تفاهمات نصف الطريق  لتأليف الحكومة

 

السفير :

مع بدء المفاوضات والمساومات في الكواليس لتأليف حكومة العهد الاولى، يبدو أن الرئيس المكلف سعد الحريري سيحتاج الى شيء من «حزم» العماد ميشال عون و «حنكة» الرئيس نبيه بري، و «صبر» الرئيس تمام سلام، حتى يتمكن من إنجاز تركيبة حكومية «مطابقة للمواصفات»، في مدى زمني مقبول.
والأرجح أن «مقاصة المفاوضات» ستلتهم خلال الأيام المقبلة الكثير من الأسماء الافتراضية والطموحات المبالغ فيها، قبل أن تستقر على تشكيلة نهائية. وإذا أراد الرئيس المكلف ربح السباق مع الوقت والإسراع، من دون التسرع، في تشكيل الحكومة، فهو سيكون مطالبا في لحظة ما بأن يحسم أمره، وأن يضع بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب تشكيلة متوازنة ومنصفة، انطلاقا من الأوزان النيابية للقوى السياسية، من غير أن يربط التأليف بالحصول على موافقة إلزامية ومسبقة من جميع الأطراف أو معظمها.
ومن الواضح أن بعض القوى الداخلية التي تعتبر أنها كانت صاحبة فضل في انتخاب عون، تفترض أن الوقت حان لتباشر في تحصيل ما يستحق لها من ديون سياسية على العهد الجديد، على أن تكون الدفعة الاولى وزارية.. عداً ونقداً.
وقالت مصادر مطلعة لـ «السفير» إن العقدة الأساسية التي سيصطدم بها مسعى الحريري للإسراع في تشكيل الحكومة هي العقدة المسيحية أساسا، خصوصا في جانبها القواتي، مشيرة الى أن سمير جعجع يصر على نيل حصة وزارية وازنة حتى يثبت أنه شريك العهد الجديد وأحد عرّابيه، وليرد على القائلين بأن وصول عون الى بعبدا كان بمثابة هزيمة سياسية لـ«القوات اللبنانية».
ولفتت المصادر الانتباه الى أن أي تمثيل متواضع لجعجع في الحكومة سيحرجه وسيهز كل النظرية السياسية التي بنى عليها قراره بدعم ترشيح الجنرال، لكن المشكلة أن حجم كتلته النيابية لا يسمح بإعطائه أكثر مما يتناسب مع هذا الحجم، سواء من حيث العدد أو نوعية الحقائب.
واستقبل الحريري مساء امس في «بيت الوسط» جعجع، بحضور رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي والنائب السابق الدكتور غطاس خوري ونادر الحريري. وتناول اللقاء، الذي استكمل إلى مائدة عشاء، آخر المستجدات السياسية والمساعي الجارية لتأليف الحكومة الجديدة.
كما أن التواصل بقي مستمرا بين الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري خلال الساعات الماضية، في إطار التشاور حول التأليف الحكومي.
وفي سياق متصل، أبلغت أوساط قيادية في «8 آذار» «السفير» أن وزارة المال محسومة لبري، وليست قابلة للنقاش، لافتة الانتباه الى أن مبدأ المداورة يُفترض ألا ينسحب على هذه الوزارة التي تُصنف بالنسبة الى الثنائي الشيعي، من حيث أهميتها التشاركية، في خانة الرئاسات والمواقع الثابتة في الدولة.
واعتبرت الأوساط أن مقتضيات التوازن الداخلي تفرض أن يكون هناك توقيع شيعي إلزامي، من خلال حقيبة المال، الى جانب توقيعي رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني.
بري.. والحكومة
الى ذلك، أكد الرئيس نبيه بري لـ «السفير» أن صفحة ما قبل الانتخاب، بكل التباساتها مع الجنرال ميشال عون، طُويت نهائيا وصارت جزءا من الأرشيف السياسي، لافتا الانتباه الى أن لقاءاته مع رئيس الجمهورية هي ودية وإيجابية حتى الآن، «وقد لمست لدى الرئيس عون رغبة صادقة في التعاون، وأنا أبادله إياها».
واعتبر بري أن تفويض السيد حسن نصرالله له بالتفاوض حول المشاركة في الحكومة بالنيابة عن «حزب الله» و «حركة أمل» إنما يعكس خصوصية العلاقة التحالفية والاستراتيجية التي تربطه بـ «السيد»، لافتا الانتباه الى أن موقف نصرالله سيعزز كثيرا موقعه التفاوضي، «وسيسمح لنا بأن نحصل على ما نريد انسجاما مع حجمنا وحقوقنا، وبالتالي ما كان مقدّرا من قبل سيصبح محتّما بعد الآن».
وأوضح بري أنه لم يكن بصدد تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، قائلا: لقد انتظرت موقف كتلة «الوفاء للمقاومة» خلال استشارات التكليف، فلو سمّت الحريري لكنت امتنعت أنا عن ذلك، أما وان الكتلة قررت عدم تسميته، فقد ارتأيت أن أسميه حتى لا يبدو وكأن هناك فيتو شيعياً على الحريري، لان من شأن هذه الصورة أن تعيد تأجيج الاحتقان المذهبي الذي تراجع مؤخرا، وهذا ما لا مصلحة فيه، خصوصا أنني أتولى رعاية حوار بين «الحزب» و «المستقبل»، يهدف أساسا الى تخفيف الاحتقان المذهبي.
وأشار بري الى أنه إذا طلب رئيس الجمهورية أن يكون هناك وزير شيعي ضمن حصته، فمن الطبيعي والبديهي أن نطلب في المقابل وزيرا مسيحيا ضمن حصة «حزب الله» و «أمل»، ملاحظا أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «يحرّض بعض الأطراف، ونحن منها، على الانتقال الى المعارضة حتى يخلو له الجو في الحكومة الجديدة، لكن فاته أن المصلحة الوطنية تتطلب في هذا التوقيت تشكيل حكومة وحدة، لكن على أسس سليمة ومنصفة».
ولفت الانتباه الى أن الثلث الضامن بالصيغة السابقة لم يعد واردا لان التحالفات تبدلت، وانتفت الفواصل الواضحة بين ما كان يسمى 8 و14 آذار، «إلا ان ذلك لا ينفي انه من الممكن حياكة تفاهمات سياسية، على طاولة مجلس الوزراء».
ونبه بري الى أن الإبقاء على قانون الستين سيؤدي الى «نكسة» للعهد، أما التمديد لمجلس النواب فسيتسبب في «هلاكه»، ولا أعتقد أن الرئيس عون بوارد أي من هذين الاحتمالين، بل هو متحمس للنسبية وأنا ألتقي معه على هذا الخيار.
وعلمت «السفير» في هذا السياق، أن الحريري أبلغ رئيس المجلس أنه حريص على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وأنه ما من مبرر لإرجائها، خصوصا بعد إنجاز الانتخابات البلدية.
«حزب الله» والحريري

