لم يكن الديموقراطيون في أميركا ومعهم الجمهوريون المعارضون بشدة فوز مرشّح حزبهم للرئاسة دونالد ترامب والمستقلون فضلاً عن "اللاتينوس" والسود وأنصار حقوق المرأة، لم يكونوا خائفين على مرشّحتهم الرئاسية هيلاري كلينتون. ربما ساورهم بعض القلق في الاسبوعين الأخيرين اللذين سبقا الانتخابات بعدما أصدر رئيس الـ"إف. بي. آي" بياناً يشير الى حصول جهازه على عدد كبير من "الايميلات" يجري تدقيقها، وقد تكون على علاقة بالتصرّف الخاطئ الذي قامت به كلينتون يوم استعملت جهازها الشخصي (الهاتف الخليوي) يوم كانت وزيرة للخارجية ثم يوم محت عدداً كبيراً من مراسلاتها الالكترونية. لكن القلق لم يتعلّق برئاستها المضمونة في رأيهم بل كان على عدم القدرة على استرجاع مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري.
وقد عبّر عن ذلك متابع قديم في واشنطن لأميركا الداخل والخارج عندما أبلغني "ايميلياً" في 5 الجاري، أن ما يقلقه فعلياً هو إفصاح الادارة في بلاده بالتفصيل عبر تلفزيون ال "إن. بي. سي" ما هي مستعدة للقيام به إذا لم توقف روسيا قرصنتها البريد الالكتروني للمجلس الوطني للحزب الديموقراطي. وهو أيضاً أن ساعة الصفر للرد على التدخل قد تُحدّد بين السابع والثامن من الشهر الجاري. ذلك أن الرئيس باراك أوباما مارس ضبطاً مهماً للنفس لأسباب عدة منها حرصه على تلافي تكوّن انطباع داخلي يفيد أنه يهرع الى مساعدة مرشحة حزبه كلينتون. لكن بثبوت المسؤولية الجرمية إذا جاز التعبير على الروس، فإنه صار مستعداً للتصرّف، فاتحاً بذلك مرحلة جديّة وخطيرة من التدهور في العلاقة مع موسكو من شأنها وضع العالم كله على شفير أزمة كبيرة وخطيرة.
وعندما أعلن رئيس الـ"إف. بي. آي" قبل يومين من موعد الانتخابات أن مضمون "الايميلات" الجديدة لا يلغي قراره السابق بعدم ملاحقة كلينتون قضائياً، أعاد الأمل الى مؤيديها المتنوّعين ليس بالفوز المؤكّد بالرئاسة بل باستعادة مجلسي الكونغرس.
ولعل أفضل دليل على ضمان رئاسة كلينتون، الكلام في الأوساط القيادية المؤيّدة لها عن ما يجب أن تقوم به داخلياً وخارجياً، تلقيته بالبريد الالكتروني من المتابع نفسه. فالخطوة الأولى المهمة التي يجب أن تقوم بها في الداخل، التواصل الناجح مع الفريق الآخر المعارض لها لإصلاح الضرر الكبير بل الانقسام الشعبي الكبير الذي أحدثته الحملة الانتخابية. وهذه المهمة ستكون صعبة نظراً الى الخلافات التي تعصف بالحزب الجمهوري من جهة، والى تعهد عدد مهم من النواب الجمهوريين عدم التعاون معها "رئيسة" وبذل كل ما في وسعهم لقطع الطريق على مشروعاتها. واذا فشلت في هذه الخطوة فإن أميركا ستكون في مشكلة بل ورطة كبيرة. والخطوة الداخلية الثانية يجب أن تكون إقرار قانون يخصّص أموالاً طائلة لإعادة بناء البنية التحتية لأميركا بأكملها. ومن شأن ذلك خلق فرص عمل كثيرة جداً والمساعدة في الشفاء من جروح الانقسام.
أما على الصعيد الدولي على كلينتون (أو كان عليها) أن تعلن رؤية لأميركا الدولة الأعظم الموثوقة من حلفائها والمخيفة لأعدائها. دولة عظمى تحترم كلامها ووعودها وتقف الى جانب حلفائها. والأميركيون على تنوّعهم أيّدوا رفض أوباما الانخراط عسكرياً في الشرق الأوسط، لكن سياسته وأعماله حيال الحلفاء السوريين لبلاده كانت غير فاعلة وغير مؤثرة، وأفقدت أميركا ثقة شعوب عدة فيه في مقدّمها المملكة العربية السعودية. ويُرجّح أن "تجلِّس" كلينتون الوضع في سوريا بدعم حلفاء أميركا فيها جدياً وبمتابعة دعم الحلفاء الأكراد وحملة تحرير الرقة من "داعش"، وصقور الجمهوريين قد يؤيدون ذلك. وعلى الصعيد الدولي أيضاً عليها أن تحاول الاستمرار في عزل رئيس روسيا فلاديمير بوتين لدفعه الى التراجع ثم الى عودة بلاده جزءاً مهماً في النظام العالمي. وعليها أن تقترب أكثر من الصين لتحقيق هذا الهدف ولا سيما في ظل صعوباتها التي قد تشجعها على التجاوب، وفي ظل حاجتها الى الاستثمارات الأميركية والأوروبية، وأخيراً في ظل قرارها إصلاح النظام الدولي وليس تدميره كما يفعل بوتين. في اختصار كان على كلينتون أن تعرف أن انتخابها رئيسة سيكون سببه جزئياً كره الناخبين لترامب وليس كثرة محبتهم لها.
ما هي أسباب الارتياح الخاطئ للديموقراطيين والفوز المفاجئ لترامب الجمهوري رغم وقوف مؤسسة حزبه ضده؟ وما هو مستقبل الرئيس الجديد حامل الرقم 45 للولايات المتحدة؟ وهل لديه برنامج؟ وماذا كان رد فعل أنصار كلينتون بعد خسارتها؟