أولاً: بؤس الفكر القومي ونهاياته المأساوية
بعد الانتكاسة الكبرى في حزيران عام ١٩٦٧ وتداعياتها الكارثية، أُصيب الفكر القومي بأعطابٍ خطيرة، فتنامى التيار الإسلامي وخرج من القمقم، وطفت على سطح الأحداث شعارات "الإسلام هو الحل" و"نهاية عصر القوميات"، وما لبثت وفاة الرئيس جمال عبدالناصر أن زادت الأمور سوءاً على سوء، وغدت "الأحزاب" القومية قاصرة تجاه الأحزاب الدينية والأحزاب الشيوعية التي أتمّت إنجازاتها التنظيمية، وأكملت بُناها الإيديولوجية المتضمنة لمنظورٍ شمولي للمجتمع والعالم، في حين بقي الفكر النظري للتنظيمات القومية قائماً على فكرة "العرق" العاجزة عن تبرير وجودها في إيديولوجية شاملة وحيّة ، وهذا ما دفع التيار القومي للالتقاء بأعمق فئات المجتمع انغلاقاً وتقليدية في بنائها الذهني، هذه الفئة هي الجيش، وأمام العجز المتمادي للفكر القومي، والانقلاب عليه في مصر بصلافة الرئيس الراحل أنور السادات، ووصول قيادات استبدادية في العراق وسوريا، ممّا أفقد ما كان قد تبقّى من حيوية في فكر حزب البعث المستولي على السلطة، وسمح بتفوق واضح للفكر "الإسلاموي" على الفكر القومي.
لم تسمح الأنظمة العسكرية للقوى القومية المناهضة للاستبداد والقمع العسكري الاستخباراتي بالتعبير عن أفكارها، ممّا أفقدها أية فرصة لصوغ فكر سياسي نظري يصلح لمقاومة انحرافات العسكر وفضح مساراته القمعية، وهذا ما أرسى تخلف الفكر القومي وجعله في طور الاضمحلال والتلاشي، بعد زحف قياداته المنبوذة من الأنظمة للانضواء تحت أجنحة التيارات الإسلامية.
ثانياً: حلب..المقبرة التاريخية
بعد زوال الدكتاتورية العسكرية في ليبيا، وسقوط حكم الرئيس حسني مبارك في مصر، والنهاية المأساوية لصدام حسين في العراق، والانتفاضة الشعبية في سوريا منذ حوالي خمس سنوات، عاث  بشار الأسد، وريث الانقلاب العسكري من والده حافظ الأسد قتلاً وخراباً وتدميراً وتهجيراً فاق كل ما شهدته هذه البلاد من كوارث ومجازر، ولم يبق من شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية سوى التمزق الداخلي وزجّ الآلاف في السجون، وتهجير ثلث الشعب السوري، أمّا المجدُ والخلود للأمة العربية، فقد حلّ محلها الوجود الإيراني والوجود الروسي، وبدل البناء الإشتراكي يتمّ تدمير أعرق مدينة تاريخية في بلاد الشام. وعندما يستكمل الجيش العربي السوري مع الطائرات الروسية تدمير حلب من الجو والبحر والبرّ، فإنّما يُحضّرها كي تكون المقبرة "التاريخية" لآخر انقلاب عسكري "قومي" في بلاد العرب.