عقدة تمثيل الحلفاء يؤجل تشكيل الحكومة

 

السفير :

لكأن عشر سنوات من الخبز والملح والتواصل شبه اليومي، لم تكن كافية، لكي يتقن جبران باسيل أصول التعامل مع «حزب الله».
لكأن ما بذله «حزب الله» بالتكافل والتضامن مع سليمان فرنجية وبشار الأسد، من أجل أن ينال جبران باسيل مقعدا وزاريا في حكومة سعد الحريري الأولى، يمكن شطبه بـ «شحطة قلم». بلغ الأمر حد إلحاح فرنجية على الأسد أن يتصل بالملك عبدالله بن عبد العزيز في زمن «السين ـ سين» ويتمنى عليه الطلب من الحريري أن لا يضع «فيتو» على توزير جبران باسيل الراسب في الانتخابات النيابية، بل أن تسند إليه وزارة الطاقة، وكان له ما أراده بعد تعطيل التأليف شهورا طويلة.
لكأن ما قدّمه «حزب الله» من تضحيات من أجل أن يتحرر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وما يقدمه من كبير تضحيات حاليا في سوريا، في مواجهة الإرهاب التكفيري، لا يكفي لكي يحمي من وقفوا إلى جانبه في أصعب الأوقات.. وأحرجها.
يخطئ من يعتقد أنه كان بإمكان ميشال عون أن يصل إلى رئاسة الجمهورية، لولا تلك الوقفة التي وقفها «حزب الله» معه منذ اللحظة الأولى لفراغ كرسيّ رئاسة الجمهورية..
«وقفة الوفاء» تلك، جعلت الحزب ينال من السهام والاتهامات والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور. كل العالم أتى إلى الضاحية الجنوبية أو ذهب إلى طهران. كانت الإغراءات والعروض كثيرة. كان لسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله: «ميشال عون هو مرشحنا لرئاسة الجمهورية». حاول الأميركيون عن طريق الفرنسيين والأمم المتحدة كسر كلمته. ذهبوا إلى طهران، بعد أن حيّدوا الروس، لمصلحة الإتيان برئيس توافقي، وقالوا للمسؤولين الإيرانيين: اضغطوا على «حزب الله» حتى يخرج من «الجنرال».
كان لسان حال الإيرانيين: ليتفاهم المسيحيون على مرشح واحد ونحن ندعم خيارهم مهما كان.
هذا في العلن، لكن في السر، أفهم الإيرانيون حتى بعض الحلفاء لبنانيا بأن هذا الملف بيد السيد حسن نصرالله شخصيا.
جرّب الرئيس نبيه بري من خلال معاونه السياسي علي حسن خليل أن يلعب من ضمن الهوامش المتاحة له في الملعب الإيراني نفسه لتسويق سليمان فرنجية، معددا لهم المكاسب الاستراتيجية من وراء تبني زعيم «المردة». قال بري لهم: «صدقوني، أنا قلت لفرنجية لو طلبت منك شيئا عدة مرات وطلبه السيد حسن نصرالله منك مرة واحدة، فستنفذ ما طلبه «السيد» وليس أنا. هل هذا صحيح أم لا يا سليمان بيك».. أخبرهم بري أن فرنجية التزم الصمت. وبرغم هذا الجواب الضمني، قال بري إنه مؤمن بهذا الخيار. اكتفى الإيرانيون بالاستماع، لكنهم ما بدلوا تبديلا.
منذ عودة العماد ميشال عون الى لبنان في ربيع عام 2005، وعينا جبران باسيل على أحد المقعدين المارونيين في البترون. لو أنه نقل نفوسه إلى جبيل أو كسروان أو المتن أو حتى بعبدا، لكان وفّر الكثير على عمه وعلى «التيار» واللبنانيين وربما العالم بأسره.
يريد باسيل تجيير معادلات الإقليم كلها لأجل هذا المقعد. جرّب حظه مرتين ولم ينجح. كل استطلاعات الرأي لم تعطه الجواب الذي يشتهيه. من منظور المرشح الدائم، يمكن لـ «التفاهم» مع «حزب الله»، أن يوصل «الجنرال» إلى بعبدا، ولكن بممر إلزامي اسمه «تفاهم معراب». الأخير يتقدم على التفاهم مع الحزب فور وصول ميشال عون إلى القصر الجمهوري، لأن التحالف مع «القوات» وحده الكفيل بأن يفوز رئيس «التيار» بمقعد نيابي في جمهورية لبنان، حتى يضع نفسه بعد ذلك على سكة الرئاسة بعد ست سنوات، ولمَ لا، طالما أن المستحيل قد تحقق بوصول «الجنرال».
اختلط على جبران باسيل الاستراتيجي بالمسيحي. ألزم نفسه وتياره والرئاسة الأولى وكل الجمهورية بمفاعيل اتفاقه مع سمير جعجع. لم تخطئ «القوات» حرفا. الخطأ يتحمل مسؤوليته من أوعز بإبرام «التفاهم». كان بمقدور «التيار» أن يعطي «القوات» في الحكومة وغيرها لكن من بعد المجلس النيابي المقبل. حصل العكس، أعطاها «شراكة كاملة» تنال بموجبها حصة بمقدار ما ينال هو في حكومة العهد الأولى. الأصح أن يقول إنه مستعد لإعطاء «القوات» من حصته هو لا من حصة الآخرين مسيحيا سواء أكان سليمان فرنجية أم باقي الأطياف من إيلي الفرزلي ونقولا فتوش وحتى القوميين الذين لا يخفى على أحد حجم حضورهم المسيحي الوازن.
شطب جبران باسيل كل هؤلاء. طغى «جل البترون» على ما عداه. قرر أن يمشي بمسار مسيحي ولو على حساب كل ما راكمه «الجنرال» طوال ربع قرن من التجربة والتضحيات. لكأن هناك من يريد أن يتنكر لميشال عون ولخياراته الاستراتيجية التي أتت به إلى رئاسة الجمهورية.
ميشال عون ـ شاء جبران باسيل أم أبى ـ يجسد استراتيجية معينة، قاتلت وتقاتل في كل ساحات المنطقة، وها هي توشك على الإطباق على حلب الشرقية «ومن بعد ذلك ستتغير المعادلات لا فقط في سوريا بل في كل المنطقة وستكون بداية نهاية الحرب العالمية التي شُنّت ضد سوريا والمقاومة» على حد تعبير رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين.
أيضا، عاد سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة بما يمثل اليوم من خيارات يعبر عنها صراحة في وثائق تياره السياسية الجديدة ـ القديمة، كما في كلماته ومقابلاته المتلفزة. الرجل أوضح من الواضح في خياراته الاستراتيجية إلى جانب السعودية وكل المحور الذي تمثله في ساحات المنطقة.
من حق ميشال عون اليوم أن يلزم نفسه بوسطية في الإدارة الداخلية، تبعا لموجبات الدستور لا التفاهم مع معراب أو بيت الوسط. نعم صار ميشال عون الحكم. الأب لكل اللبنانيين والساهر على الدستور والمصلحة العليا للبنان واللبنانيين.
لكن ليس من حق البعض إلزام ميشال عون بوسطية في الخيارات الاستراتيجية الكبرى، مثلما ليس بمقدور أحد أن يطالب الحريري بخيانة خياراته السياسية العربية والدولية.
كان بمقدور «الجنرال» أن يقرر هو شخصيا أن تكون زيارته الأولى الى الرياض أو طهران أو زيمبابوي، لكن أن يأتي موفد خليجي ويعلن أن زيارة عون الأولى ستكون إلى الرياض، فهذا أمر ليس بمألوف ولا يكبر به موقع رئاسة الجمهورية، مثلما لا يكبر موقع الرئاسة، عندما تتكرر المراجعات في القصر ويأتي الجواب المتكرر: اسألوا جبران أو انتظروا عودته من السفر.
ليس هكذا تقاد الجمهورية يا «جنرال» وليست هذه خياراتك التي دفعت أكبر الفواتير لأجلها وليس صحيحا أن طائفة عن بكرة أبيها تتحمل مسؤولية التعطيل حتى تهدد بالذهاب إلى حكومة بمن حضر. هل يجوز أن سعد الحريري بات يدرك أن خيارا كهذا يمكن أن يهدد كل مستقبله السياسي، بينما يعتقد بعض محيطك يا فخامة الرئيس أنك قادر على ذلك وبالتالي إجهاض عهدك منذ شهره الأول؟
لبنان يواجه انقساما سياسيا كبيرا، عمره من عمر زلزال القرار 1559 قبل 12 عاما. انقسام دفع لبنان بسببه كبير الأثمان وما يزال، لكن مقاربات البعض التي تريد صب الزيت الطائفي على نيران القضايا السياسية، طمعا بمقعد نيابي أو وزاري أو للتزلف للسلطان، إنما هي مقاربات ظالمة ولا تمت بصلة إلى «الوفاء».
أي حكومة يجب أن تعكس موازين القوى الداخلية (النيابية بالدرجة الأولى) وربما الخارجية، لكنها ليست ممرا إلزاميا للمقعد الماروني في البترون.
ثمة من أوقف عقارب البلد لمدة سنتين من أجل وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. كان ذلك عنوانا كبيرا لوفاء ستأتي على ذكره كتب التاريخ في المستقبل، ومن يعتقد أنه يمكن أن تتألف حكومة من دون موافقة سليمان فرنجية يكون مخطئا.
حتى لو أُعطي رئيس «تيار المردة» نصف مقاعد الحكومة وقال «لا»، فستواجه بـ «لا» نبيه بري و «حزب الله» حتى تنقطع الأنفاس، أما إذا قال فرنجية «أقبل بوزارة دولة»، فحينها، لن تمر ساعة، إلا وتتألف الوزارة.
هناك من ينشد موالا للعزف على الوتر الطائفي (خصوصا الشيعي ـ المسيحي) منذ سنوات، وهناك من يريد أخذ البلد إلى ثنائية تمهد لثلاثية، تمهيدا للعزل.
ليس هكذا يكون «الوفاء» يا جبران، ولا بتزوير المعطيات في بعض الأحيان.