ويبدو أن اللقاء بين الحريري وكتلة «الوفاء للمقاومة»، في إطار الاستشارات النيابية، انطوى على شقين: الأول معلن وقد عكسه كلام رئيس الكتلة محمد رعد بعد الاجتماع، وشق آخر لم يفصح عنه الحزب، ويتعلق بنقاش متقدم جرى مع الحريري حول كيفية مقاربة المرحلة المقبلة.
ولئن كان تدخل «حزب الله» في سوريا هو إحدى أبرز إشكاليات العلاقة بين الحزب والحريري، إلا أنه يبدو أن الطرفين توافقا خلال الاجتماع على فصل الخلاف حول هذا الملف عن المسائل الداخلية.
وكان الرئيس المكلف واضحا في حماسته لخيار الفصل، بقوله: نحن نختلف على القضايا الخارجية، ولكن ذلك يجب ألا يمنعنا من معالجة أمورنا في الداخل وتهدئة الخطاب.
رسائل عون

وفي أولى إطلالاته على جمهور «التيار الوطني الحر» من قصر بعبدا، بصفته الرئاسية، أكد عون غامزا من قناة شركائه في السلطة أن «أي رأس لن يستطيع أن يخرق الدستور من الآن وصاعدا»، مشددا على «أن الفساد سيُستأصل وستعود البيئة نظيفة مهما كلّف الامر». وحمّل الكيدية السياسية المسؤولية عن تعطيل بعض المشاريع في السابق، وقال: لقد وصلنا الى السلطة ولدينا خطط تنموية.

ظريف الى بيروت

وبينما ينهمك المعنيون في ورشة تشكيل الحكومة، علمت «السفير» أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سيصل إلى بيروت غدا ناقلا رسالة تهنئة من الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى عون.
وسيلتقي ظريف الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام.
وهذه الزيارة ستكون الاولى من نوعها لزائر أجنبي الى لبنان بعد انتخاب الجنرال، وبالتالي فهي تكتسب أهمية خاصة ودلالة سياسية معبرة، علما ان روحاني كان أيضا أول مهنئي عون.
وأبلغت مصادر ديبلوماسية «السفير» ان موفدين دوليين سيزورون لبنان قريبا، من بينهم موفد صيني رفيع المستوى.

 

النهار :

بعد خطاب القسم الاثنين الفائت، أطل رئيس الجمهورية ميشال عون أمس من "بيت الشعب"، كما تحلو له تسمية قصر بعبدا، مستعيداً مشهداً من العام 1989، متحدثاً الى الحشودِ المظللة بالعلم اللبناني ومطلقاً عبارته الشهيرة المستمدة من شاعر لبنان سعيد عقل "يا شعب لبنان العظيم"، فحدد عناوين للعهد الجديد منها وطن قوي واحترام الدستور ورفض تجاوزه، واستئصال الفساد، والعمل لتوفير الخدمات الحياتية الملحة للبنانيين من مياهِ وكهرباء وطرق وبيئة نظيفة والعمل سريعاً على رفع النفايات، والتعجيل في استثمار الموارد النفطية لتخفيف عبء الاستدانة عن لبنان.
بعد 27 سنة، أطل العماد عون في المكان نفسه، ولكن بلباس مختلف بعدما خلع بزته العسكرية، وفي ظل تبدل في التحالفات والمواقف والتطلعات والاهداف، واذ استذكر محطات مؤلمة من ذلك التاريخ، تجنب تسمية الجيش السوري في عملية اجتياح قصر بعبدا ووزارة الدفاع. وعلق مصدر وزاري على خطاب عون لـ"النهار" بأنه ربما بالغ في إطلاق الوعود لأن انجازها ليس أمراً سهلاً لمن خبر العمل الحكومي، فالرياح في لبنان تجري بما لا تشتهي سفن عدد من الوزراء والرئيس الذي غالباً ما يواجه بتعطيل القوى السياسية له.

