يبدو من الصعوبة "هضم" التفسيرات التي يتطوع بها معظم المعنيين بتأليف الحكومة الجديدة لتبرير عامل استنزاف الوقت الذي يخشى بعدما "أثمر" توظيفه في حقبة الفراغ الرئاسي الى ما انتهت اليه ان يعود وسيلة تعطيل بما يرتد سلباً على بدايات عهد الرئيس العماد ميشال عون نفسه من خلال عرقلة مهمة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري. ذلك ان "الاجازة" المبكرة التي دخلتها عملية تأليف الحكومة في الساعات الأخيرة أطلقت العنان للكثير من الهواجس حيال لعبة الاشتراطات التي اعقبت لعبة "الفيتوات" في المرحلة الاولى من التأليف. ولم يعد ممكناً اقناع الكثيرين بأن العقد القليلة الجوالة بين بضع حقائب وزارية على "وجاهة" التنافس الحاصل عليها تشكل السبب الحصري والوحيد للانسداد الذي عاد يحكم هذا الاستحقاق.
وتذهب مصادر سياسية مطلعة الى القول إن التعقيدات المتعاقبة التي تصطدم بها عملية التأليف بدأت ترسم ايحاءات لم تعد خافية عن ارادة اقليمية يراد من خلالها ضبط هامش رئيس الوزراء المكلف في التأليف وان تكون القاعدة الحقيقية التي ستشكل على أساسها الحكومة هي رفع عدد "اللاءات" داخل مجلس الوزراء بمعنى ان يأتي الحريري ضعيفاً من خلال لعبة الاحجام والتوازنات في الحكومة ولو ان رئيس الوزراء المكلف لا يزال يراقب هذه الاحتمالات من دون التعامل معها كحقيقة مثبتة. وتنقل المصادر ان مرجعاً سياسياً بارزاً ردد قبل فترة كلاماً أوحى بأن تشكيل الحكومة لن يكون مسهلاً وبدت التطورات الاخيرة بمثابة تأكيد لهذا الكلام.
وعلمت "النهار" من مصادر مواكبة لتأليف الحكومة ان الجهود التي يبذلها المعنيون دخلت مرحلة تحمل عنوان "إستراحة المفاوضين". فوزير الخارجية جبران باسيل الذي يمثل الرئيس عون في مفاوضات التأليف سافر أمس الى البرازيل، كذلك سافر السيد نادر الحريري ممثل الرئيس الحريري في هذا المفاوضات الى الخارج. وتردّد ان الرئيس الحريري الذي سينشغل يومي السبت والاحد المقبلين بالمؤتمر العام الذي يعقده "تيار المستقبل" في مجمع "البيال" ويلقي في افتتاحه ظهر السبت كلمة مسهبة، قد يسافر ليومين أيضاً لأسباب خاصة. وأوضحت المصادر ان هذه الاستراحة لن تتجاوز نهاية الشهر الجاري على ان تكون الجهود على موعد "من المرجح أن يكون مثمراً" في بحر الشهر المقبل.

خريطة المداخلات
وفي أي حال، ترسم خريطة المداخلات في التأليف لوحة واضحة للمناخ القاتم الذي بدأ يحاصرها والذي يضع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف أمام فترة اختبارية حاسمة باعتبارهما المعنيين الاولين بعملية التأليف دون سواهما.
ويقول مطلعون على موقف "حزب الله" إن ملف تأليف الحكومة هو عند رئيس مجلس النواب نبيه بري وفي يده مفتاح الحل والربط وقد يعطي بري "تيار المردة" حقيبة الاشغال أو يقنع "المردة" بالتربية ولكن لا تراجع من بري عن تمسكه بالاشغال!
وتشير المصادر المطلعة على موقف بري الى ان الوزير باسيل رفض إعطاء "المردة" حقيبة التربية بعدما كان عرضها الرئيس الحريري عليه معتبراً ان حصته يفترض ان تبقى محصورة بحقيبة الثقافة. ولكن لا معلومات من جهة باسيل تؤكد او تنفي هذا الموقف. ومن وجهة نظر هذا الفريق ان الحلّ لأزمة التأليف قد يكون بأن توافق "القوات اللبنانية" على توليها حقيبة الصحة، أو بأن يوافق الحريري على إعطاء "المردة" حقيبة الاتصالات وأن يأخذ الثقافة بدلاً منها.
وتؤكد مصادر هذا الفريق أن لا وزير شيعياً لرئيس الحمهورية بل ان الرئيس بري يطالب بأن يكون المقعد الشيعي الخامس لـ"حزب الله".
وتشير المصادر نفسها الى ان وزير الدفاع يسميه الرئيس عون على ان يحظى الاسم بموافقة "القوات"، أما المقعد السني العائد الى حصة رئيس الجمهورية فيتوقع ان يسمّي له امرأة.
وفي هذا الصدد استمرت عقدة "المردة" عالقة. وعلم أن الرئيس الحريري لم يعرض على وفد "تيار المردة" أمس حقيبة معيّنة، بل أكد حرصه على مشاركة "المردة" في الحكومة وتمنى الحصول على جواب من النائب سليمان فرنجية بقبول توسيع مروحة الحقائب خارج الحقائب الثلاث التي يطالب بها أي الاتصالات أو الطاقة أو الاشغال، ليقدّم له عرضه. وفهم ان الحريري لمح الى حقيبتي البيئة والعمل، لكن وفد "المردة" رفضهما. وفي المقابل يعمل الرئيس الحريري على اقناع الرئيس بري بالقبول بوزارة الصحة التي كان مقتنعاُ بها سابقاً بدل الاشغال.
أما الرئيس بري الذي يكرر انه لن يدخل الحكومة من دون "المردة"، فهو لا يرى الحلّ بحسب بعض المقربين منه الا بأن يتخلّى الحريري لـ"المردة" عن الاتصالات، أو بتخلّي "القوات" عن الصحة، بعدما تمسّك هو بالأشغال رافضاً التخلّي عنها، فيما تؤكد "القوات" أن الأشغال من حصتها، وبعدما سمّت مرشحيها لم يتغيّر شيء في حصتها ولم يطرح عليها شيء. وتشير المصادر الى ان البحث لا يزال في الحقائب ولم يصل بعد الى الأسماء.