من الطبيعي جدًا أنّ العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر ورئيس تكتل التغيير والإصلاح يختلف تماما عن ميشال عون رئيس الجمهورية اللبنانية وهذه مسألة يدركها جيدا حزب الله.
 

 وتستولد لديه مخاوف وهواجس من موقع الرئاسة الذي يضفي على عون شرعية الدولة والحكم والنظام وتجعل منه المظلة التي تلقي بظلها على كافة الأفرقاء وليس على فريق دون الآخرين. وتتيح له حرية التمتع بهامش واسع من الاستقلالية والحرية في اتخاذ القرارات المرتبطة بالمصالح الوطنية العليا والمواقف الاستراتيجية التي تحدد طبيعة العلاقة التي تربط لبنان بالخارج وتحدّد موقعه في الواقع الإقليمي وارتباطه بالمحيط العربي. سيما وأن عون قبل الرئاسة كان مسكونًا بقناعة تركت بصماتها على كل مواقفه وقراراته، مفادها أن حليفه حزب الله هو المعبر الوحيد الذي يمكن سلوكه للوصول إلى القصر الرئاسي في بعبدا. إنما اليوم وبعد انتخابه رئيسا للجمهورية فإنه لا يستطيع أن يتغافل عن العوامل التي سهلت له طريق الرئاسة وأزالت عراقيل التعطيل، والتي بدأت بانسحاب منافسه من ميدان الترشح، رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وترافقت مع إنجاز ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وأفضت إلى تبني جعجع دعم ترشيح عون للرئاسة، مرورًا بالتفاهمات التي تمّت بين التيار الأزرق والتيار العوني وانتهت أيضًا بتبنّي رئيس تيار المستقبل سعد الحريري دعم ترشيح العماد ميشال عون بسدة الرئاسة؛ الأمر الذي أحرج الحلفاء وعلى رأسهم حزب الله حيث وضعه في خانة انعدام وجود أي تبرير للاستمرار في نهج الشغور الرئاسي وتعطيل أي إمكانية لانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية. ما يعني أن حزب الله ليس الوحيد صاحب الفضل في اعتلاء عون منصب الرئاسة بل يشاركه في ذلك تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية. 
وفي قراءة تفاصيل المشهد السياسي على الساحة الداخلية من خلال بروز العثرات التي تعترض الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة فإن الرسالة الواضحة التي تمّ توجيهها إلى الرئيس عون، تطلب منه الالتزام بالتحالف الاستراتيجي مع حزب الله في سياسته الخارجية وفي حفظ التوازنات الداخلية التي يريدها الحزب. فإن عون قد يكون وصل فعلا إلى مرحلة التفكير بإعلان التشكيلة الحكومية بما لا يرضي حزب الله ولا حليفيه الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية. 
وهذا يضع في الاعتبار احتمال أن تسقط الحكومة المشكلة ويصبح الرئيس في مواجهة مباشرة مع حزب الله مع ما يترتّب على هذه المواجهة من نتائج يعرفها عون جيدًا وهذا ما يتجنبه وهي التي تمنعه من أن يخطو خطوة تحدٍّ تؤدي إلى فرملة عهده من بدايته وتهدد تحالفه مع الحزب. 
فرسالة حزب الله إلى العهد باتت واضحة وفي مضمونها لا تترك مكانا للقوى التي دعمت الرئيس عون وأبرزها القوات اللبنانية بحيث لا تستطيع أن تحجز مكانا لها في هرمية السلطة وبالتالي لا يمكن الموافقة على أي اتفاق عقد مع الحريري قبل 31 تشرين أول. وبات العهد أمام أحد خيارين في موضوع تشكيل الحكومة: إما خيار انتظار التشكيل الصعب من دون وجود فرصة للاعتراض على شروط حزب الله الذي ترك للرئيس نبيه بري حرية قيادة المطالبة بحصة الشيعة في الحكومة المترقب تشكيلها، وإما خيار تنازل يطال طرفا من ثلاثة. 
أما أن يتنازل عون وزارة الطاقة أو القوات اللبنانية عن وزارة الأشغال أو تيار المستقبل عن وزارة الاتصالات.
، وفي ذلك يكون حزب الله قد أعطى للعهد الدرس الأول في التدجين ورسم أمامه خطًا أحمر يستحيل تجاوزه وفيه رسم توازنات الحكومة بما يناسب حزب الله ومصالحه في الداخل والخارج.