 

الحكومة
في المقابل، يتركز الاهتمام على ملف التأليف الحكومي، وسط توقعات متفائلة تجعل مدة التأليف لا تتعدّى أسبوعاً أو أسبوعين وتسبق عيد الاستقلال الذي سيستعيد هذه السنة وهجه باحتفال مركزي وعرض عسكري يقامان في منطقة المرفأ ببيروت بعدما غابا طوال مدة الشغور الرئاسي. ومع استمرار الاتصالات لتذليل العقبات من طريق التأليف، علمت "النهار" أن الرئيس سعد الحريري سيسعى مع الرئيس نبيه بري الى جوجلة مطالب الفريق الذي يمثله الاخير والذي يضم الى حركة "أمل"، "حزب الله" وسائر أفرقاء 8 آذار من "المردة" والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث والحزب الديموقراطي اللبناني وغيرها. وأفادت معلومات ان الرئيس بري الذي رجحت مصادر ان يعقد والحريري اجتماعا ليلياً (أمس أو اليوم) يتطلع الى توسيع نطاق تمثيل المرجعيات الشيعية من آل الصدر وفضل الله وشمس الدين. وتردد في هذا الاطار اسما نائب حاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين والنائب ياسين جابر وكلاهما مقبول لدى كل الاطراف ولا يشكلان تحدياً لأي مكون حكومي.
وفي المعلومات أيضاً ان حصة الرئيس عون في الحكومة ستتضمن، استناداً الى الترجيحات، العميد شامل روكز في وزارة الدفاع والوزير الحالي الياس بوصعب في الخارجية والوزير جبران باسيل وزير دولة.
ويتطلع الرئيس الحريري الى تمثيل يأخذ في الاعتبار المناطق بحيث يبقى الوزير نهاد المشنوق (بيروت) في موقعه ليكون النائب السابق مصطفى علوش وزيراً من طرابلس والنائب جمال الجراح من البقاع الغربي الى وزير آخر من عكار.
ويبقى تمثيل حزب "القوات اللبنانية" الذي يتطلع الى حصة وازنة من معالمها الحصول على وزارات الاتصالات والتربية وربما الاعلام في حال تم رفض اعطائه حقيبة سيادية. وهذا الموضوع كان مدار بحث بين الرئيس الحريري والدكتور سمير جعجع الذي زار "بيت الوسط" ليل أمس.
ودرجت العادة على ان يتمثل النائب وليد جنبلاط بثلاثة وزراء، بينهم إثنان درزيان ومسيحي. ومن غير الواضح ما اذا كانت حصته ستتبدل، لكن المطروح اعطاء نجل جنبلاط تيمور حقيبة الثقافة مقدمة لدخوله الحياة السياسية، فيما ترجح مصادر اخرى تأجيل اطلاقه في الحياة العامة الى الانتخابات النيابية المقبلة.
ولفتت مصادر متابعة الى ان إقتراح القانون الارثوذكسي قد يعتمد في التوزيع الحكومي بحيث يختار المسيحيون وزراءهم ويختار المسلمون وزراءهم. لكن هذا التوجه قابل للاختراق بحيث يصار الى تبادل الطوائف الوزراء بما يكرر الصيغ التي إعتمدت سابقاً وآخرها صيغة حكومة الرئيس تمّام سلام.
في غضون ذلك، صرح رئيس مجلس النواب لـ"النهار" بان الاجواء المرافقة لولادة الحكومة وتأليفها "جيدة". ولم يدخل في الحديث الدائر عن مطالبته بالحقائب التي يريدها. مكتفياً بالقول: "اذا لم يرض حلفائي بالتشكيلة الحكومية فسأكون بالطبع غير راض".

 

ظريف
على صعيد آخر، يصل الى بيروت اليوم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، وسيلتقي الرئيس الحريري غداً ليكون أول مسؤول إيراني يلتقيه منذ بدء الأزمة السورية، كما سيزور الرئيس بري ويقابل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
اما زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت، فمتوقعة بعد نيل الحكومة الثقة، كما أفادت مصادر فرنسية.

 

المستقبل :

مع انتقال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى مرحلة جوجلة نتائج الاستشارات النيابية وما أعقبها من مطالب معلنة وغير معلنة، ناقشها مساء مع رئيس حزب «القوات» اللبنانية سمير جعجع، جدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من قصر بعبدا تمسّكه باحترام الدستور، مؤكداً ان «أي رأس لن يستطيع خرق الدستور من الآن وصاعداً»، ومتعهّداً بـ»استئصال الفساد وبعودة البيئة نظيفة مهما كلفّ الأمر».

هذا الموقف، وهو الثاني بعد خطاب القسم، أطلقه الرئيس عون في يوم «التهنئة الشعبية» الذي أقيم في القصر لمناسبة انتخابه رئيساً، في مشهدية أعادت «بيت الشعب» 26 عاماً إلى الوراء، مع احتشاد آلاف القادمين من المناطق في الباحة الخارجية، ينتظرون «الجنرال» ليرفع إشارة النصر ويلقي عليهم تحيته المعهودة «يا شعب لبنان العظيم». 

وإذ استذكر بعض محطّات السنتين اللتين أمضاهما في القصر بين 1988 و1990 (13 تشرين)، قال الرئيس عون: «اليوم سنبدأ مرحلة ثانية، مرحلة بناء الوطن.. إن وصولنا إلى رئاسة الجمهورية ليس الهدف بل الهدف أن نبدأ بناء وطن قوي عبر تعزيز وحدته الوطنية». أضاف: «الوطن القوي يحتاج إلى دولة قوية تُبنى على دستور يحترمه السياسيون جميعاً. وما في رأس رح يخرق سقف الدستور من الآن وصاعداً».

وردّد رئيس الجمهورية قولاً للمفكّر ميشال شيحا الذي ساهم في وضع دستور لبنان جاء فيه: «مَن يحاول السيطرة على طائفة يحاول إلغاء لبنان»، مؤكداً أن لبنان «بُني على الوحدة الوطنية التي ستعطينا القوّة في الوطن والتزامنا تجاه أرضنا واستقلالنا».

