتم التوافق عليها بالحوار.
وأوضح الرئيس الحريري ان البيان الوزاري الذي اقره مجلس الوزراء في جلسته السبت الماضي، بعدما سجل وزراء «القوات اللبنانية» والوزير ميشال فرعون تحفظاً على الفقرة المتعلقة «بحق المواطنين اللبنانيين في المقاومة» معتبرين ان هذا الحق محصور بالدولة، وضع سلسلة أولويات على رأسها إقرار موازنة الـ2017 من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني، والعمل فوراً لمعالجة المشاكل المزمنة بدءاً بالكهرباء والمياه وأزمات السير ومشكلة النفايات وتلوث مياه نهر الليطاني.
وأكّد ان الحكومة ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي انشئت مبدئياً لاحقاق الحق والعدالة بعيداً عن أي تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي، معلناً التزامه الحكومة بما جاء في خطاب القسم بالنسبة إلى حياد لبنان وابتعاده عن الصراعات الخارجية، فيما استعاد البيان الفقرة نفسها التي وردت في البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام بالنسبة الى الصراع مع العدو الاسرائيلي، بما في ذلك «حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
وشدّد البيان على أن تسهل الحكومة بيئة العمل الإقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية (الصناعية والزراعية والسياحية) وتنظيمها وتطويرها، والتخطيط للاصلاحات والمشاريع البنيوية والإقتصادية والإنمائية.
كما أعلنت التزام الحكومة تسريع الإجراءات المتعلقة بدورة التراخيص للتنقيب عن النفط واستخراجه، بإصدار المراسيم والقوانين اللازمة مؤكدة حق لبنان الكامل في مياهه وثروته من النفط والغاز، وبتثبيت حدوده البحرية، خصوصا في المنطقة الإقتصادية الخاصة.
ولم يخل البيان من التزام الحكومة مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة اعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، مشيراً الى انها لم تعد تستطيع وحدها تحمل هذا العبء الذي اصبح ضاغطا على وضعها الاجتماعي والاقتصادي والبنيوي بعد ان وصل عدد <