اذا كانت عطلة نهاية الاسبوع قد شكلت فترة إستراحة للعاملين على خط تأليف الحكومة بسبب انشغالات متعددة الاتجاهات خففت من زخم العملية، فإن قطار الاتصالات يستعد للإنطلاق مجددا اعتبارا من مطلع هذا الاسبوع معولا على العودة المرتقبة في اليومين المقبلين لرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل من مهمته الاغترابية حيث يترأس المؤتمر الاغترابي المنعقد في ساو باولو، ولمدير مكتب الرئيس المكلف نادر الحريري، اللذين يتوليان هذا الملف.

اما الرئيس سعد الحريري الذي كان ركز اهتمامه في اليومين الماضيين على المؤتمر العام لتيار " المستقبل"، فنظرا الى اهمية هذا المؤتمر وما ينطوي عليه من إنعكاسات متصلة بالوضع الداخلي للتيار ولزعيمه على وجه الخصوص، بعدما تعرض لإهتزازات نتيجة غياب الحريري عن البلاد، وهو امر تناوله الحريري نفسه في خطابه في افتتاح اعمال المؤتمر العام للتيار" المنعقد في "البيال"، على مدى يومين. اذ حرص على الابتعاد عن الملف الحكومي وعملية التأليف بإعتبار انها لا تشكل اولوية بالنسبة الى الكوادر المستقبلية، ذاهبا في اتجاه وضع الاصبع على الجرح النازف والمتصل بالوضعين الداخلي والمالي، ليجيب على طريقته على الأسئلة والمطروحة ويطمئن ضمن الحدود المعقولة الهواجس حيال المستقبل.
ومن هنا جاء تأكيده على "أننا تيار الحريات، في مواجهة كل مستبدّ، وتيار السيادة في مواجهة كل وصاية واحتلال. نحن تيار لبنان أولاً، تيار الشرعية، تيار الدولة القوية التي لا تتقدّم على سلطتها أيّ سلطة، ولا يشاركها في سلاحها أيّ سلاح، ولا تعلو على مرجعيّتها أيّ مرجعيّة. انها شرعية الجمهورية اللبنانية واتفاق الطائف. نحن تيار العيش المشترك بين اللبنانيين وصيغة المناصفة ونحن تيار الاعتدال، تيار الجامعات لا الميليشيات وقد أصبحنا رقما صعبا يصعب كسره". وهو أراد بمواقفه هذه التأكيد على تمسكه بثوابت التيار ومواقفه المبدئية حيال سلاح " حزب الله" من دون ان يسميه، وعلى التمسك كذلك بإتفاق الطائف. وقد شكل خطاب الحريري، وفق المراقبين، ما يشبه مسودة البيان الوزاري لحكومته وخارطة الطريق للسياسات التي سينتهجها على رأس حكومته.
ولم يفته التوقف عند التسوية السياسية التي افضت الى عودته الى رئاسة الحكومة، والتي ينتظر كوادر التيار الأزرق الاستماع الى زعيمهم لشرح ظروفها وحيثياتها. فقال "أننا اردنا من المؤتمر أن يواكب المبادرة السياسية، التي أطلقناها، وأنهت الفراغ في رئاسة الجمهورية، بانتخاب فخامة الرئيس ميشال عون، ونقلت لبنان من المراوحة في دوائر الخطر واليأس والتعطيل، الى دائرة إنقاذ الشرعية من الانهيار"، مؤكدا "أننا نجحنا في تجنيب لبنان الانزلاق نحو المخاطر المحيطة، وقرّرنا أن نقوم بتسوية سياسية، لم يكن لها من هدف سوى العبور بلبنان من حقول الألغام الإقليمية والمحلية الى منطقة آمنة تحت مظلّة الوفاق الوطني. هذا النجاح هو اليوم في الرصيد الوطني لتيار المستقبل".
ولم يغفل الحريري الإشارة الى اهمية اجراء مراجعة داخلية بناءة تؤدي الى تحقيق النتائج المتوخاة منها وتحقق تطلعات المستقبليين.
حكوميا، استمرت حال المراوحة والدوران في حلقة العقد المستجدة التي لا تزال تعيق التأليف. فإلى جانب العقدة المتمثّلة بحصة تيار " المردة" الذي لا يزال على تمسكه بواحدة من الحقائب الثلاث الاساسية: الأشغال او الطاقة او الاتصالات، في حين ان الحقائب الثلاث المشار اليها باتت خارج متناول زعيم زغرتا،تبرز شكوى بعض القوى. من افتقاد التوزيع الى معايير متساوية سواء نسبة الى حجم الكتل او لثبات الوزارات، ما يقود الى الانطباع بأن المسألة الحكومية لا تزال في حاجة بعد الى المزيد من الاتصالات والمشاورات. وفي رأي مصادر سياسية مواكبة ان التأليف سيتم والحكومة ستولد لكن المخاض لا يزال أمامه المزيد من التنازلات التي لا يتوقف على الحريري وحده ان يقدمها بل رئيس الجمهورية ايضا. ولا تخفي المصادر قلقها من ان تكون الغاية من العقد الموضوعة في طريق التأليف ليس ضرب زخم انطلاقة العهد الجديد، وإنما وضع دفتر شروط بمعايير التعاطي السياسي المقبل.