 

النهار :

مع التقدم الميداني السريع للجيش السوري النظامي وحلفائه في شرق حلب، يتبلور واقع عسكري جديد للمرة الاولى منذ عام 2012 يصب في مصلحة النظام ويضع المعارضة أمام أقسى هزيمة لها منذ بدء الحرب السورية قبل أكثر من خمس سنوات ونصف سنة.

 

وستكون حلب بلا شك من أكبر انتصارات النظام الذي استعاد المبادرة على الارض في سوريا منذ أكثر من سنة عقب بدء التدخل العسكري الروسي لمصلحته، وفي ظل عجز دولي كامل عن إيجاد حلول للنزاع. وستكون أيضا انتصارا لحليفي دمشق روسيا وإيران اللذين نجحا في التفوق على الغرب وعلى خصوم الرئيس بشار الأسد في المنطقة من خلال التدخل العسكري المباشر.
ويرى الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للابحاث فابريس بالانش ان سيطرة النظام على حلب "ستشكل نقطة تحول" في مسار الحرب في سوريا، اذ ستسمح للنظام "بالسيطرة على دمشق وحمص وحماه (في الوسط) واللاذقية (في الغرب) وحلب (في الشمال)، اي المدن الخمس الكبرى".
ويقول مقاتلو المعارضة إن حلفاءهم الأجانب ومنهم الولايات المتحدة تركوهم لمصيرهم في حلب.

 

وضع "كارثي"
ومع فرار اكثر من عشرة الاف مدني من شرق حلب الى مناطق خاضعة لسيطرة النظام واخرى لسيطرة الاكراد، توجهت المئات من العائلات في اليومين الاخيرين الى جنوب الاحياء الشرقية التي لا تزال خاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة ويعيش سكانها المحاصرون وسط ظروف انسانية صعبة للغاية.
ووصف الناطق باسم الدفاع المدني في حي الانصاري ابرهيم أبو الليث الوضع في شرق حلب بأنه "كارثي". وقال بصوت متقطع: "هذان اسوأ يومين منذ بدء الحصار... النزوح جماعي والمعنويات منهارة... تنام الناس على الارض. لا مأكل ولا مشرب ولا مأوى أو ملجأ"، مضيفاً بغضب: "قولوا لنا، الى متى سيبقى العالم ضدنا؟"
وصرح الناطق باسم الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ينس لايركه بأن الهلال الأحمر العربي السوري سجل وصول أربعة آلاف شخص إلى حي جبرين الذي تسيطر عليه الحكومة في غرب حلب بعد نزوحهم من المناطق الشرقية التي تخضع لسيطرة المعارضة.
وأعلن الناطق باسم الامم المتحدة ستيفان دوجاريك ان احياء حلب الشرقية لم تتلق مساعدات منذ أوائل تموز وباتت المواد الغذائية شحيحة. وقال: "نحض جميع الاطراف المتحاربين حاربة على وقف القصف العشوائي، لحماية المدنيين والبنى التحتية المدنية، والسماح بالمساعدات الانسانية العاجلة بموجب القانون الانساني الدولي".