دعوات للتسهيل

في الغضون راوحت المواقف المتعلقة بتشكيل الحكومة بين مطالبة بحقيبة «سيادية» أو «أساسية» أو «متوسطة»، كما تردّد على لسان نوّاب في اليومين الماضيين، وبين دعوات إلى تسهيل التأليف «والابتعاد عن المطالب التعجيزية»، كما غرّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط.

ومن جهته، رفع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الصلاة إلى الله «بشفاعة أُمّنا مريم العذراء سيدة لبنان وحاميته، كي يمكّن رئيس الحكومة المكلّف الشيخ سعد الحريري من تأليفها في أسرع وقت ممكن»، مؤكداً ان حالة البلاد الاقتصادية والمعيشية والمالية والإنمائية والأمنية «لا تتحمّل أي إبطاء أو تأجيل».

 

الديار :

سجل الرئيس العماد ميشال عون ظاهرة فريدة ونادرة في تاريخ الدول والنضال عندما عاد منتخباً رئيساً للجمهورية في لبنان بعد 27 سنة من تاريخ ازاحته بالقوة عبر خطة محلية عربية دولية ابعدته 15 سنة الى فرنسا ثم عاد واكتسح الانتخابات النيابية ليعاند ويصر على انه المرشح الأقوى وقد نالها وأصبح رئيس جمهورية لبنان لولاية لـ 6 سنوات.
وسجل الرئيس سعد الحريري عودة قوية الى الحكم بعد 11 سنة غياب ترأس خلالها حكومة لا تحسب ايامها عليه بل تم تعطيل حكمه اثناء رئاسته للحكومة وحصل احتفال في قصر بعبدا الذي كتب عليه «بيت الشعب» كما كان قبل 27 سنة واطل العماد عون بالبزة المدنية بدل البزة العسكرية كما كانت الجماهير معتادة عليه والقى خطاباً شمل الوفود التي جاءت من اقصى عكار الى اقصى الجنوب اللبناني الى الاقضية والمحافظات والمدن والقرى واهم ما قاله «الدستور سيطبق ولا رأس يعلو فوق الدستور».
ظاهرة العماد عون سيكتبها التاريخ لأنها نادرة والرجل حقق ما أراد ولم يذعن لمن ضغط عليه ولم يخضع لمن هدده ولم يستسلم لمن أراد قتله ولم يحد عن الطريق باستثناء قبوله بالطائف الذي كان قد رفضه قبل 27 سنة. لكن من يدري ماذا سيحصل بالطائف في عهد الرئيس العماد ميشال عون فهنالك 6 سنوات والطائف ليس منزلاً ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد الانتخابات النيابية اذا نال أكثرية كبيرة، فقد يقوم بتعديل بعض بنود اتفاق الطائف، لكن هذه المرة ضمن اتفاق وطني يحفظ الوحدة الوطنية ويعيد لرئيس الجمهورية جزءاً من صلاحياته التي افقدوه إياها.
اما الرئيس سعد الحريري فهو منكب على تأليف الحكومة بنشاط ويريد العمل بكل قوته والانطلاق بورشة اقتصادية إعمارية في لبنان.
الرسالة تُقرأ من العنوان اذا قدم الرئيس العماد ميشال عون وقدم الرئيس سعد الحريري حكومة شفافة نزيهة ليس فيها عناصر فساد فيكونا قد انتصرا واعطيا املاً كبيراً للشعب، اما اذا شكلا حكومة تقليدية من الشركات السياسة والإقطاعية وغيرها فان التشاؤم سيصيب الشعب اللبناني وسيقول اللبنانيون ان الإصلاح مستحيل في لبنان وان جرافة الفساد تجرف كل من يحاول الوقوف في وجهها واننا سنمضي 6 سنوات في عهد العماد ميشال عون مثل العهود السابقة، ونتذكر عندها خطاب العماد اميل لحود عندما قال: دولة القانون، فرأينا اية دولة قانون في عهده وكم خاب امل اللبنانيين في عهد العماد اميل لحود.
المسؤوليات كبيرة جداً على فخامة الرئيس العماد ميشال عون وهو بخبرته التاريخية وشجاعته ومعرفته بلبنان وتفاصيله وتجاربه الكثيرة والتي اخذ منها العبرة إضافة الى مطالعاته وبعده 15 سنة عن بلاده بعداً قسرياً ظالماً يجعله ملزماً بتحقيق اصلاح حقيقي وضرب الفساد واجراء الإصلاح والا فخيبة الامل كبيرة جداً.
المشهد في بيت الشعب امس خرق كل البروتوكولات الرئاسية، «بيّ الكلّ» خرج لملاقاة ابنائه الذين جدّدوا البيعة لقائد ما خذلهم مرّة.
نساء ورجال وشيوخ واطفال ومقعدون اختلطت دموعهم فرحا وحزنا، زحفوا من الصباح الباكر من كل المناطق اللبنانية حاملين العلم اللبناني على وقع الاناشيد الوطنية، وقد ضاقت الطرقات بالحشود المتجهة الى قصر بعبدا وسط اجراءات امنية مشددة.
الجمهور يشبه نفسه، جميعهم حضروا. اطفال ينظرون من حولهم مندهشين، شباب صاروا اكبر سناً ومناضلات اصبحن امهات، وامهات شهداء وشقيقات يبكين ألماً وفرحاً يرددن ان «شهداء 13 تشرين وغيرهم من شهداء لبنان، لن يضيع حقهم». ومُقعد يغصّ وعيناه مغرورقتان بالدمع اعتزازا، وشاب يتكئ على عكاز يعطي الامل لمستقبل زاهر.
«يا شعب لبنان العظيم» جملة ألهبت الجماهير وعاد بهم الحنين والعاطفة عشرات السنين الى الوراء يوم افترشوا ساحات وشوارع القصر ليكونوا دروعا بشرية لحماية عمادهم.
المشهد تكرّر امس، واذا كان ما حصل في 13 تشرين الاول 1990 كان مؤلما بسقوط شهداء فإن تجديد العهد لم يمرّ دون ذكرهم.

