في عالم السياسة، ثمة أشخاصٌ موهوبون. الوزير السابق وئام وهاب واحدٌ منهم. موهبته تتخطى فنّ العمل السياسي بكلّ "أدواته"، فتصبح على هذا النحو قادرة على تنصيبه "نجماً" ساطعاً في مختلف الميادين. يحلّ رئيس "حزب التوحيد" ضيفاً ملكاً على الشاشات التلفزيونية بمختلف برامجها. تتسابق الوسائل الإعلامية، لا سيّما في الفترات "الخصبة" والمثقلة بالأحداث والقضايا الشائكة، على استضافة الوزير بغية "جوجلة" واقع الحاضر السياسيّ، الأمني، المجتمعي..."من بيروت الى الصين"، وكذلك رصد بوصلة مستقبل بلاد هذه المنطقة الصاخبة.

يملك الرجل في كثير من الأحيان معلومات ومعطيات على قدر بالغ من الأهمية والخطورة. لكنّ الصحافي الذي صار سياسياً، بارعٌ في تعبئة ثلاث ساعات متواصلة، وربما أكثر، بتحليلات وتفسيرات وقراءات و"نظريات" قد يستسيغها كثيرون، وقد لا يقاربها آخرون إلا من باب التسلية والترفيه. فبقدر ما يُوصف لسان وهاب بـ "السليط"، بقدر ما تصدر عنه كلمات وأوصاف تستدعي الضحك والدهشة. هو من سوّى بين المحكمة الدولية وحذائه. وهو من قال عن بان كي مون بأنه "موّظف في وزارة الخارجية الأميركية ويغطي داعمي الارهاب". وهو من وصف "بوش" بـ "المجنون"، وهيلاري كلينتون بـ "الكاذبة". هو من قال "انا ما بقبل ممثل بالطائفة الدرزية فاتح كازينو بجنينة بيتو". هو من ردّ على عضو المكتب السياسي في تيار المردة ناعتاً إياهاً بـ "العجوز القبيحة". هو من يصف عدداً من الوزراء بالفاسدين والكاذبين والسماسرة. وهو من أسس "سرايا التوحيد" مؤخراً التي أقام أعضاؤها عرضاً شبه عسكري، أصرّ وهّاب على وصفه بالـ"رياضي".

حاول وهاب الاجابة على سؤال حتميّ: "لماذا سرايا التوحيد؟"، فردّ مؤكداً بأنها "ستعمّ كل القرى والمدن والمناطق، وما الخطأ؟ أسسنا مجموعات شبابية عنوانها لبنان عامة والجبل خاصة وتحت سقف الدولة وعينها. فهل في جهوزيتنا لملاقاة أي اعتداء إسرائيلي أو تكفيري عمل مستهجن ويستلزم الصراخ؟"!

يدرك الوزير الحذق أن قلّة ستقتنع بهذه الاجابة التوضيحية، وبأن كثيرين سوف يفهمون رسائل "ما بين السطور" أو يتحسسون الهدف غير المنظور أقلّه حتى الساعة. ومن بين ما فُهم، ان رئيس حزب التوحيد غاضبٌ من "التراخي الدرزي" في الاصرار على حصول حقائب وزارية وازنة، وهذه فرصة مناسبة لشدّ عصب الطائفة وتجييشها لصالحه. وهو، لم يخف سعيه لأن يكون لدروز المنطقة بأكملها دور بمعيّته، ان لم نقل بزعامته. ولم يتردد أيضاً بالاعتراف علناً وصراحة بأنه أصرّ على إحضار مشايخ من سوريا الى "حفل اطلاق" سرايا التوحيد، ليخلص الى ان الطائفة حسمت أمرها بعد ستّ سنوات، فاختارت الوقوف في خطّ المقاومة والممانعة (كلام الناس أمس).

بنظر كثيرين، وئام وهاب هو واحدٌ من رجال السياسة القلائل الذين يجرؤون على قول كلّ ما يفكرون به ويؤمنون به من دون تجميل وتلطيف ومواربة. وهو أيضاً ثابتٌ في مواقفه ومخططاته. حين أطلق وهاب تياره السياسي منذ نحو عشرة أعوام، عرّف عنه بأنه "تيار تغييري وليس اصلاحيا"، قائلاً: "نحن لدينا نظرة شاملة لكيفية التغيير في ‏لبنان، ولكيفية الوصول الى نظام ديموقراطي لبناني يتعامل مع الانسان كانسان، نظام خارج ‏اطار ترتيبات الطوائف والزعامات".

ليس واضحاً الآن ما اذا كانت "سرايا التوحيد" التي لفّ شبانها على الرؤوس عصبة كتب عليها "لبيك يا سلمان" تتخطى الطوائف والحزبية. "هي سرايا مدنية، ترفض استعمال السلاح إلا دفاعاً عن النفس ودعماً للجيش اللبناني والقوى الأمنية إذا استدعى أي شيء ذلك، وفي مواجهة أي عدوان إسرائيلي... هي جزء من المقاومة"، يقول وهاب، مؤكداً قدرته على شراء السلاح الخفيف والثقيل وارسال الشباب الى جبهات الحرب فيما لو فرضت في الداخل.

حين يُتهم وهاب بإنشاء "ميليشيا" مسلّحة "، تعارض مواقفه الداعمة للدولة بل إنها تضرب أحادية الجيش وحصرية السلاح بيده، يكرر بأن الاستعراض كان رياضياً، وأحدٌ من رجال الثياب السوداء لم يحمل سكيناً. وحين يُسأل عن النشيد الذي صدح خلال العرض وفيه عبارات مثل "نحن جيشك يا وهاب"، "هالارض بدما مجبولة بكل حرب انتصار جديد"، "اطلبنا تنلبي النداء تنقاتل كل الاعداء تيبطل اي حدا بوجنا يرفع ايد"...يتنصل من الموضوع زاعماً أن "الشباب عندي عملو بلا ما اعرف". على صراحته المعهودة، صار وهاب غالباً ما يرمي بالمسؤوليات على "الشباب"، وهذه استراتيجية ذكية لايصال الرسائل على قاعدة "لي ضرب ضرب ويلي هرب هرب".

يغرّد الوزير "الكوميدي" ساخراً: "بعد تحليق طائرة استطلاع فوق بعبدا أعطينا الأوامر لسرايا التوحيد باسقاطها اذا حلقت فوق الجاهليه بالكرات الرياضية". مهضومة هذه التغريدة – اللطشة. كلّ الأمل ألا تخرج عن نطاقها الـ cool، اذ ان كلّ الخوف يكمن في أن تلجأ بقية الأحزاب السياسية وبعض الجماعات الى التزوّد بطابات "تنس" ومضارب "غولف" للدفاع عن لبنان وحدوده وجيشه، فتنطلق في لبنان، "مباراة غير ودية" تجمع أطيافه، أحدٌ لا يعرف نهايتها ونتيجتها.

أما حق الشعب المشروع في المقاومة وصدّ العدوان عن الوطن، فذلك موضوع مختلف كليّاً، يحتاج بطبيعة الحال الى "روح رياضية" لمناقشته...

 

لبنان 24