تقدم سريع
وبعد ساعات من سيطرتها على أحياء عدة، أبرزها حيا الصاخور والحيدرية، تحدثت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" عن سيطرة الجيش على محطة سليمان الحلبي، المحطة الرئيسية التي تضخ المياه الى الاحياء الغربية والتي كانت الفصائل المقاتلة تتحكم بها.
وأكد مدير "المرصد السوري لحقوق الانسان" رامي عبد الرحمن الذي يتخذ لندن مقراً له إن "الفصائل المعارضة خسرت كامل القسم الشمالي من الاحياء الشرقية بعد سيطرة قوات النظام على احياء الحيدرية والصاخور والشيخ خضر، وسيطرة المقاتلين الاكراد على حي الشيخ فارس". وأوضح أن المقاتلين الاكراد سيطروا على احياء بستان الباشا والهلك التحتاني الاحد والشيخ فارس الاثنين، التي كانت أيضاً خاضعة لسيطرة الفصائل.
وأفادت وزارة الدفاع الروسية أن قوات الحكومة السورية "حررت" نحو 40 في المئة من الجزء الشرقي من المدينة.
ونقلت وكالات روسية للأنباء عن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث مع أعضاء مجلسه الأمني في التقدم الأخير الذي أحرزه الجيش السوري.
وربط عضو المكتب السياسي لـ"حركة نور الدين زنكي" ياسر اليوسف تقدم النظام باستقدامه "تعزيزات عسكرية كبيرة وبالقصف الجوي العنيف الذي لم يهدأ". وقال: "الوضع أشبه بعين تقاوم مخرزاً... طوال السنوات الماضية كنا نقاوم بما أوتينا من قوة بأساليب بدائية، اما اليوم فنحن نقاوم ايران وروسيا" ابرز داعمي دمشق عسكرياً. وأضاف: "النظام انتهى وسقط منذ خمس سنوات، ونحن الان نقاتل جيوشاً وميليشيات من كل اصقاع الارض"، معتبراً ان الفصائل "محكومة بالصمود والدفاع عن النفس وعن أهالينا".
وقال مسؤولون في فصيلين للمعارضة في حلب إن مقاتلي المعارضة انسحبوا إلى مناطق يمكن الدفاع عنها بسهولة أكبر وخصوصاً بعد فقدان حي هانونو السبت.
وشرح مسؤول في فصيل "الجبهة الشامية" المعارضة أنه انسحاب من أجل التحلي بالقدرة على الدفاع وتعزيز الخطوط الأمامية.
وأضاف: "طبعا المناطق التي فقدوها مهمة لأنها مرتفعة، لكن المناطق التي حافظوا عليها هي مناطق مزدحمة بالأبنية أكثر من تلك وممكن القتال فيها بشكل أفضل".
وتخوض قوات النظام حالياً معارك عنيفة في حيي الشيخ سعيد والشيخ لطفي في جنوب المدينة.

ردود فعل
ودعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الى "وقف فوري للنار" في حلب، مطالباً روسيا وايران باستخدام نفوذهما لدى النظام السوري لتجنب "كارثة انسانية". وقال ان "الهجوم ينذر بكارثة انسانية". وأضاف: "أدعو أولئك الذين لديهم نفوذ على النظام وخصوصاً روسيا وايران الى استخدامه لوقف الهجوم المدمر على شرق حلب... نحن في حاجة الى وقف نار فوري في حلب ووصول فوري لاطراف انسانيين محايدين لضمان حماية المدنيين الذين يفرون من القتال. هذه ضرورات انسانية".
ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية في "البوندستاغ" الألماني نوربرت روتغين المقرب من المستشارة أنغيلا ميركل، الى فرض عقوبات على روسيا بسبب دورها في الحرب السورية. وقال روتغين والنائبة فرانشيسكا برانتنر من حزب الخضر إن على الغرب أن يتحرك فورا في ضوء الهجمات السورية والروسية في شرق حلب. وكتبا في بيان: "يتعيّن على الاتحاد الأوروبي على الأقل أن يفرض عقوبات على المسؤولين الروس عن هذه الفظائع".

اخلاء خان الشيح
في غضون ذلك، قال المرصد السوري إن مئات الأشخاص غادروا بلدة خان الشيح المحاصرة الواقعة جنوب غرب من دمشق بموجب اتفاق مع الحكومة السورية على المرور الآمن إلى مناطق أخرى خاضعة للمعارضة. وأضاف إن عشرة أوتوبيسات غادرت خان الشيح متجهة إلى محافظة إدلب الخاضعة للمعارضة ولكن لم يتضح ما اذا كانت تنقل مقاتلين أم عائلاتهم فقط.
وذكر المرصد أنه بموجب الاتفاق سيغادر نحو 1450 معارضاً و1400 من أقاربهم البلدة. ويشمل الاتفاق توفير 42 أوتوبيساً علاوة على نحو 25 عربة إسعاف للمدنيين والمقاتلين المصابين.

 

 

المستقبل :

الروزنامة الرئاسية على وشك طيّ شهرها الأول، والعهد لا يزال مترقباً عند مفترق التقاطعات السياسية لحظة عبور حكومته الأولى من ضفة التكليف إلى ضفة التأليف إيذاناً بـ«التشمير» عن ذراعه التنفيذية والشروع في تطبيق خطاب القسم ومضامينه الواعدة مؤسساتياً واقتصادياً واجتماعياً تحقيقاً لآمال الناس وتطلعاتهم الحياتية والحيوية المُلحّة. وللغاية الوطنية عينها، يستكمل الرئيس المكلف سعد الحريري مشاوراته المكوكية بين مختلف الأطراف مستعيناً على قضاء حوائج التأليف بالكتمان ريثما يُصار إلى «حلحلة بعض العقبات» التي تستأخر ولادة الحكومة العتيدة وتعيق انطلاقة العهد الجديد. فبعد تتويجه نهاية أسبوع حزبية ديموقراطية أفضت إلى إعادة ضخ الروح في الجسم التنظيمي لتيار «المستقبل»، استهل الحريري الأسبوع الطالع بزيارة حكومية تشاورية إلى قصر بعبدا انتهت إلى تجديد تأكيد التفاهم «على كل الأمور» مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بينما آثر الرئيس المكلف في ما يتصل بعلاقته مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إهماد الشرارات الإعلامية والسياسية المتربصة بحقل التأليف مكتفياً بالقول رداً على أسئلة الصحافيين: «أنا مع الرئيس بري ظالماً أو مظلوماً».