 

الجمهورية :

الإستشارات التمهيدية للتكليف والتأليف أصبحت خلف المشهد السياسي، وبدأت رحلة التأليف التي يأمل الرئيس المكلف سعد الحريري ان تكون ميسّرة، وليست شاقّة ومزروعة بالتعقيدات والمطالب التعجيزية. باتت الكرة في ملعب القوى السياسية التي عليها أن تنسجم مع الايجابيات التي تسود البلاد وتخفّف من حجم ووطأة مطالبها، خصوصاً انّ هناك «علامة سوداء» ظهرت على خط بعض القوى وتجلّت في ما يشبه «النهم» على الحقائب والوزارات والمطالبة بحصص لاواقعية.

ثمّة ملاحظات سجّلت على الوقائع التي تلاحقت في الساعات الاربع والعشرين الاخيرة:

اولاً، ظهور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في باحة القصر الجمهوري مخاطباً جمهوره ومن خلاله اللبنانيين والعالم بأنّ لبنان مقبل على عهد «نظيف» أساسه التعاون بين مختلف القوى للخروج من الحقبة السوداء التي عاشها وعاث فيها المفسدون فساداً على شتى المستويات.

ثانياً، الحميمية التي تسود على خط الرئاسات الثلاث أشبه ما تكون بـ»شهر عسل»، خلافاً لكل جفاء سابق، مع استعداد صريح وعلني من الرؤساء الثلاثة للاندفاع معاً نحو ورشة إعمار البلد سياسياً وامنياً وتوافقياً.

ثالثاً، إعادة ربط العلاقة بين الخصمين اللدودين، اي الرئيس المكلف و»حزب الله» بحبال الود والوئام، وتجلّى ذلك صريحاً في اللقاء الذي جمع الحريري مع وفد كتلة «الوفاء للمقاومة» امس الاول، وفيه ظهرت المشاهد التالية:

ـ إيجابية ظاهرة حكمت اللقاء حيث دخل اليه الطرفان بروحية مسبقة عنوانها طي الصفحة الماضية والقراءة في صفحة جديدة.

ـ مبادرة الحريري الى إبداء المجاملات لنواب الحزب والسؤال عن الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله عبر قوله: «كيفو السيّد؟ شو أخبارو؟ كيف صحتو؟ ان شاء الله منيح»، وختمها بالقول: «سَلمولي على سماحتو».

ـ ليونة واضحة أبداها وفد الحزب مع التأكيد المشترك مع الحريري على ضرورة الانتقال من الخطاب السياسي المتشنّج والمتوتر الى الخطاب الذي يجمع ولا يفرّق، وعلى تشكيل حكومة في أسرع وقت، تأخذ على عاتقها التصدّي للملفات الكثيرة والمعقدة.

وبين هذه الملاحظات، طَوى الحريري صفحة استشاراته النيابية غير الملزمة، وجَمّع خلاصاتها وشرع يُعدّ العدّة لبدء مرحلة الجوجلة. وكان لافتاً للانتباه لقاؤه مساء امس برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي حضر الى بيت الوسط في زيارة تمّ ربطها بالمطالب التي قدمتها القوات خلال جولة الاستشارات.

وقالت مصادر مواكبة لـ«الجمهورية» انّ مهمة الرئيس المكلف دقيقة جداً في هذه الجوجلة، نظراً الى حجم المطالب التي تلقّاها، وخصوصاً من بعض من يُعتبرون في صف الحلفاء، الذين طرحوا مطالب بحصص وحقائب بأحجام تفوق أحجامهم السياسية والنيابية، بما يُلقي على الحريري مسؤولية حساسة في كيفية ابتداع المخارج لتجاوز هذا «النهم» الوزاري واحتوائه.

وكما انّ هذا «النهم» ليس مريحاً للحريري، فإنه ليس مريحاً ايضا للرئاستين الاولى والثانية. فرئيس الجمهورية، وكما يؤكد المطلعون على موقفه، يرى ضرورة الّا توضع العراقيل من اي جانب، وبالتالي التوزير بحجم كل طرف وليس بأحجام وهمية، مع إعطاء الافضلية دائماً لأصحاب الكفاءة، علماً انّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أطلق تغريدة معبّرة في هذا الاتجاه دعا فيها الى التخَلّي عمّا سمّاه المطالب التعجيزية التي قارَبها رئيس مجلس النواب نبيه بري على طريقته باعتباره انّ هذه المطالب التعجيزية لن تكون عاملاً مسهّلاً بل هي عامل معقّد ومؤخّر ومضيّع لمزيد من الوقت.

عون

وكان عون اكد انّ «ايّ رأس لن يستطيع ان يخرق الدستور من الآن فصاعداً، وانّ الفساد سيستأصَل، وستعود البيئة نظيفة مهما كلّف الامر». وقال خلال «يوم التهنئة الشعبية» الذي شهده القصر الجمهوري في بعبدا أمس لمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية: «إنّ وصولنا الى رئاسة الجمهورية ليس الهدف، بل الهدف بنيان وطن قوي يحتاج الى دولة قوية تبنى على دستور يحترمه السياسيون».

ولفت عون الى «اننا وصلنا الى السلطة ولدينا خطط تنموية، مع المحافظة على استقلالنا وسيادتنا وحريتنا، ولن نكون مرهونين لأيّ بلد آخر، فاستقلالنا وسيادتنا ليسا عداوة ولا يشكلان خصومة مع دول اخرى، لا بل صداقة صريحة وقدرة على احترامها، لأننا نكون قد تخلّصنا من التأثيرات الخارجية».

