هل يجب تصديق الذين يقولون إنّ الرئيس المكلف سعد الحريري مسرور باشتباك عون ـ بري؟
 

 أيّاً يكن الأمر، فالرجل يجد أنّ مصلحته تكمن في مسايرة الجميع والإمساك بالعصا من طرفيها.عندما يصعد الرئيس سعد الحريري إلى بعبدا، يبدو أقرب إلى التفاهم مع عون، ويوحي بأنه لا يتهاون في شأن صلاحياته الحصرية في تأليف الحكومة، بالتكافل والتضامن مع رئيس الجمهورية. وفي موازاة تحميل «حزب الله» مسؤولية عن التعطيل، يغمز من قناة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

ولكن، عندما ينزل الحريري إلى «بيت الوسط»، يعود نسبياً إلى «طبيعته»، أي إنه يتذكَّر موجبات «التحالف الرباعي» المعروف، والذي يرعى كلّ شيء في لبنان منذ العام 2005. فهذا التحالف الذي كرَّسه «اتفاق الدوحة» يقوم على ثنائية مذهبية سنّية ـ شيعية بوساطة درزية، مع أرجحية واضحة للشيعة، وأما المسيحيون فمجرد ملتحقين بها.

يقول المطلعون على خطوات الحريري إنه يفكر في الاحتفاظ بالعلاقات الجيدة مع القطبين المتنازعين: مع عون والقوى المسيحية من جهة، ومع بري والقوى الحليفة من جهة أخرى، بما فيها «حزب الله»، بما يسمح له بالبقاء على مسافة واحدة من الجميع والاضطلاع بدور تفتقده الساحة الداخلية، وهو دور الوسيط.

وتقوم فلسفة «الوساطة الحريرية» على الآتي: بعد انتخاب رئيس للجمهورية، انتقلت رعاية الحوار من بري إلى عون. ولكن، إذا كانت المعارك حامية بين عون وبري، ما يعوق نجاح أيّ منهما في دور الوسيط، فيمكن الحريري أن يضطلع بهذا الدور.

ربما يكون الحريري متضرِّراً من تعثّر مهمته تأليف الحكومة، وقد يتهدّد دوره السياسي تماماً إذا طال التعثّر حتى الانتخابات النيابية، لكن بعض خصومه يقولون إنه لا يرى ضيراً في اشتباك رئيس الجمورية مع رئيس المجلس، ما يتيح دوراً أقوى لرئيس الحكومة.

ويرى آخرون أنّ الحريري لا يستعجل تأليف الحكومة، وهو لا يرى خسارة في تعثُّر التأليف لفترة، لأنه يخشى من أن يؤدي تأليف الحكومة في وقت مبكر إلى الاتفاق بين عون و»الثنائي الشيعي» على قانون جديد للانتخابات يعتمد النظام النسبي، ولو جزئياً. ومن الأفضل أن يتأخّر التأليف إلى ما بعد رأس السنة الجديدة، ما يجعل اعتماد القانون الجديد أمراً بالغ الصعوبة.

فعون وبري يتنازعان اليوم سياسياً، لكنهما يتوافقان على النسبية في الانتخابات، فيما الحريري يخشى النسبية ويفضِّل البقاء على قانون 1960. والباب مفتوح لاعتماد هذا القانون أمراً واقعاً تحت ضغط عامل الوقت.

وهناك مَن يعتقد أنّ كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق عن حتمية الانتخابات بقانون 1960 لا يؤشِّر إلى موقف شخصي فحسب، كما قال حينذاك، بل أيضاً إلى رغبة لدى تيار «المستقبل» في رمي الورقة على الطاولة.

في اعتقاد الحريري أنّ الجميع سينصاع إلى الصفقة التي تمَّت في تشرين الفائت، والتي قضت بانتخاب عون مقابل عودة الحريري إلى السراي، بضمان سعودي ـ إيراني ـ سوري ودولي. ولذلك، هو لا يرى خطراً في إطالة أمد التأليف لبعض الوقت، ما دام الأمر سينتهي بتأليف الحكومة المنشودة.

ويرتاح الحريري إلى أنه حقّق في هذه الفترة مكاسب مهمّة: عودته القوية إلى لبنان لاعباً أساسياً، تعويم موقعه سعودياً، تثبيت اعتراف الجميع بزعامته للطائفة السنّية، إتاحة المجال للملمة تيار «المستقبل» ووقف بروز وجهات النظر المختلفة في داخله، إعادة اللحمة إلى صفوف 14 آذار، وخصوصاً في التحالف مع «القوات اللبنانية»، بناء علاقة ثقة مع القوى المسيحية الأخرى وفي مقدمها «التيار الوطني الحر»، والتحضير بهدوء لمعركة الانتخابات النيابية والإشراف عليها، بما يجنّب المفاجآت التي شهدتها الانتخابات البلدية الأخيرة. وهذه المكاسب يتمسك بها الحريري ولا يريد خسارتها مجدداً.

ولكن، هل يضمن الحريري استمرار المكاسب، والتي لا يمكن تثبيتها إلا بإنجاز تأليف الحكومة وانطلاق العهد؟

هناك مَن يخشى من أن تطرأ عوامل سلبية تفرض نفسها وتطيح المكاسب الحريرية المحقَّقة والمحتملة. فالمعادلة الدولية والعربية التي غطت صفقة عون ـ الحريري ربما تتعرَّض للاهتزاز في أي لحظة.

ومن عوامل الاهتزاز مثلاً مجريات المعركة في حلب والمناخ السلبي المستجد بين واشنطن وطهران في ما يتعلّق بالعقوبات والملف النووي،
واحتمالات التصعيد فيه. فإيران ستكون أكثر تشدُّداً في الملفات الشرق أوسطية كلها إذا بدأت تتعرَّض لموجة ضغوط جديدة. وسيكون لبنان أبرز نقاط التفاعل.

الأسبوع الفائت، كان لافتاً الاهتمام الخاص الذي أولاه إعلام تيار «المستقبل» بالجولة 37 من الحوار مع «حزب الله»، التي جرت في عين التينة برعاية بري، فيما اهتمامات الأطراف الأخرى كافة كانت منصبة على تبادل الاتهامات بعرقلة تأليف الحكومة.

أوحى ذلك بأنّ الخط الأحمر الذي يتجنّب الحريري المسّ به هو فتح اشتباك مع أيّ طرف، سواءٌ كان «الثنائي المسيحي» أو «الثنائي الشيعي». لكنّ الحريري يسابق المفاجآت في منطقة تتحوَّل سريعاً، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وسائر الشرق الأوسط.