الحريري الذي شدد على أنّ «أهم شيء هو مصلحة البلد والمواطن»، نوّه في هذا السياق بحرص رئيس الجمهورية على اقتصاد البلد، مؤكداً استكمال الخطوات على طريق تشكيل الحكومة بالتشاور مع عون تأسيساً على «الإيجابية الكبيرة» السائدة في البلد بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

وكان النائب مروان حمادة، وبعد زيارته والوزير وائل أبو فاعور بيت الوسط لنقل تهاني رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط بالظاهرة الديموقراطية التي كرّسها «تيار المستقبل» في مؤتمره العام الثاني، قد لفت إلى أنّ «الاتصالات الحكومية لا تتوقف بين كل الأطراف»، مشيراً إلى أنّ «الأمور ليست ظاهرة للجميع لكن جهود الرئيسين عون والحريري لم تتوقف» لمنح لبنان حكومة في أقرب وقت.

توصيات «المستقبل»

وغداة اختتام مؤتمر تيار «المستقبل» أعماله بانتخاب قيادة حزبية جديدة واعدة، عقد أمين عام التيار أحمد الحريري مؤتمراً صحافياً أمس أعلن فيه التوصيات التي خلص إليها المؤتمر والتي تميزت على الصعيد السياسي بجملة مقررات، تقدّمها «تجديد التمسك بمبادئ ونهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري والعمل الدؤوب على استكمال مشروعه الوطني على الصعد كافة بهدف بناء دولة السيادة والقانون والمؤسسات»، مع تثمين المبادرة الوطنية الإنقاذية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري وأدت إلى إنهاء الفراغ الرئاسي بوصفها «أعادت المرجعية إلى الدولة الوحيدة الجامعة لكل اللبنانيين وحافظت على اتفاق الطائف عبر قطع الطريق على تعديله أو تغييره عن طريق مؤتمر تأسيسي أو عبر أي من الأطر الأخرى في حال استمرار الفراغ أو اتساع رقعته باتجاه المجلس النيابي والحكومة»، وسط الدعوة في هذا المجال إلى «الإسراع في تشكيل الحكومة لمواكبة الإيجابيات التي أرخت بظلالها على الوضع اللبناني برمته».

وإذ أكدت توصيات «المستقبل» التمسك بوحدة الدولة وسلطتها ومرجعيتها الحصرية في كل القضايا المتصلة بالسياسة العامة للبلاد بما يضمن الحفاظ على لبنان وحمايته وصون سيادته الوطنية»، أعربت في المقابل عن نبذ «كل أشكال التطرف والتقوقع الطائفي والمذهبي» ورفض «أي سلاح غير سلاح الشرعية وانتشار السلاح غير الشرعي في أيدي اللبنانيين وقيام ما يسمى بـ»سرايا المقاومة» وتنظيمات وأحزاب سياسية مسلحة لبنانية وفلسطينية أو غيرها بحجة المقاومة ومواجهة المخاطر»، مع تجديد «المستقبل» رفضه «زج لبنان بالصراع المسلح في سوريا سواء كان لمصلحة النظام أو لمصلحة قوى الثورة درءاً لمخاطر التورط في الحريق السوري أو نقله إلى الداخل اللبناني»، وتمسك في هذا المجال «بإعلان بعبدا الذي حظي بإجماع طاولة الحوار». كما أكد المؤتمر على أهمية دور المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لتبيان الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وغيرها من الجرائم، بهدف الوصول إلى العدالة المنشودة باعتبارها التزاماً مبدئياً وأخلاقياً ووطنياً أمام الشهداء وعائلاتهم وكل اللبنانيين، وردع المجرمين«.

وفي توصياته الاقتصادية – الاجتماعية، أعرب تيار «المستقبل» عن تمسكه «بالنظام الاقتصادي الحر» مشدداً على «أهمية المحافظة على الاستقرار الماكرو-اقتصادي من خلال سياسات مالية ونقدية سليمة»، مع الإشارة إلى كون «النهوض الاقتصادي والاجتماعي يتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً، كما يتطلب وجود سلطة تنفيذية موحدة ومتجانسة ذات رؤية اقتصادية واضحة، يتمتع فريقها بالقدرة على تنفيذ برنامجه».

 

الديار :