بري

وقال بري لـ«الجمهورية»: أنا لا أرى مبرراً يوجب بروز تعقيدات أمام تشكيل الحكومة واتمنى ان يُصار الى تأليفها في اقرب وقت ممكن مع استثمار هذه الاجواء الجيدة التي تسود. وطالما اننا ما زلنا هنا لا استطيع ان أجزم بما قد تؤول اليه الامور، فلن أفرط في التفاؤل ولا في التشاؤم بل اقول انّ الامور في خواتيمها.

واكد بري أهمية التشكيل السريع للذهاب الى المهمات الكبرى وأوّلها وضع الموازنة العامة للدولة، ولا اعتقد انّ هذا بالأمر الصعب، وثانيها التفرّغ على كل المستويات لتحقيق الهدف الاساس وهو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.

وعن شكل قانون الانتخاب قال: موقفي معروف، انا مع النسبية الشاملة، واستطيع ان اجزم اولاً انّ هناك اتفاقاً على مستوى الرؤساء الثلاثة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. امّا في ما خصّ القانون فأؤكد أنني والرئيس عون متفقان على مبدأ النسبية، سواء مع لبنان دائرة انتخابية واحدة او على مستوى المحافظات او على مستوى التأهيل من القضاء على الاساس الاكثري والانتخاب على أساس النسبية في المحافظة.

وعن موقف الحريري من النسبية قال بري: لم اسمع منه شيئاً حول هذا الموضوع، ولكي اكون دقيقاً لم أسمع منه انه ضد النسبية. (راجع صفحة 4).

وربطاً بالموضوع الانتخابي، قال مرجع سياسي لـ»الجمهورية» انّ إمكانية الوصول الى قانون انتخابي هي أقوى من اي وقت مضى، وذلك استناداً الى الالتزامات التي وضعها رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي وكذلك الرئيس الحريري.

وبالتالي، ان أمكن الوصول الى هذا الاتفاق بعد تشكيل الحكومة سريعاً، يتمّ الانتقال فوراً الى إجراء الانتخابات، وليس مستبعداً ان يُصار الى تقريب موعد الانتخابات بناء على القانون الجديد وعدم الانتظار حتى شهر ايار المقبل. الّا اذا فرض القانون الانتخابي الجديد عكس ذلك، والدخول في مرحلة «تعريفية» لدقائق القانون وتفاصيله ولآليات تنفيذه وتطبيقه.

الحريري

الى ذلك، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الحريري الذي يستقبل ظهر اليوم سفراء دول الخليج للتأكيد على دعمه في موقع رئاسة السلطة التنفيذية، قدّم لعون أمس الاول عرضاً لحصيلة الإستشارات النيابية، فَنّد المطالب التي استمع اليها من النواب التي قد تفضي الى الذهاب نحو حكومة ثلاثينية على رغم رغبته بحكومة لا تتجاوز 24 وزيراً.

وبحسب المصادر فإنّ الحريري أبلغ عون انه سيسعى سريعاً لوضع صيغة لحكومة ثلاثينية على ان يعرضها اليوم او غداً على أبعد تقدير قبل ان يشرع في المشاورات اللازمة مع الجميع من دون إستثناء، حول كيفية توزيع الحقائب وإنزال الأسماء عليها. ونُقل عن الحريري انه يرغب بحكومة موسعة لا تستثني أحداً سوى من يستثني نفسه.

وعلمت «الجمهورية» انّ عون كان مُستمعاً باهتمام الى ما تقدم به الحريري وتوقّف عند مطالب الكتل النيابية بالتفصيل وقدم عرضاً من وجهة نظره لافتاً الى أهمية ان تولد الحكومة مكتملة في أسرع وقت ممكن ولتكون الدولة حاضرة في عيد الإستقلال بكامل سلطاتها تلبية لرغبة الناس ولتبدأ العمل على مختلف الملفات المتراكمة بعد مرحلة من الإنكفاء لسنوات من دون تناول ايّ من الملفات الحيوية.

وأكد عون انّ البلد يحتاج الى هذه الحكومة لتنطلق ورشة العمل الشاملة، فالمواطنون ينتظرون الكثير. وانّ نجاح العهد متوقف على عدم إضاعة الوقت من دون جهد يُبذل ليثمر.

وتمنى عون ان تلتزم مختلف الأطراف بما وعدت به وعبّرت عنه من نية بالتعاون وتقديم التسهيلات التي ستؤدي الى حكومة فاعلة قادرة على مواجهة الإستحقاقات المقبلة على لبنان والمنطقة.

«التيار»

وعن المغزى السياسي لاستعادة مشهدية عام 1989 والرسائل التي شاء عون توجيهها الى الداخل والخارج من أمام الجمهور في القصر الجمهوري، قالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» انّ ما جرى أمس كان اقتراعاً بالاقدام والسواعد والحناجر والفرح لكي نقول انّ الشعب هو من أفرز هذه القيادة وهذا الرئيس.

صحيح انّ هناك توازنات داخلية ولعبة دولية لكنّ الأهم بالنسبة لنا هو الناس، وأهمية العماد عون انه انطلق من الشعب الذي أوصله وليس غيره. وهذا تأكيد على أن القرار هو دائماً للشعب وليس لوزارة او سفارة او لمعادلة اقليمية او دولية، فالشعب هو من يقرر. وهذا سيؤسّس لعرف بأنه لم يعد ممكناً بعد اليوم ان يصل مسؤول لا يمثّل ناسه او ان يُفرض ايّ شخص فرضاً.

