تعثر تشكيل الحكومة حتى إشعار آخر. ولا يبدو ان الايام القليلة المقبلة ستحمل جديدا في ما يتعلق بحلحلة العقد التي تمنع ولادة الحكومة، او تلك التي يمكن ان تظهر في الافق. والحال ان هناك شعورا لدى الرئيس المكلف سعد الحريري بأنه كلما حلت عقدة، ستولد عقدة جديدة لقطع الطريق أمام ولادة الحكومة. بالامس حكي من جديد عن "السلة" التي كان طرحها الرئيس نبيه بري مدخلا لإتمام الاستحقاق الرئاسي، وقيل في معرض تبرير عودة طرح موضوع "السلة" ان الالتفاف عليها من خلال الذهاب مباشرة الى انتخاب رئيس للجمهورية لم يلغها، وان تصريح بري بعدما قضي أمر الرئاسة بأن "الجهاد الاكبر قد بدأ"، انما كان مؤشرا الى ان مرحلة ما بعد انتخاب ميشال عون رئيسا لن تكون سهلة بالنسبة الى الحكومة تأليفا (بعدما حسم أمر تكليف الحريري تشكيلها وفق معايير التمثيل والشراكة)، ولا بالنسبة اليها ممارسة، حيث تنتظر الحريري وعون أيام صعبة في "الحياة الحكومية المشتركة مع الثنائي الشيعي".

صحيح أن الرئيس ميشال عون أعاد خلال اتصال له بالامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حسبما نقل عنه، تأكيد "ثباته" على المواقف التي اتخذها قبل ان يصبح رئيسا للجمهورية، لجهة علاقته مع "حزب الله"، ولكن الصحيح ايضا ان عون أدرك منذ اللحظة الاولى لتفويض "حزب الله" بري التفاوض بالنسبة الى الحكومة، أن الامور لن تكون بالسهولة التي يتوقع. وان علاقته القوية بالحزب لا تمر قبل خيارات الاخير وحساباته، وبالتأكيد انها لا تتقدم على تحالف "الثنائي الشيعي" ومصالحه البعيدة المدى.
يعرف عون أنه والحريري يتعرضان لاختبار أحجام وأدوار وإرادات من "الثنائي الشيعي". ويعرف أيضا ان عهده يتعرض لضغط كبير من اجل نزع تلك الفكرة التي يرسمها في عقله الباطني، ومفادها انه كـ"رئيس قوي" سيحمل معه تغييرا حقيقيا في حياة اللبنانيين، وانه في خريف عمره يريد ان يترك "بصمة" في تاريخ البلد، مختلفة عمن سبقوه! ويعرف أيضا وأيضا أن في لبنان فريقا يعتبر نفسه غالبا، وان الغلبة تلك لا تنسحب في منطقها ونتائجها على من تحالفوا معه. بمعنى آخر، يبقى "الثنائي الشيعي" بخياراته الخاصة، حالة في الدولة وخارجها. والرئيس عون مطالب بأن يتملس حدود قدرته على احداث تغيير في اتجاه تقوية منطق الدولة.
بالطبع، لا يرمي هذا الكلام الى التلميح أن عون متجه صوب مواجهة مع "الثنائي الشيعي". بل يرمي الى تذكير الجميع بأن شيئا جذريا لم يتغير بانتخاب الرئيس، لا لعلة في الرئيس نفسه، بل لعلة في موازين القوى، وفي القوى التي توشك على الخضوع لتلك الموازين.
هل تتأخر ولادة الحكومة كثيرا؟ هناك من المعنيين من يتوقع ان يتم الافراج عنها في اللحظة التي تلائم "حزب الله" للايحاء بأن الحكومة تتشكل، وان تشكلت نظريا وجزئيا بين "بيت الوسط" وقصر بعبدا، فإنها لن تولد كاملة إلا في حارة حريك!