يبدأ الأسبوع الثالث بعجز عن تأليف الحكومة، مع العلم ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتحمّل العقد والطروحات لكنه لا يتدخل في التفاصيل. اما التفاصيل فأكثريتها هي عند الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري، ومن خلفهما من قوى وحلفاء. والصراع هو ان، هل تكون الحكومة 24 وزيرا ولا تمثل كل الفئات، او تكون 30 وزيرا وتمثل كل الفئات عندها. والأرجح انها ستكون 30 وزيرا يتمثل فيها كل الأطراف، منهم 8 وزراء دولة، ولا يبدو الرئيس سعد الحريري المكلف بتشكيل الحكومة ممسكا بخيوط اللعبة، بل هو يحتاج في الدرجة الأولى الى مساعدة الرئيس نبيه بري لتأليف الحكومة، خاصة وان حزب الله قام بتطويب بري التمثيل السياسي لحزب الله وحركة امل سوية في تشكيل الحكومة وغيرها.
وينتظر الرئيس سعد الحريري عودة الوزير جبران باسيل من البرازيل، لاكمال تفاوضه مع نادر الحريري والسعي لحلحلة الأمور. فالكتائب تريد وزارة وازنة لها، ويبدو انهم سيعطون القوميين وزارة دولة، والأمير طلال أرسلان وزير دولة، كذلك البعثيين والعلويين.
اما بالنسبة الى وزارة الاشغال، فيقول الرئيس بري ان الذي وعد البعض بوزارة الاشغال فلينفذ وعده لان وزارة الاشغال ليست ملكاً له، بل كانت في يد حركة امل، وحركة امل وحزب الله لن يتخلوا عن وزارة الاشغال ووزارة المالية. والحكومة الجديدة التي ستأتي ستقوم بتعديل بسيط لقانون الانتخابات، فلا يكون قانون انتخابات نسبي، ولا قانون 1960، بل تقسيم جديد لبعض الدوائر. 
وواهم من يعتقد ان الطبقة السياسية تريد قانون انتخاب نسبي حقيقي يؤدي الى تغيير 50 في المئة منها، ويفتح الباب امام المجتمع المدني، الذي يريد الانقضاض على الطبقة السياسية وازاحتها عن حكم لبنان والتخفيف من الفساد المستشري في كل دوائر ومؤسسات الدولة الخاصة والعامة.
لكن الحكومة ستولد، وايران والسعودية اتفقتا على حكومة واحدة في اليمن تجمع الجناح السعودي برئاسة عبد الهادي، والجناح الإيراني برئاسة الحوثيين.
وفي لبنان الامر ذاته، لكن الرئيس نبيه بري، حتى الان هو اللاعب الأقوى بتشكيل الحكومة، يواجهه الدكتور سمير جعجع من خلال الرئيس العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، وتصر القوات اللبنانية على وزارة الاشغال، في حين يرفض الرئيس بري إعطاء الدكتور جعجع الاشغال، ويريد ان يعطي الوزير سليمان فرنجية وزارة قوية، قد تكون وزارة التربية.
ولا يستبعد احد ان يأتي وزير من حزب الله وزيرا للاتصالات، لكن هنالك فيتو دولي ان يتولى حزب الله وزارة الاتصالات والتنصت، وكل حركة الاتصالات الخليوية والهاتفية في لبنان. وتغذي هذه الفكرة إسرائيل لدى اميركا وفرنسا وأوروبا كي لا يستلم حزب الله وزارة الاتصالات.
يبقى ان الرئيس نبيه بري سيكون المعارض، ويستمر في المعارضة حتى يرضخ له الرئيس سعد الحريري، والرئيس الحريري لا يستطيع ان يرضخ لانه يريد ان يبقى في الوسط بين رئيس الجمهورية وحركة امل وحزب الله ، وبالتالي بين السعودية وايران.

ـ بري: لا جديد حكومي ـ

وقال الرئىس نبيه بري امام زواره حول الوضع الحكومي، ليس لدي أي شيء جديد والامور ما زالت على حالها،  وحول زيارة الرئىس الحريري الى بعبدا قال «لست في الاجواء ولا يوجد لا سلبيات ولا ايجابيات»، وعن قول الحريري انه مع  بري ظالماً او مظلوماً قال الرئىس بري: «ان شاء الله ما نكون ظالمين وبالتأكيد لن نقبل ان يظلمنا احد».
وحول فترة السماح لتأليف الحكومة قال «يبدو لعند اهلو على مهلو» لكن كل يوم يمر دون تأليف الحكومة يشكل خطراً على قانون الانتخابات وكما قلت نحن لا نطلب الا تسهيل تشكيل الحكومة وحكومة الوحدة الوطنية تستوجب قاعدة تمثيل الجميع من دون اقصاء احد».
وحذر بري مرة اخرى من الذهاب الى الانتخابات النيابية على اساس قانون الستين وقال: «اعوذ بالله من هذا القانون».

ـ الحريري من القصر الجمهوري ـ

وكان الرئىس سعد الحريري قد زار الرئىس ميشال عون وتباحث معه في التأليف الحكومي المتعثر دون ان يحمل اي مسودة معه، واعرب الحريري بعد اللقاء عن وجود عقد، مؤكداً انه مع الرئىس بري ظالماً او مظلوماً، علماً ان هذا الشعار اطلقه الرئىس نبيه بري في ايلول الماضي عبر التأكيد انه مع الحريري ظالماً او مظلوماً، لكن محطة O.T.V التابعة للتيار الوطني الحر اشارت الى ان لا ظلم وقع على الرئىس نبيه بري في اي مجال منذ الطائف وحتى هذه اللحظة، مشيرة الى ان كل الاجوبة على الموضوع الحكومي يجب ان تتبلور حتى نهاية الاسبوع وبعدما تصبح الهوامش ضيقة لانه لا يمكن الانتظار اكثر في ظل ما يشهده لبنان والمنطقة.

ـ المستقبل: التأخير ليس توزيع حقائب ـ

مصادر في تيار المستقبل قالت «ان مسألة التأخير في تشكيل الحكومة ليست بالتأكيد مسألة توزيع حقائب على الاطراف السياسية، بل لها خلفيات متعددة اولها ان الثنائي الشيعي لم يهضم بعد الاتفاق الذي حصل بين الرئىس العماد عون والرئىس سعد الحريري وان هذا هو رأس جبل الجليد الذي يخفي اسباباً اخرى لم نتطرق اليها في الوقت الراهن».

ـ المردة: مسألة وجود ـ

من جهة ثانية قالت مصادر في تيار المردة ان النائب سليمان فرنجية لن يتراجع عن مطالبه وان المسألة ليست فقط مسألة حقيبة، بل هي مسألة وجود باعتبار ان ما حصل من اتفاق بين الرئىس عون والدكتور جعجع والذي شجعه في شكل خاص الوزير جبران باسيل يهدف الى توجيه ضربة لحضور المردة وخاصة في شمال لبنان. وهذا ما لن نقبل به باعتبار ان وجودنا لا يقتصر فقط على زغرتا بل لنا وجود في البترون والكورة وهو وجود مستهدف بطريقة الغائية.

