وصفت الأمم المتحدة الوضع في حلب بأنه «مخيف»، مع استمرار الغارات الجوية الأسدية - الروسية على القسم الشرقي من المدينة المنكوبة ووقوع المزيد من المدنيين ما بين قتيل وجريح، تلك الغارات التي لم تسلم منها بعض قوافل النازحين الذين بلغ عددهم نحو 20 ألفاً خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية تركوا شرق المدينة بسبب حرب الإبادة التي تتعرض لها أحياؤهم.

فقد حذرت الأمم المتحدة من وضع «مخيف» في أحياء حلب الشرقية بعدما دفع التقدم السريع لقوات الأسد المترافق مع قصف جوي وبري شرس، أكثر من 20 ألف مدني الى الفرار من شرق المدينة المنكوبة.

وأعرب رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين عن «غاية القلق على مصير المدنيين بسبب الوضع المقلق والمخيف» في المدينة.

وفي خسارة هي الأكبر منذ سيطرتها على شرق المدينة في العام 2012، فقدت الفصائل المعارضة كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية إثر تقدم سريع أحرزته قوات الأسد وحلفاؤها في إطار هجوم تدعمه المقاتلات الروسية - الأسدية بدأته منتصف الشهر الحالي لاستعادة السيطرة على كامل حلب.

وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 20 ألف شخص فروا من مناطق شرق حلب خلال الساعات الـ48 الأخيرة. 

وذكرت متحدثة أن العدد هو تقديري وأن الوضع لا يزال غائماً، مؤكدة أن «الناس يفرون في مختلف الاتجاهات».

وأعرب المسؤول الدولي عن «القلق البالغ» إزاء مصير المدنيين نتيجة للوضع المقلق في حلب والذي «تقشعر له الأبدان«. وأشار إلى أن ثمة تقارير «تفيد بتكثيف القتال والقصف البري والجوي العشوائي على مدى الأيام القليلة الماضية شرقي حلب، حيث قتل وجرح العشرات من المدنيين«. كذلك نُقل عنه خلال مؤتمر صحافي في مقر المنظمة الدولية في نيويورك أنه «لم تعد توجد مستشفيات عاملة شرقي حلب، والمخزون الغذائي انتهي عملياً«.

وقال أوبراين إن «التقارير الأولى تشير الى أن نحو 16 ألف شخص نزحوا والكثير منهم يواجهون أوضاعاً صعبة. من المرجح أن آلافاً آخرين ليس لديهم من خيار سوى الفرار في حال استمرت المعارك وازدادت حدة في الأيام المقبلة».

وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن الآلاف نزحوا منذ ليل الاثنين - الثلاثاء الى مناطق سيطرت عليها قوات الأسد في اليومين الأخيرين وتحديداً من حيي الشعار وطريق الباب اللذين يشكلان حالياً خطوط المواجهات بين طرفي النزاع وفيهما كثافة سكانية مرتفعة.

وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي بتينا لوشر في جنيف أن المدنيين في شرق حلب يواجهون ظروفاً «رهيبة»، واصفة الوضع بأنه «انحدار بطيء نحو الجحيم».

وفي انتظار الحصول على موافقة من دمشق لإدخال المساعدات الى شرق حلب، يستعد البرنامج لتلبية احتياجات العائلات التي وصلت الى غرب المدينة.

وشاهد مراسل لوكالة «فرانس برس» في شرق حلب أمس عشرات العائلات معظم أفرادها من النساء والأطفال، تصل تباعاً سيراً على الأقدام. ويعاني أفرادها من الإرهاق والبرد الشديد والجوع، حتى أن بعضهم ليس بحوزته المال لشراء الطعام.

وأظهرت مقاطع فيديو لـ»فرانس برس» دماراً هائلاً في شرق حلب في وقت أعلن جهاز الدفاع المدني الاثنين نفاذ كامل مخزونه من الوقود، ودعا جميع «المنظمات الإنسانية والإغاثيّة والطبيّة التدخل السريع لوقف الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون».

وقال الناطق باسم الدفاع المدني في حي الأنصاري ابراهيم أبو الليث لـ»فرانس برس» بصوت متقطع «النزوح جماعي والمعنويات منهارة (..) تنام الناس على الأرض. لا مأكل ولا مشرب ولا مأوى أو ملجأ».

وطالبت منظمة العفو الدولية الحكومة السورية بحماية المدنيين في الأحياء الشرقية التي سيطرت عليها أخيراً.

وارتكبت طائرات الأسد الحربية مجزرة جديدة راح ضحيتها عشرات المدنيين الفارين من المناطق التي احتلتها قوات الأسد وميليشيات إيران.

وأكد الدفاع المدني عبر صفحته الرسمية في موقع «فايسبوك» استشهاد أكثر من 25 مدنياً وجرح العشرات معظمهم من النساء والأطفال، إثر قصف لطائرات النظام الحربية بالصواريخ المظلية استهدف حي «باب النيرب» بمدينة حلب.

وأوضح الدفاع المدني أن عملية الاستهداف تمت خلال توجه المدنيين من الأحياء الشرقية المحاصرة، إلى الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة قوات الأسد سيراً على الأقدام، ما أسفر عن وقوع المجزرة.

في السياق أكد مراسل «أورينت.نت» أن حصيلة عدد الشهداء أولية، وذلك في ظل استمرار فرق الدفاع المدني رفع الأنقاض، إلى جانب وجود إصابات حرجة في صفوف الجرحى.

وتأتي هذه التطورات وسط تناوب طائرات العدوان الروسي وطائرات النظام الحربية على استهداف أحياء حلب الجنوبية الشرقية، حيث تعرضت أحياء الشعار والقاطرجي والمواصلات القديمة والميسر وضهرة عواد لقصف بالصواريخ الفراغية والصواريخ المحملة بالمظلات والقنابل العنقودية.

هذا، وتتعرض مدينة حلب وريفها لغارات جوية مكثفة للأسبوع الثالث على التوالي، باستخدام كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ولا سيما غاز الكلور السام، الأمر الذي أدى الى سقوط مئات الضحايا، بالتزامن مع اقتحام قوات الأسد وميليشيات إيران وتنظيم «وحدات الحماية» الكردي للأحياء الشرقية من المدينة.

وأصدر الدفاع المدني في مدينة حلب الاثنين بياناً أوضح من خلاله الواقع الإنساني المتفاقم في ظل الحصار والهجمة العسكرية الكبيرة، معلناً المدينة «منكوبة»، مؤكداً أن عدد أهالي حلب الشرقية بلغ 279 ألف نسمة، يرزحون تحت حصار كامل منذ 94 يوماً.

وغداة توجيه الأمم المتحدة نداء عاجلاً الى الأطراف المتحاربة لوقف قصف المدنيين في شرق حلب، طالب وزير الخارجية الفرنسي مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع «فوراً« من أجل «النظر في الوضع في هذه المدينة الشهيدة وبحث سبل تقديم الإغاثة لسكانها».

وقال آيرولت في بيان «ثمة حاجة ملحة أكثر من أي وقت لتطبيق وقف للأعمال الحربية والسماح بوصول المساعدة الإنسانية بدون قيود».

وقال مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير ماثيو رايكروفت، إن مجلس الأمن الدولي سيعقد جلسة «طارئة« بشأن مدينة حلب السورية. وجاء ذلك في تصريحات أدلى بها المسؤول البريطاني للصحافيين بمقر المنظمة في نيويورك.

وأضاف أن «أعضاء مجلس الأمن سيستمعون خلال الجلسة الطارئة إلى إفادات كل من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة الطارئة ستيفن أوبراين، ومبعوث الأمين العام إلى سوريا ستيفن دي ميستورا، وممثل عن منظمة (الأمم المتحدة للطفولة) اليونيسيف (لم يذكره) عما يجري في حلب حالياً وعما يمكننا القيام به في هذا الصدد«.

وتابع رايكروفت أنه يشعر بـ»الغضب الشديد إزاء المعاناة والفقر المنتشر في حلب وإزاء الوضع المتدهور من سيئ إلى أسوأ«.

وقال مسؤول كبير في التحالف العسكري الذي يقاتل دعماً لقوات الأسد إن الجيش السوري وحلفاءه يهدفون لانتزاع السيطرة على شرق حلب بالكامل من أيدي المعارضة المسلحة قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة في كانون الثاني المقبل، ملتزمين بجدول زمني تؤيده روسيا للعملية بعد تحقيق مكاسب كبيرة في الأيام الماضية، غير أن المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أشار إلى أن المرحلة التالية من حملة حلب قد تكون أشد صعوبة مع سعي الجيش وحلفائه للسيطرة على مناطق أكثر كثافة سكانية بالمدينة.

وذكر تقرير وضع بالاشتراك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة أن على الولايات المتحدة أن تستعد لاستخدام قوة عسكرية أكبر وتحركات سرية في سوريا للمساعدة في التوصل لتسوية سياسية لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد.

وأعدت التقرير مجموعة عمل بقيادة وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت وهي ديمقراطية ومستشار الأمن القومي السابق ستيفن هادلي وهو جمهوري. ويُعد التقرير رفضاً من الحزبين لقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بالحد من المشاركة العسكرية الأميركية في الحرب الأهلية المستمرة منذ نحو ست سنوات.

وجرى إعداد معظم التقرير قبل انتصار ترامب في انتخابات الرئاسة على الديمقراطية هيلاري كلينتون. ويضع التقرير الذي لم يُعرض على ترامب حيثيات لتوسيع نطاق المشاركة الأميركية في الشرق الأوسط. وفي التقرير أن «الانعزالية وهم خطير». ويدعو الدول الأخرى للمساعدة في حسم الصراعات في العراق وليبيا واليمن ودعم الإصلاح الداخلي في جميع أنحاء المنطقة.

وقال المسؤول الكبير الموالي للأسد إن خطوط المعارضة انهارت بأسرع مما كان متوقعاً. وأضاف المسؤول مكرراً جدولاً زمنياً كانت مصادر مقربة من دمشق قالت في وقت سابق إنه وضع لتخفيف مخاطر أي تحول في السياسة الأميركية تجاه الحرب في سوريا «الروس يريدون إكمال العملية قبل تولي ترامب السلطة«.

ميدانياً، تركزت الاشتباكات في حلب في حيي طريق الباب والشعار الملاصقين لحيي جبل بدرو والصاخور اللذين خسرتهما الفصائل أمس.

وقال مسؤول من المعارضة السورية إن معارضين سوريين يقاتلون قوات الأسد على الطرف الجنوبي الشرقي لمنطقة شرق حلب التي تسيطر عليها المعارضة في حين تحاول دمشق وحلفاؤها تأكيد ما حققته في الأيام الماضية في المدينة بدعم روسي كبير.

وقال مسؤول من الجبهة الشامية المعارضة «ليس هناك تقدم جديد (لقوات الحكومة) لكن القصف والمعارك ما زالت عنيفة خصوصاً في العزيزية. وأفاد المرصد عن مقتل عشرة مدنيين على الأقل جراء غارات شنتها طائرات سورية على حي باب النيرب الواقع تحت سيطرة الفصائل.

وانتقد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال ايغور كوناشينكوف «تعامي» الغربيين حين «يتعلق الأمر بتقويم الوضع الحقيقي في حلب»، لافتاً الى أن «عمليات الجيش السوري الدقيقة (..) غيرت الوضع بشكل جذري في الساعات الـ24 الأخيرة».

وفي سياق متصل، أوعز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء الى الوزارات المعنية «بإرسال مشافٍ ميدانية متنقلة الى محيط مدينة حلب لتقديم المساعدة الطبية للسكان» وفق ما نقلت وكالات أنباء روسية عن الكرملين. وقالت إنه سيتم إرسال مشفى الأربعاء يتسع لـ250 مريضاً يومياً.