في معركة تحرير الموصل فإنّ لكل دولة مشاركة فيها حساباتها الخاصة التي تتناقض مع مصالح الأطراف الأخرى. العنوان المعلن هو محاربة داعش، إلا أن لكل دولة أجندتها الخاصة التي تحفظ مصالحها الاستراتيجية. 
ويبدو واضحًا أنّ تحرير الموصل لن تكون المعركة الأخيرة على داعش. فهناك رغبة واضحة لدى مختلف الأطراف العراقية وغير العراقية في أن تمتد هذه المعركة إلى سوريا تحت ذريعة مطاردة الإرهابيين الدواعش الفارين من المدينة باتجاه مدينة الرقة وغيرها من المدن السورية الحدودية التي تشكّل ملجأ لهم. إلا أنّ الأهداف الحقيقية هي غير ذلك تماما. 
فكلٍّ من إيران وتركيا تخططان لكسر الحدود التقليدية بين العراق وسوريا تمهيدًا لامتداد المعركة إلى سوريا. ذلك أنّ طهران تسعى إلى فتح طريقها عبر العراق وسوريا لتصل إلى لبنان لتحقيق ما يطلق عليه بالهلال الشيعي. فيما أنقرة تمضي سعيا للحصول على منطقة عازلة ممتدة من الموصل شرقًا لتصل إلى مشارف الساحل السوري غربًا بغية منع أكراد سوريا والعراق من إقامة كيان كردي مستقل قد يشكل حافزًا لأكراد تركيا للمطالبة بالانفصال. 
وفي مؤتمر صحفي في بغداد قال المتحدث باسم ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية أحمد الأسدي، "أننا في العراق وبعد تطهير كامل للأراضي من إرهاب داعش فإننا على استعداد تام للذهاب إلى أي مكان يشكل تهديد للأمن القومي العراقي"، وفي ذلك إشارة صريحة للانتقال إلى سوريا للمشاركة في الحروب إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد وبشكل علني، بعد أن كانت هذه المشاركة غير علنية من خلال انخراط مجموعات شيعية عراقية في الحرب إلى جانب الأسد، ما يعني التزام ميليشيات الحشد الشعبي للعمل بموجب الأجندة الإيرانية الهادفة إلى ضم العراق وسوريا ولبنان تحت سيطرتها. 
من جهته مستشار الأمن الوطني في الحكومة العراقية ورئيس هيئة الحشد الشعبي "فالح الفياض" كشف عن إمكانية دخول القوات العراقية الأراضي السورية بعد تحرير الموصل عازيا السبب في ذلك إلى ملاحقة عناصر داعش الهاربة. وأضاف أن العراق تشترك مع سوريا بحدود ومناطق مشتركة واسعة وأن الأراضي العراقية متداخلة بالأراضي السورية. وقد نضطر إلى دخول مناطق سورية لردع عناصر داعش. 
وقال مراقبون عراقيون أن الأجندات الإقليمية خرجت إلى العلن بعد أن كانت تتخفى وراء مهمة طرد تنظيم داعش واستعادة المدن العراقية التي وقعت تحت سيطرته، لافتين إلى أن إيران وتركيا صارتا تعلنان بوضوح النية في خلق مواطن نفوذ لهما في العراق وسوريا. 
واللافت في المشهد العراقي هو إعلان الحشد الشعبي الشيعي عن تحوله إلى ميليشيا عابرة للحدود بعد أن كان يوهم الشعب العراقي بأن مقاتليه قوة داعمة للجيش النظامي العراقي في مهمة محاربة داعش وطرده والقضاء عليه. 
ويلفت مراقب سياسي عراقي في تصريح له إلى أن إيران تسعى إلى ربط وجودها العسكري في سوريا بوجودها في العراق وتفوض لميليشيات الحشد الشعبي وحزب الله اللبناني هذا الربط. 
وما يثير مخاوف العراقيين على مستقبل بلدهم هو أن يستمر الحشد الشعبي بعد تحرير العراق من داعش بانتهاجه طريق أكثر استقلالية ويتحول إلى دولة داخل الدولة الشرعية. وله إمكانيات وقدرات تفوق إمكانيات وقدرات القوات الحكومية النظامية. وأن يسلك النهج الذي سلكه حزب الله في لبنان الذي تحول بفعل منظومته العسكرية إلى دولة داخل الدولة اللبنانية بإيجاد الذرائع والحجج للاحتفاظ بسلاحه، وآخرها الحرب الاستباقية في سوريا ضد الإرهاب. ذلك أن الحشد الشعبي يستخدم ذات الذرائع للاحتفاظ بمنظومة عسكرية بعبور الحدود والانتقال إلى سوريا أيضا بحجة ملاحقة الإرهابيين والحؤول دون ارتداد خطرهم على العراق.