ـ التأخير الحكومي والتمسك بالحصص  ـ

التأخير الحكومي ليس الا بسبب الخلاف على الاحجام والوزارات وليس له اي ابعاد اخرى رغم هواجس بعبدا او بيت الوسط ومعراب من ان يكون هدف الرئيس بري من وراء التصعيد العودة الى طرح «السلة المتكاملة» والاتفاق مسبقاً على قانون جديد للانتخابات النيابية، علماً أن دعوة الهيئات الناخبة يجب ان تتم في 11 شباط وقبل 90 يوماً من موعد الانتخابات النيابية في 21 ايار. كما ان الثنائي الشيعي ربما يكون غير راض على حجم حصة القوات اللبنانية وحصولها على نائب رئيس مجلس الوزراء للقيمة المعنوية لهذه الحقيبة.
علماً أن المطالب باتت واضحة منذ اليوم الاول لتكليف الرئىس سعد الحريري، ولم يتراجع اي طرف اساسي عن حصته وتحديداً التيار الوطني الحر، وحركة امل والقوات اللبنانية والمردة وكل يقف في مكانه ولم يتزحزح مطلقاً باستثناء النائب وليد جنبلاط «الزاهد» بالموضوع الحكومي وكل هدفه انطلاق عمل المؤسسات نتيجة خشيته من التطورات الاقليمية.
والعقد باتت محددة حول وزارة الاشغال في ظل تمسك بري بهذه الحقيبة وعدم تنازل القوات اللبنانية عنها، وموقف الحريري الداعم لاعطاء القوات لهذه الحقيبة واسناد الصحة لبري وهدا ما يرفضه رئىس المجلس ويؤكد انه غير معني بأي اتفاق بين الحريري ومعراب.
عقدة توزير المردة بدعم من حزب الله والرئىس بري، وهما مع فرنجية مهزوماً او منتصراً. والمردة تتمسك بحقيبة من ثلاث: الاشغال او الاتصالات او الطاقة مع تأكيد الثنائي الشيعي بضرورة اعطاء الطاقة لفرنجية من حصة التيار الوطني الحر نتيجة تمسك الحريري بالاتصالات. اما لجهة اسناد التربية لفرنجية فهو يرفض هذه الحقيبة والتيار الوطني الحر يتمسك بها، بالاضافة الى عقد اخرى يتم حلها سريعاً اذا صفت النوايا. وفي المعلومات ان الرئىس نبيه بري يرىد تسمية الوزير السابق عدنان منصور كوزير شيعي خامس، وهو على موقفه بعدم اعطاء العماد عون وزيراً شيعياً ويتنازل شرط اعطائه وزيراً مسيحياً هو النائب ميشال موسى.

ـ آمون خضع لعملية جراحية ـ

اما على صعيد اعتقال الشبكة الارهابية علم ان مسؤول تنظيم داعش في عرسال احمد آمون خضع امس لعملية جراحية ويستلزم بعدها الحصول على راحة لعدة ايام ليبدأ التحقيق معه من جديد.

 

الجمهورية :

يبدو أنّ حبل انتظار ولادة الحكومة سيكون طويلاً، تِبعاً لتراكم التعقيدات في طريقه، ويوماً بعد يوم تضعف إمكانية توصّل الاطراف السياسية الى قواسم مشتركة تضع الحكومة على سكة الولادة السريعة.

على رغم المقولة الشائعة على خط التأليف، بأنّ حركة الاتصالات والمشاورات حوله، ما زالت ضمن فترة السماح، قياساً مع سوابق التأليف التي كانت تأكل شهوراً، فإنّ الجو العام يَشي بحال من الملل بات يضرب كل الفئات الشعبية، من مسرحية تلعب على خشبتها تعقيدات وتباينات وشروط صلبة ولا تنتهي، يتمسّك بها كل طرف في غياب إرادة التنازل عنها.

حتى الآن، ما زالت المراوحة هي عنوان حركة التأليف، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون يرى أنّ الضرورة باتت توجب اكتمال العقد الحكومي في أسرع وقت ممكن للانصراف الى التصدّي للملفات الملحّة، والرئيس المكلف سعد الحريري يلاقيه بالتأكيد على أنّ البلد أكثر من مستعجل على ولادة حكومية لاختراق التراكم المزمن للمشكلات. والدخول في مرحلة العمل لإزالة الثقل الكبير الذي تلقيه هذه المشكلات على كاهل جميع اللبنانيين.

ووسط هذه المراوحة على خط التأليف، جاءت الزيارة الرابعة للرئيس المكلف الى القصر الجمهوري ولقاؤه الرئيس عون، كمحطة عادية، لم تتطرّق الى ايّ مسودات حكومية.

بعبدا... جوجلة

وبحسب معلومات بعبدا، كان اللقاء فرصة لجوجلة مواقف الاطراف حيث هناك اتفاق على ان تقدّم كل الاطراف أجوبتها النهائية على الصيَغ المطروحة. وتبعاً لذلك شرع الرئيسان عون والحريري على الجوجلة، والتدقيق في كل التفاصيل، وتحديد النقاط المتّفق عليها وتثبيتها، وكذلك تحديد مكامن التباينات التي ما زالت موجودة بين الفرقاء، وفي أواخر الاسبوع الحالي، الخميس او الجمعة، سيتمّ جمع هذه المواقف ووضعها على الطاولة، ومن ثم تبنى عليها الخطوات التالية التي سيعتمدها الرئيسان.

وبحسب هذه المعلومات فإنّ عقدة التأليف مستمرة من دون حلحلة. ومع ذلك، فإنّ مناخ الايجابيات ما زال قائماً، خصوصاً أن ليس هناك أيّ عقد متعددة، بل هناك عقدة وحيدة متبقية، وهي المتصلة بموضوع رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، والاتصالات تركّز على هذا الموضوع، وامّا بالنسبة الى سائر العقد، فكلّه محلول.

وقالت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انّ اللقاء شكّل مناسبة لتبادل وجهات النظر حول ما يحول دون تشكيلة حكومية كاملة. كما أجرى الحريري ورئيس الجمهورية جوجلة وقراءة للتطورات التي أعقبت انتخاب الرئيس وردات الفعل والمؤشرات التي أوحت بالإرتياح الذي تركته الخطوة على الصعد السياسية والإقتصادية والديبلوماسية، كما على المستويات المحلية والعربية والدولية.

وكان الحريري قد زار بعبدا أمس، وقال بعد اللقاء إنّه جرى التشاور مع الرئيس عون بشأن الحكومة. «ونحن متفاهمون على الامور كافة، ويوجد بعض العقبات وإن شاء الله سنحاول حلحلتها. ونرى أنّ مصلحة البلد ومصلحة المواطن هي الأهمّ. والرئيس عون حريص على اقتصاد البلد، خصوصاً أنّ هناك مؤشرات إيجابية كثيرة ظهرت بعد انتخاب فخامة الرئيس ونحن سنستكمل الخطوات بالتشاور مع فخامته».