كذلك انّ استعادة هذه المشهدية كان بهدف التأكيد للشعب انّ نضاله منذ 27 سنة حتى اليوم لم يذهب سدى، بل أنتم من قرّر وفَرض المعادلة والقرار لكم وقد تجسّد فينا.

وعن مآخذ البعض على عون بأنه ينوي توزير العائلة ما يُعدّ خطأ قاتلاً بالمعنى السياسي، أجابت المصادر: «لم يتمّ الحديث عن الحكومة بعد، ولم يُسمّ أحد بعد، فلماذا استِباق هذا الأمر، ولماذا «بَصلتهم محروقة» ورائحتها كريهة؟ هل تألفت الحكومة ووُزِّر أحد من العائلة؟ ثم لا يوجد عندنا أشخاص «شو ما كان»، فناسنا يشرّفون المواقع التي يكونون فيها. ومن يهاجم مسبقاً تَكن لديه خلفية سيئة في الأساس».

وأبدت المصادر تفاؤلها في تسريع التأليف مؤكدة انّ لدينا معياراً واحداً عادلاً في التأليف والتوزير وليس عندنا استنساب او كيدية ضد أحد، هناك أحجام ممثلة في مجلس النواب يجب ان تتمثل نسبياً في مجلس الوزراء، الأمر الذي لم يكن يحصل معنا عندما كانت تتشكّل الحكومات بل كانوا يحاولون فرض شروطهم علينا، امّا نحن فلا نفرض شروطاً بل نأخذ الحجم التمثيلي لكل طرف في الوزارة، نطالب بأن يتمثّل الجميع في الحكومة الّا من لا يرفض المشاركة وعندها لا نُلام على هذا الامر».

 

 

اللواء :

