اعتقدنا للوهلة الأولى، ولفترة قصيرة أنّ الرئيس بري دخل مرحلة الجهاد الأكبر بملء إرادته، بعد أن عاين ما وصلت إليه أحوال السياسة والاجتماع والدين، فالأخلاق منحطّة، ورجال الدين مراؤون متغطرسون، والإيمانُ واهٍ، والكفر متفاقم، والساسة فاسدون، وآراؤهم فاسدة، وأفعالهم مُنكرة، لا يتورّعون عن صغيرة ولا عن كبيرة، يميلون مع كلّ ريح، وينعقون مع كل ناعب. لذا قرّر دولة الرئيس أن يفرّ من دنياهم هذه، ويهجرها إلى حياة العزلة والزهد والتقشّف، ليدخل مرحلة الجهاد الأكبر، فيختار درب الصالحين من المتصوّفة الزاهدين، فيأنس إلى أبي طالب المكي في مؤلّفه الرائع "قوت القلوب"، والمحاسبي في مؤلَّفه "الرعاية لحقوق الله"، ويقتفي آثار عمرو بن عبيد والشبلي والبسطامي والجنيد، فيعتزل أوّل ما يعتزل السياسة، ثمّ يخرج حاجّاً إلى القدس أولاً، وإلى الحرمين في جزيرة العرب بعد ذلك، وربما رأى أن يتوجه شطر الاسكندرية ليطّلع على المأثورات المسيحية التي تحثُّ على الورع والتقى، ويقضي ما تبقّى من عمره، والذي نرجو أن يكون مديداً رغيدا،في حال خلوةٍ وانكماش في بلاد المسلمين، ولا بأس أن يعود بين الآونة والأخرى للاجتماع بالولد والأصحاب، وربما الشماتة من أهل الدنيا والسياسة.
للأسف، كل هذا نكص عنه الرئيس بسرعة، وعاد لينخرط في عملية تأليف الحكومة العتيدة، والتي تكتنفها المشاحنات والأهواء والدناءات والصراعات، وربما تكسير الرؤوس، وهذه كلها تدخل في الجهاد الأصغر الذي كان قد خرج منه الرئيس لفترة قصيرة، وعاد إليه القهقرى.