ورداً على سؤال عمّا اذا كانت العقدة في حقيبة الاشغال ما زالت قائمة، وعن موقفه من تصعيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، قال: «نحن مع الرئيس بري ظالماً كان أم مظلوماً».

العقد

الّا أنّ متابعين لحركة التأليف، يرون أنّ العقد ما زالت مستحكمة على عدة جبهات سياسية، إذ إنّ مصير حقيبة الاشغال لم يُحسم بعد، خصوصاً أنّ بري يُصرّ على التمسّك بها، فيما تتمسّك «القوات اللبنانية» بالمطالبة بها، على اعتبارها تعويضاً معنوياً عن تَخلّيها عن المطالبة بالحقيبة السيادية. كما انّ هذه الحقيبة ما زالت مطلباً أساسياً لتيار «المردة»، او ما يوازيها كالصحة والاتصالات.

وربطاً بهذه الحقيبة، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ وزارة الاشغال تسبّبت بشيء من الفتور على خط بيت الوسط - عين التينة، وخصوصاً بعدما شاع في بعض الاوساط أنّ الحريري اتفق مع بري على إسناد حقيبة الاشغال الى «القوات اللبنانية»، مقابل تَخلّيها عن المطالبة بحقيبة سيادية، وهو كلام لا تعتبر عين التينة نفسها معنيّة به، وتكرّر ما سبق وأكّد عليه برّي بأن مَن وَعَد عليه أن يُوفي، لا أن يَعد، وعندما يحين موعد العطاء يحاول أن يعطي من كيس غيره.

وبحسب المصادر نفسها، فإنّ أكثر العقد استعصاء، هي عقدة الثلث المعطّل، وتقول إنّ التفكّك الذي أصاب «8 و14 آذار» جعل من إمكان الوصول الى ثلث معطّل لهذا الطرف او ذاك مستحيل، ولكن هذا الثلث بدأ يطلّ برأسه من خلال الحصة العونية القواتية، حيث انّ حصة رئيس الجمهورية (3 وزراء) مضافاً اليها حصة «التيار الوطني الحر» (3 وزراء)، مضافاً اليها حصة «القوات» (3 وزراء تضاف اليهم حقيبة الوزير ميشال فرعون).

وهذا الأمر دفع الاطراف الآخرين الى التعبير عن «نَقزة» من هذا الثلث، الذي يجعلهما متحكّمين بالحكومة ومصيرها. علماً أنّ «التيار» و«القوات» ينظران الى هذه الفرضية، على اعتبارها غير واقعية، وانهما ليسا في وارد الثلث المعطّل أو غير المعطل، اذ انّ الاوزان والاحجام هي التي تفرض نفسها لا أكثر ولا أقل.

بري

هذه المراوحة السلبية على خط التأليف عكستها أجواء عين التينة، حيث اكد بري امام زّواره ان لا معطيات جديدة لديه حول مسار التأليف، ولا يعتبر انّ الكرة في ملعبه. وقال: «ليس لديّ علم بشيء، وما في شي جديد».

ولدى سؤاله اذا كانت زيارة الحريري الى بعبدا، أمس، مقدمة لحدوث اختراقات ايجابية؟ أجاب: لستُ في الجو، ولا ايجابيات ولا سلبيات.
وعندما سُئل اذا كان التأليف سيتأخر طويلاً؟ قال: يبدو انّ «اللي عند بَيت أهلو على مهلو»، مؤكداً «أنّ كل يوم تأخير من دون تأليف للحكومة، يشكّل خطراً على قانون الانتخابات الجديد، وامكان إعداده».

وكرّر تحذيره من الابقاء على قانون الستين، باعتباره أصل العلل التي يعانيها البلد.

وعمّا اذا كان سيقبل بالابقاء على الستين؟ قال: أعوذ بالله.

وكان برّي قد تلقى كلام الحريري في بعبدا عن انه «مع بري ظالماً او مظلوماً»، بشكل عادي. واكتفى بالقول: ان شاء الله لا نكون ظالمين لأحد... وبالتأكيد لن نقبل بأن يظلمنا أحد.

ورداً على سؤال قال بري: لا نطلب الّا تسهيل تشكيل الحكومة، وما يجري الحديث عنه هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا يوجب اعتماد قاعدة تمثيل للجميع ولا إقصاء لأحد ولا إلغاء لأحد ولا تحجيم لأحد.

«القوات»

في هذا الوقت، قالت مصادر حزب «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ ما قدّمته «القوات» من تضحيات في موضوع الحقيبة السيادية كافٍ وهي غير مستعدة لتقديم مزيد من التضحيات، خصوصاً أنّ القوى الأخرى يفترض ان تقدم بدورها تضحيات على غرار ما قدمته «القوات»، فضلاً عن أنّ الحصة التي رَست عليها حصلت نتيجة تواصل بين معظم القوى السياسية إذ عندما طلب الرئيسان عون والحريري من «القوات» التنازل عن الحقيبة السياسية مقابل نيابة رئاسة الحكومة ووزارة الاشغال ووزارتي الاعلام والشؤون الاجتماعية قيل لها يومها انّ هذه التسوية مُتّفق عليها بين كل القوى السياسية ومن ضمنها الرئيس بري، ومجرد ان توافق تصدر مراسيم التأليف في غضون ساعات.

واضافت المصادر انّ «القوات» إنطلاقاً من حرصها على انطلاقة العهد ارتضَت بالتنازل عن الحقيبة السيادية من اجل تأمين انطلاقة ميمونة للعهد الجديد، لكنها فوجئت بمزيد من العقبات والعراقيل وبمحاولة التنَصّل من التسوية التي رَست عليها حصة «القوات». ولذلك، فإنّ «القوات» تعتبر نفسها غير معنية بأيّ تنازل اضافي من الآن وصاعداً.

ورفضت المصادر وضع «القوات» في خانة المعطّل لمسار التأليف، «فما نطلبه ونريده هو تسهيل العهد، والتأكيد على تمثيل وازن لـ«القوات»، ومعلوم انّ «التيار الوطني الحر» و«القوات»، هما أقوى قوّتين مسيحيتين، ويحق لهما أن يتمثّلا كما يجب ان يتمثّلا، وليس على أساس التصنيف الدفتري الذي يجسّده مجلس النواب الحالي. التصنيف يجب ان يأخذ في الاعتبار الاحجام والاوزان.

ورداً على سؤال، قالت المصادر: «انّ الكرة في ملعب الرئيس بري»، مُستبعدةً ان «يتأخر التأليف طويلاً إذ انّ رئيس جمهورية من نوعية عون، لن يقبل بأن يتأخّر التأليف الى ما شاء الله».

قليموس: عون متفائل

الى ذلك، التقى عون في القصر الجمهوري امس، وفد الرابطة المارونية، وقال رئيسها النقيب أنطوان قليموس لـ«الجمهورية»، إنه «لمس منه أجواء تفاؤلية بالنسبة الى الحكومة»، موضحاً أنّ «عون قال إنّ الولادة الحكومية تحتاج الى وقتها، وهناك مهلة طبيعيّة لا يجب تجاوزها لكننا ما زلنا ضمن الفترة المعقولة، ولن أقبل أن تؤلّف حكومة خارج المبادئ الأساسية التي ناديتُ وأنادي بها».

وأوضح قليموس أنّ «عون يبدو غير متأثّر ممّا يجري من مناكفات، وهو كمَن يمشي واثق الخطى ولا يعتبر انّ تأخير التأليف يحدّ من زخم انطلاقة العهد لأنّ خطّة العمل التي يضعها وقد عبّر عن بعض جوانبها في خطاب القسم، تحظى برضى شعبي وهو لن يتراجع عنها»، داعياً الى استفادة الداخل من الأجواء الإقليمية والدولية المؤاتية».

ولفتَ قليموس الى أنّ «الرابطة أكّدت دعمها لعون في كل خطواته، وخصوصاً استرجاع الشراكة الوطنية ومحاربة الفساد، وتوزير وزراء يحملون برامج لا ان يطالبوا بحقائب تقيّدهم من أجل الإنتخابات».

 

 

اللواء :

استؤنفت اتصالات تأليف الحكومة، الا ان «شعير» الحكومة لم يتحوّل «قمحاً».
وتحولت الزيارة الرابعة للرئيس سعد الحريري إلى بعبدا إلى محطة، فتحت الباب امام جولة من التكهنات حول ما بعد هذه الزيارة:
1- فالرئيس المكلف لم يخف «وجود بعض العقبات» التي كانت اشارت إليها «اللواء» ضمن «ما نشيت أمس»، وهو لم يخف أيضاً السعي لحلحلة هذه العقبات.
ووزع الرئيس المكلف كلامه توازناً بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، «فرئيس الجمهورية حريص على اقتصاد البلد، وسنكمل الخطوات بالتشاور معه»، و«نحن مع الرئيس برّي ظالماً كان أم مظلوماً».
وخارج دائرة التكهنات والتفسيرات بالظلم والظالم أو المظلوم، فإن الرئيس الحريري كان يجيب على سؤال يتعلق بحقيبة الاشغال وما إذا كانت هذه العقدة ما تزال قائمة (في اشارة الى التناغم على هذه الحقيبة بين الرئيس برّي وحزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع).
2- وكعادته لم يتأخر الرئيس برّي عن الجواب، ولكن هذه المرة، ليس عبر بيان فوري، كما حدث المرة الماضية، رداً على كلام الرئيس الحريري عن المعرقل، وجاء جواب عين التينة على لسان زوّار الرئيس برّي متضمناً نقاطاً ثلاث:
- ترحيب بالرسالة الإيجابية التي بعث بها الرئيس المكلف من على أبواب قصر بعبدا، وهو قصد هذه الرسالة، وفقاً لتقديرات عين التينة وليس «بيت الوسط».
- تأكيد الرئيس برّي، على لسان زواره، ان رئيس المجلس «لم يظلم أحداً وليس لأحد بمقدوره ان يظلمه»، وبالتالي فكلام الرئيس الحريري، وإن بدا طيباً، لكن لا ترجمة عملية له حتى الآن.
- ان رئيس المجلس ما زال متمسكاً بحقيبة الاشغال إلى جانب المالية، كما انه متمسك بالوزيرين علي حسن خليل للثانية وغازي زعيتر للاولى، وتبرير هذا التمسك ان «التيار الوطني الحر» متمسك بالخارجية والطاقة وتيار «المستقبل» متمسك بالداخلية واستبدل الاتصالات بوزارة العدلية، وسيكون له وزير مسيحي من حصته وآخر ارمني.
وعلى الجملة، لمس زوّار عين التينة ممن التقوا الرئيس برّي منه: ان الأمور غير مسهلة لتأليف الحكومة، وهي تحتاج إلى مزيد من الوقت، وأن رئيس المجلس راغب في ان تعتمد معايير واحدة في توزيع المسؤوليات الحكومية، وألا يكون هناك اقصاء للقوى الوطنية ذات البعث التاريخي، وأن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية بالفعل وليس بالاسم والشعار فقط، وفقاً لتعبير الوزير سجعان قزي.
3- تتفق مصادر المعلومات على ان موقف الرئيس برّي المدعوم من «حزب الله» والذي يعتبر الممثل المفاوض عن كتل واحزاب 8 آذار (تيّار المردة، الحزب السوري القومي الاجتماعي، سنة 8 آذار)، كان حاضراً بصورة رئيسية في اجتماع نصف الساعة بين الرئيسين عون والحريري في بعبدا.
وجرت النقاشات التي وصفها الرئيس الحريري بأنها «عكست تفاهماً مع رئيس الجمهورية على الأمور كافة»، في أجواء من عدم الارتياح من تأخير عملية التأليف وارتداداتها السلبية على النتائج الإيجابية التي أعقبت انتخاب الرئيس عون وتكليف الرئيس الحريري.
ووفقاً للأجواء التي سربتها دوائر بعبدا، فإن أجوبة الكتل على العروض في ما يتعلق بحقائب التوزير يتعين ان تصل إلى الرئيس المكلف في حدود السبت أو الأحد المقبلين على أبعد تقدير.
ولم تستبعد هذه المصادر ان يعقد اجتماع آخر بين الرئيسين لإعادة تقييم الموقف.
وتُشير هذه المصادر إلى ان فترة السماح انتهت، وانه لا يمكن قبول التمادي بسياسة اضعاف العهد أو تجاوز فترة الأعياد، حيث من المنتظر ان تكون الحكومة ولدت ونالت الثقة والانصراف إلى ور<