وصلت مشاركة حزب الله في الحرب السورية إلى مرحلة تنظيم استعراض في القصير لآلياته العسكرية المشاركة في الحرب على أرض سوريا.

في الواقع، يبدو أن حزب الله، وفق مراقبين، تجاوز ارتباط الشرعية الدستورية والقانونية والميثاقية لبقاء سلاحه دون سائر الميليشيات الأخرى بعد الطائف، نصاً وروحاً، بحصرية استخدامه لغرض مقاومة إسرائيل. ففي الأعوام الأولى لانطلاقة عملها جنوباً، اقسمت "المقاومة" يميناً أن سلاحها لن يكون إلّا لـ"محاسبة الكيان الصهيوني" ومقاومة الاحتلال. وعلى هذا الأساس وافقت المكوّنات اللبنانية الأخرى على بقاء هذا السلاح مقابل نزع سلاح الفئات الأخرى، بمن فيها "المقاومة الوطنية" التي كانت أول من أطلق شرارة مواجهة العدو الإسرائيلي. وإذا كان حزب الله قد سَوَّغ لنفسه المشاركة في حرب خارج الحدود من دون تكليف أو تفويض أو تأييد من اللبنانيين، فكيف يحمي شرعية سلاحه حين يحوّل وظيفته باتجاه دول عربية، وبالمجاهرة بعرض عسكري لافت في القصير السورية؟

يبدو أن الأمر لا يحتاج إلى تسويغ، خصوصاً أن عمل حزب الله في سوريا يحظى بغطاء دولي أو بأحسن الحالات بغض طرف. فالمجتمع الدولي لم يعترض يوماً على دخول حزب الله سوريا، ولاحقاً لم يعطِ في أي مناسبة انطباعاً بأنه ضد تضخّم دور الحزب فيها. والسجالات الدولية في شأن سوريا، والمشادات الكلامية المتواصلة منذ 5 سنوات بين روسيا وسوريا من جهة والدول الغربية من جهة أخرى، لم تتعرض ولو بكلمة واحدة لحزب الله ودوره في المعارك التي أخذت طابع التهجير والتغيير الديموغرافي. حتى أن الاتفاق الروسي الأميركي، الذي استثنى "المنظمات الارهابية" (داعش والنصرة وجند الاقصى) من اتفاق الهدنة الذي لم يدم طويلاً، لم يكن حزب الله ضمنه. كأن حزب الله لم يعد منظمة إرهابية في نظر واشنطن. وما يهم الأميركيين والروس بالدرجة الأولى، كما الإسرائيليين، برأي مطلعين، هو أمن إسرائيل. من هنا، ليس مهماً إذا حارب حزب الله في ريف حلب أو الغوطة، أو حتى إذا استعرض قوته في القصير.

يأتي العرض العسكري في القصير في مرحلة ذات بُعدٍ في تاريخ المنطقة. ووفق مراقبين، إن خطوة الحزب هذه تأتي مباشرة بعد الانتخابات الأميركية، لاستباق المفاوضات الأولى في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ليحجز مكاناً مبكرا في قالب الحلوى السورية. وفي رأي مطلعين، فإن خطوة الحزب لم تكن مفاجئة، خصوصاً أنه عمل منذ دخوله سوريا على مشروع الاستيطان القائم على التغيير الديموغرافي، الذي برّره الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في أحد خطاباته قائلاً: "إن حزب الله ليس غازياً، بل هو من أهل الأرض". ويتم تناقل معلومات مفادها أن عشرات الكيلومترات في القصير وريفها باتت مستوطنات ومعسكرات للحزب الذي هجّر أهالي القرى المختلفين عن لونه المذهبي، في بلدات الاذنية والخالدية والسكميات والسماقيات وأكوم والبجاجية، وعرب الفواعرة من السكمانية، وأبو حورى وعرب المقالدة من البرهانية، وعرب الطويلع من النهرية. وقد أنشأ معسكرات في القرى الحدودية الموالية له في الجنطلية ومطربا وزيتا والديابية وكوكران والفاضلية ووادي حنا. وبحسب المعطيات، فإن مجموعات من أهالي القرى المهجّرة، حاولت العودة إلى قراها، إلا أن عناصر الحزب على الحواجز الأمنية حالوا دون ذلك، قائلين لهم: "لو بيجي بشار ما بترجعوا"!

مطلعون على طبيعة التغيرات الديموغرافية التي عمل حزب الله عليها، يقولون لـ"المدن" إن القرى والأراضي التي يسيطر الحزب عليها، هي ليست "مشاعات للدولة"، إنما "أملاك خاصة تعود للسوريين". وهي تختلف عن طبيعة سيطرة الإيرانيين على مباني الدولة السورية وعقاراتها ومشاعات واسعة في دمشق، رهنها الأسد للإيرانيين مقابل الديون المستحقة عليه لطهران.

ثمة مغزى لتوقيت العرض العسكري لحزب الله في القصير في أعقاب ضبابية المشهد الحلبي شمالاً، ودير الزور والرقة شرقاً، وإلى أي طرف يمكن أن يؤول النفوذ فيهما في المرحلة المقبلة. من هذا المنطلق، يقول مُطّلعون على الجغرافيا السورية، إن حزب الله بعث رسالة من الغرب السوري إلى من يهمه الأمر من الحلفاء قبل الأعداء، مفادها أن مفهوم "سوريا المفيدة" بات أمراً واقعاً، لكن هذه المرة الإفادة للولي الفقيه، لا لنظام الأسد. آخرون يرون أن خطوة حزب الله أتت بمباركة روسية دولية، خصوصاً أنها لا تشكل خطراً على إسرائيل، وإلا لكانت تل أبيب حرقت القصير، في لحظات! 

 

المدن