بعد تأليف الحكومة الذي نرجوه غير بعيد، بات قانون الانتخاب يحتلّ الصدارة، إذ إنه باب من ابواب تقويم الاعوجاج الوطني، وتوطيد أسس الشراكة الفعلية لا الإسمية بين المكوّنات.
 


أما الكلام المستمر عن الخيار الحتمي بين تأجيل يُسمى «تقنياً» وبين استمرار مفاعيل القانون 25 الصادر عام 2008 أي القانون الذي يعتمد نظام وتقسيمات القانون الصادر سنة 1960 في عهد المغفور له الرئيس- المثال فؤاد شهاب، فمردودٌ بالشكل والأساس.

إذ إنه يخفي نيات واضحة بتمرير الانتخابات النيابية وفق القانون الحالي ما يجعل التمثيل السياسي البرلماني مشوباً بعيوب اللاتوازن المؤثر بشكل كبير على وضعية الشراكة الوطنية التي تتعرّض لانتهاكات واضحة منذ العام 1990 وما بعده.

طبعاً، لم يأتِ اعتماد أحكام هذا القانون الذي لم نزل نعيش في ظله من إرادة محض سياسية غير مستندة الى معطيات أو ظروف معيّنة. إذ إنّ الرئيس شهاب، الآتي الى الرئاسة بعد أحداث 1958 الدامية والتي أرخت بثقلها على الموالفة الوطنية بين الطوائف المكوِّنة للبنان، لم يكن بعيداً من المسبّبات والظروف الداخلية والخارجية والتي تسبّبت بنشوب تلك الأحداث، فقام بمشاورات ومداولات على المستوى الوطني أدّت به للاقتناع بتقسيم الدوائر الانتخابية بشكل أساسي وشبه شامل ‬على أساس القضاء الإداري‮.

ومردّ ذلك الى تيقّنه أنّ اعتماد الدوائر الصغرى في‮ ‬عهد الرئيس الراحل كميل شمعون،‮ ‬أدّى الى رسوب قيادات تقليدية،‮ ‬واحتدام النزاعات المناطقية والعائلية، طبعاً ‮‬بالإضافة الى إمكانية تأثير المال في‮ ‬تقرير نتائج الانتخابات على مستوى الدوائر الصغرى‮.

كان طموح الرئيس شهاب يرنو الى اعتماد قانون انتخابات ‬جديد‮ ‬‬يحدث أو‮ ‬يطوّر التمثيل الشعبي،‮ ‬ويحرّره من تأثير المال والطائفية والزعامات الإقطاعية‮. ‬ولكنه كان ملِمّاً الى حدّ بعيد ‬بأطر الواقعَين السياسي‮ ‬والطائفي،‮ ‬الذي‮ ‬سبق أو أعقب ثورة ‮8591.

لذلك قسم بيروت الى ثلاث دوائر انتخابية وفصل المدن عن المحافظات، متخطِّياً مطالب اعتماد الدائرة‮ - ‬المحافظة الذي سعى اليه بعض الاحزاب والقيادات الذين اكتووا بنظام الدائرة الفردية‮. ‬

جرت الانتخابات النيابية في‮ ‬جوّ من النزاهة والحياد الحكومي‮. و‬لم‮ تلقَ ‬اعتراضات تُذكر رغم سقوط وجوه عديدة من النواب وعودة وجوه سياسية تقليدية ومن بينهم صائب سلام وكمال جنبلاط وسليمان فرنجية وصبري‮ ‬حماده‮. ولكنّ اللافت كان ظهور وجوه شابة ولامعة (من الواضح أنّ العقلية السياسية التي كانت سائدة آنذاك كانت أكثر عصرية من تلك المهيمنة في عالمنا المعاصر)، ومن بينهم بيار الجميل وفؤاد بطرس وكاظم الصلح ‬وموريس الجميل.

أما الملفت أكثر فكان فوز بعض معارضي‮ ‬الرئيس شهاب البارزين،‮‬ كالرئيس كميل شمعون،‮ ‬‬وعادل عسيران وادوار حنين،‮ ‬وغيرهم ممّن لم‮ ‬يكونوا محسوبين على العهد الجديد‮.

كلّ ذلك مرده الى سياسة الحياد التي اعتمدها الرئيس شهاب والتي عاد بعض المقربين منه الى تشويه صورتها قبيل نهاية عهده أي في انتخابات 1964، إثر ما عُرف بتدخّلات المكتب الثاني آنذاك في الحياة السياسية اللبنانية، ما أدّى الى ردّة فعل قوية لا سيما في المناطق المسيحية التي عادت وبايعت الحلف الثلاثي المناهض «للنهج» الشهابي والمؤلَّف من الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون اده.

هذه الأمثولات التاريخية تشير وبوضوح كلّي الى أنّ أيّ قانون انتخاب يُفَصّل على القياس أي وفق حسابات الربح والخسارة لهذا الفريق أو ذاك سيؤدّي ولو بعد حين الى ردّة فعل ممَّن يعتبرون أنهم مغبونون في صحّة تمثيلهم النيابي وبالتالي في مشاركتهم وشراكتهم في السلطة السياسية.

إنها عبر مدوّية أردتُها استرجاعاً لوقائع ليست ببعيدة عنا لا في تاريخها ولا في ظروفها العامة، ما يعني والحالة هذه أنّ الأفرقاء الفاعلين عندنا مدعوّون الى استنباط الحلول الناجعة التي تُحدث النظام السياسي وتعصرن التمثيل وتُدخل الوجوه الجديدة من دون أن تمسّ «سلفاً» بأيّ فريق بغية تقزيمه أو إقصائه، لأنّ ردّات الفعل ستؤدّي في الحال أو المستقبل الى نتائج غير مشكورة، والأمثولات كثيرة كثيرة.