بالنسبة إلى النائب سامي الجميّل، ما جرى واضح جداً: السيّد حسن نصرالله حدَّد قبل عامين ونصف العام مَن سيكون رئيس الجمهورية. وقد قوبلَ طرحُه بالرفض والمواجهة. ولكن، أخيراً، تمّت الموافقة عليه والسير به. إذاً، السيّد نصرالله لم يفعل شيئاً خلاف ما أعلنه، وهو حقّق انتصاراً في هذا الخيار. ولكن، يَجدر السؤال: كيف تحقّق له هذا الانتصار؟واضحٌ أنّ رئيس حزب الكتائب «لم يَبلع» الصفقة التي تمّت، و«لن يبلعَها»، لكنّه قرَّر التعاطي إيجاباً مع العهد والحكومة. ويسأله البعض: ما رأيك بالكلام الذي يقوله اللبنانيون المحيطون بحملة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، ومفاده أنّ إيران استعجَلت إيصال المرشّح المحسوب عليها إلى الرئاسة في لبنان، استباقاً لاحتمال وصول ترامب المعروف بمعارضته الاتّفاق النووي مع طهران وما يمكن أن يتأتّى عنه؟ فيقول الجميّل: أنا أيضاً لا أستبعد أن تكون إيران قد استعجَلت لهذه الغاية!

ويتوجَّه الجميّل إلى الذين يعنيهم الأمر: لقد صَمدتم وقدّمتم التضحيات، فلماذا «رَفعتم العشرة» أخيراً؟ ويضيف: هذا السؤال واجهتُ به الرئيس سعد الحريري، فأجابني: «البلد لم يعُد يتحمّل»! وأنا أحترم وجهة نظره، لكنّني لستُ موافقاً عليها. لم يكن مفترَضاً أن نخضع للابتزاز.

نحن ضد هذه التسوية تماماً. وبالمناسبة، الذين انخرطوا فيها ألا يسألون أنفسَهم: إذا كانوا يريدون أن يفعلوها... فلماذا لم يفعلوها قبل 10 سنوات مثلاً؟ ألم يكونوا قد وفّروا استشهاد بيار وأنطوان وجبران والآخرين... ووفّروا 7 أيار؟ وربّما، لو فعلوها قبل 30 سنة لَما ذهبَ عون إلى الخيارات التي ذهبَ إليها، ولربّما وفّروا الطائف وحربَ الإلغاء وتوسُّعَ الاحتلال السوري!

لكنّ رئيس الكتائب يستدرك موضحاً، منعاً لسوء الفهم: طبعاً، نقول هذا الكلام مع إصرارنا المؤكّد على رفضنا للصفقة. نحن فقط نريد تذكيرَ الذين عَقدوها بأن يفكروا ويتأمّلوا في ما فعلوه بعد كلّ هذه التضحيات!

يقول الجميّل: لقد دخلوا في تسوية منطلقُها مصلحيّ. قلنا لهم: أنتم تناقضون أنفسَكم، فأجابوا: نحن لا نفهم عليك. ويبدو أنّنا لو دخلنا في بازار البيع والشراء لكانوا فهموا علينا. فهل في لبنان طبقة لم تعُد تفهم المبادئ والثوابت؟

ولكن، في المقابل، يَحرص الجميّل على المقاربة الإيجابية مع العهد: لم نرَ حتى اليوم نيّة سيئة من جانب العماد عون منذ انتخابه. والخطاب الذي ألقاه أخيراً في بعبدا جاء مضمونه إيجابياً لجهة محاربة الفساد. ونحن سنلتقيه قريباً لنتعرّف إلى تطلعاته في المجال الإصلاحي والتي لا بدّ أن يكون ميدانها الحكومة.

فمواجهة الفساد هي جزء أساسيّ من مشروعنا السياسي، في موازاة اللامركزية الإدارية وبنود أخرى. وربّما تكون لدى عون صعوبة في مواجهة ملفات معيّنة، ولكنّه في موضوع الفساد يمكن أن يفاجئنا إيجاباً. وكذلك سنلتقي الرئيسَين الحريري وبري للتشاور وللدعوة إلى المشاركة في إحياء ذكرى استشهاد بيار الجميّل.

ستكون الحكومة هي الامتحان الأوّل، يضيف الجميّل. فالرئيس عون يطرَح تشكيلَ حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، في مرحلة الحفاظ على المؤسسات. وهو يُظهِر رغبةً في جمعِ البلد بطريقة جديدة مع انطلاق العهد والتمهيد للانتخابات النيابية. ونحن ليس لدينا مانعٌ معنوي أو مبدئي لدخول الحكومة.

ويقول: حتى اليوم، الجوّ إيجابي. ولم نستشفّ وجود جوٍّ إقصائي من جانب الذين في يدهم قرار عملية التأليف، ولكن، إذا اصطدمنا بشيء من هذا النوع، أو اكتشفنا أنّ مشاركتنا لن تكون منسجمة مع مفهومنا، فسيكون لكلّ حادث حديث. وهناك محاولة من طرَف واحد لتطويق الكتائب. ونحن نسأل هذا الطرَف: كيف أصبح مقبولاً أن يتشارك و«حزب الله» في الحكومة، فيما يريد إقصاءَ الكتائب؟

ويضيف: «القوات اللبنانية» تعلن رفضَها قيام حكومة تضمّ الموالاة والمعارضة في آنٍ معاً، وتفضِّل أن تأخذ المعارضة موقعَها خارج الحكومة. وهذا الكلام، يقول الجميّل، لا ينطبق على وضعنا الحالي في لبنان، وقد يكون مناسباً لو كنّا في نظام رئاسي لا برلماني.

بالنسبة إليه، ليس الذين لم يقترعوا لرئيس الجمهورية هم المعارضة التي يفترض أن تبقى خارج الحكومة، بل الذين لم يسمّوا الرئيس سعد الحريري. فبعد الطائف، لم يعد معيار المعارضة والموالاة هو الموقف من رئيس الجمهورية، بل الموقف من الحكومة ورئيسها. ومَن صوّتَ ضد الحريري هو «حزب الله» ولسنا نحن.

يضيف الجميّل: قد يتمّ مثلاً تبديل أربع حكومات في خلال السنوات الستّ من هذا العهد. وفي هذه الحال، سيكون معيار المعارضة والموالاة هو الموقف من الحكومة ورئيسها لا من رئيس الجمهورية. وللتذكير، نحن سمَّينا الحريري الذي يجمعنا به الكثير. وقد قرَّر، هو ورئيس الجمهورية، أن تتشكّل حكومة وحدة وطنية، ونحن سنشارك فيها. ولكن، سننتظر ونترقّب المسار في أيّ حال.

ويتجنّب الجميّل الحديث عن الأحجام والحقائب التي تريدها الكتائب، وعندما يُسأل: هل ستطالبون بوزارة خدماتية؟ يجيب: مَن يشترط الحصول على وزارة خدماتية يجب إدخاله فوراً إلى السجن، لأنّ ذلك يشكّل مضبطة اتّهام له بأنّه يريد استخدام السلطة أداةً للاستزلام! ويضيف: في الانتخابات البلدية حقّقنا انتصاراً كبيراً، وطبعاً سنخوض الانتخابات النيابية بالزخم المناسب.

وينطوي كلام الجميّل على هدوء واضح تجاه العهد، على رغم الإصرار على رفضِ الصفقة، ويقول: «الجنرال» عون يمتلك شخصية قوية، وهو رَجل المفاجآت، ونتمنّى أن يفاجئنا إيجاباً لا سلباً. وما دمنا نرى إيجابيات فسنكون إيجابيين، وسنحاسب على الأفعال لا النيّات.

لقد خضنا معه بين 1990 و2005 نضالاً في وجه الاحتلال السوري. والأهم أنّ يفاجئنا بالمواقف السيادية، وأن يكون له ردّ فعلٍ في وجه كلّ ما يمسّ السيادة والاستقلال. فإذا تحقّقَ ذلك، سنكون إلى جانبه. فالناس متعَبون ويريدون أن يلتقطوا الفرصة بعد الانتخابات الرئاسية. وفعلاً، إذا كنّا نحبّ البلد فعلينا أن نعطي فرصة.

ولكن، في أيّ حال، لن نطلب رضى أحد إلّا رضى شهدائنا. وليس لنا خصمٌ في المطلق أو حليف في المطلق. عندنا المبادئُ والثوابت هي الأساس. وإذا سَكتنا عن الخطأ فلن نكون صادقين أمام الناس الذين نمثّلهم. ونحن لم نكن يوماً «في جَيْبة حدا». والجميع يعرف مواقفنا في «14 آذار»، إذ كنّا نقول رأيَنا واضحاً في مسألتي السلاح والتورّط في سوريا، وطالبنا بالحياد، ولم نسأل عمّن سيكون معنا أو ضدّنا.

في النهاية، يقول الجميّل، هناك فدرالية طوائف تتكرَّس أكثر فأكثر. والبلد عبارة عن عشائر تمارس عملية شدّ حبال مستمرّة منذ 70 عاماً، وكلّ منها يستقوي على الآخر بدولة إقليمية. والمسيحيون المتروكون اصطفّوا ثنائياً وضاعوا في هذه الثنائية، فيما المطلوب هو حياد لبنان والتزام المسيحيين دوراً جامعاً وحياداً عن الصراع السنّي- الشيعي. وما جرى في التسوية الأخيرة يناقض هذا الاتجاه.