كل الجهود تصب عند نقطة واحدة: إصدار مراسيم حكومة العهد الأولى، التي يبذل الرئيس سعد الحريري ما لديه من طاقة وإمكانات لوضع الأسماء في خانات الحقائب، بعدما وضعت أسس التأليف وقواعده بين الرئيسين ميشال عون والحريري في اجتماعهما بعد ظهر السبت، اثر انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة، والتي استمع خلالها الرئيس المكلف إلى مطالب الكتل، سواء في ما يتعلق بالتوزير، أو البرنامج الذي يتعين على الحكومة أن توليه اهتمامها.
واستبق الرئيس عون اللقاء المقبل مع الرئيس الحريري بإطلاق سلسلة مواقف في الأحد الأوّل الذي تلى انتخابه، حيث استعاد بوصفه رئيساً للجمهورية، بعضاً من اطلالاته عندما كان رئيس للحكومة العسكرية التي آلت إليها صلاحيات رئيسات الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في العام 1988 من دون انتخاب رئيس، مردداً عبارته الشهيرة «يا شعب لبنان العظيم»، وباعثاً مجموعة من الرسائل في غير اتجاه، أبرزها للسياسيين بقوله «ان هدف الوصول لرئاسة الجمهورية بناء وطن قوي بدولة قوية تبنى على دستور يحترمه السياسيون «وما في رأس يخرق سقف الدستور من الآن فصاعداً».
واعتبر أن القضايا في الداخل لا تنتهي الا بالحوار، مستعيداً بالذاكرة حربه من أجل السيادة والحرية والاستقلال، وقال: «استفاد الغريب من هذا الوضع كي يكمل حربه علينا».
وأضاف: «لا اذكر الا الطائرات تحمي بعضها طبقة فوق طبقة، طيران غريب، لا أريد أن اسمي، لأنه لم يعد الآن من سبب للتسمية» (في إشارة لقصف الطيران السوري للقصر).
واستعاد الرئيس عون تجربة ربع قرن من نضالاته العسكرية والسياسية، متحدثاً عن مشروع كبير عماده الوحدة الوطنية، مستذكراً قولاً لميشال شيحا: «ان من يحاول السيطرة على طائفة يحاول إلغاء لبنان».
وفي الشأن الخارجي قال عون: «لن نكون مرهونين لأي بلد، فاستقلالنا وسيادتنا ليس عداوة ولا خصومة مع دول أخرى، بل صداقة وقدرة على احترامها، لأننا نكون قد تخلصنا من تأثيرات خارجية».
وبالنسبة للمشاريع الداخلية الملحة، أكّد رئيس الجمهورية أن الفساد سيستأصل، وستعود البيئة نظيفة مستودعاً الحشد البشري الذي جاء للتهنئة «سأراكم في مناسبة اخرى»، «انطلاقاً من أن هذا الحشد كان شعباً عظيماً وأصبح شعباً أعظم».
وكان اللافت تغريدة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل عندما قال: «فهمتو اليوم شو يعني رئيس ميثاقي وقوي؟ اليوم رجع الجنرال ع لبنان، اليوم رجع في رئيس بلبنان».
مشاورات التأليف
بين «بيت الوسط» وعين التينة وقصر بعبدا، تتالت الاجتماعات واللقاءات من أجل التفاهم على توزيع الحقائب وتذليل العقد التي برزت، سواء في ما خص الحقائب السيادية، أو مطالبة الكتل بوزارات خدماتية، مع دخول البلاد، بدءاً من آذار المقبل في أجواء الانتخابات النيابية، حيث علم أن هذه الاجتماعات واللقاءات نجحت في قطع نصف الطريق باتجاه تأليف الحكومة:
1- في «بيت الوسط» التقى الرئيس الحريري تباعاً رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل عند الخامسة بعد الظهر، وبعده استقبل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وعنوان اللقاءين واحد: التمثيل في الحكومة والوزارات المطلوبة.
ومن المفترض أن يكون جعجع أعاد المطالبة بوزارة سيادية، شارحاً للرئيس الحريري خلفيات المطالبة بوزارة المالية، التي يتمسك بها الرئيس نبيه برّي، إضافة إلى حقيبتين اخريين.
2 - وفي عين التينة، عقد اجتماع مطوّل بين وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل ومدير مكتب الرئيس الحريري السيّد نادر الحريري، جرى التطرق خلاله إلى آلية تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب، بعدما اوكل «حزب الله» على لسان أمينه العام السيّد حسن نصرالله إلى الرئيس برّي مهمة التفاوض مع تيّار «المستقبل» على تأليف الحكومة، لا سيما في ما خص الحصة الشيعية.
3 - اما في قصر بعبدا، فلم يحجب يوم التهاني المفتوح للمواطنين والخطاب الذي وجهه الرئيس عون الاهتمام بالتأليف الحكومي، الموكل عملياً للوزير باسيل الذي يتواصل مع الأفرقاء المسيحيين ومع «بيت الوسط» لهذه الغاية.
وفيما قالت مصادر السراي أن عملية التأليف ستأخذ وقتها الطبيعي، وإن كان الاتجاه الغالب هو اصدار مراسيم الحكومة قبل عيد الاستقلال، حيث ستكون الرسالة الأولى للرئيس عون إلى اللبنانيين، كاشفة ان الحكومة الان في مرحلة جوجلة الأسماء في ضوء الحقائب المقترحة لكل كتلة سياسية أو طائفة.
وعلى هذا الصعيد، كشف مصدر مطلع لـ«اللواء» أن الرئيس برّي لا يفاوض فقط باسم حليفه «حزب الله»، بل أيضاً باسم النائب سليمان فرنجية والنائب وليد جنبلاط إلى حدّ ما.
أسماء متداولة
وفي معلومات «اللواء»، أن من الأسماء المتداولة في الحصة الشيعية عن حركة «أمل»: الوزير علي حسن خليل لوزارة المال التي يرأسها حالياً، والدكتور علي حسين عبد الله (من البقاع) الذي سبق وشغل حقيبة السياحة، إضافة إلى الدكتور وسيم منصوري (وهو محامٍ وأستاذ متفرغ في الجامعة اللبنانية).
أما بالنسبة لوزراء «حزب الله»، فهناك اتجاه لاستبدال الوزيرين الحاليين، أو على الأقل أحدهما.
وبالنسبة لحصة جنبلاط المتمثلة بوزيرين، علم أن أحدهما النائب مروان حمادة، والثاني النائب السابق أيمن شقير، والوزير الدرزي الثالث، حصة النائب طلال أرسلان، فهو الوزير السابق مروان خير الدين، في حين تروّج بعض الأوساط العونية إسم عضو تكتل الإصلاح والتغيير النائب فادي الأعور.
وعلى صعيد وزارة الخارجية، فالأسماء المتداولة هي: النائب السابق إيلي الفرزلي، الوزير الحالي الياس بو صعب والوزير السابق يعقوب الصرّاف، على أن يكون العميد شامل روكز وزيراً للدفاع، خلفاً للوزير سمير مقبل (الذي هو من حصة رئيس الجمهورية).
وعلمت «اللواء» أيضاً أن من الأفكار المتداولة استحداث وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية، على أن تسند إلى وزير الخارجية الحالي جبران باسيل الذي كان التقى أمس مطولاً نادر الحريري قبل أن يزور الثاني عين التينة ويلتقي الوزير خليل.
وأشار مصدر موثوق به إلى أن كلا الاجتماعين كان إيجابياً، وينبئان بتأليف سريع للحكومة.
وبالنسبة للأسماء السنّية المتداولة، علمت «اللواء» كذلك، أن الوزير السابق عبد الرحيم مراد من الأسماء المرشحة لدخول الوزارة كوزير دولة.
وحول تمثيل النائب فرنجية، حيث يتمسّك حزب الله وحركة «أمل» بهذا التمثيل الذي يؤيده أيضاً الرئيس المكلّف، تحدثت المعلومات عن إمكان إسناد وزارة الشؤون الاجتماعية لشخصية يسميها النائب فرنجية.
جنبلاط
تجدر الإشارة إلى أن النائب جنبلاط الذي رأى إيجابيات في خطاب القَسَم، استبعد إمكان ولادة الوزارة لا يُشارك فيها الثنائي الشيعي، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية ما تزال مهتمة بلبنان، وهي دعمت ما اتفق عليه اللبنانيون من خلال الموقف الإيجابي الذي نقله الموفد السعودي الوزير ثامر السبهان عندما زار بيروت، داعياً إلى الإسراع بتأليف الحكومة، ومعالجة الأمور الحسّاسة والمطلوبة من أجل المواطن اللبناني، مطالباً بالإبتعاد قدر الإمكان عن المحاور الإقليمية.
ظريف في بيروت اليوم
في ظل هذه المعطيات المتسارعة وحروب الحسم أو التعثّر الدائرة في الموصل، وحلب، وفتح معركة الرقة، وفي اليوم الذي تجري فيه الانتخابات الرئاسية الأميركية، يصل إلى بيروت اليوم وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف للوقوف على الظروف التي أدّت إلى حدوث التسوية المتمثلة بانتخاب عون للرئاسة الأولى وتكليف الرئيس الحريري للرئاسة الثالثة، ناقلاً، وفقاً لمصدر ديبلوماسي غير لبناني، دعماً إيرانياً لهذه التسوية.
وعُلم أن زيارة الوزير الإيراني، ستستغرق يومين يلتقي خلالها الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري، كما يلتقي الوزير باسيل.
ولم يستبعد مصدر مطلع أن يلتقي أيضاً الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله.