عاد زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة أمس متكئاً على التسوية الرئاسية التي عقدها وأفضت الى تولي العماد ميشال عون الرئاسة الأولى، وبتأييد 112 نائباً من أصل 126، لتوليه الرئاسة الثالثة، بمن فيهم كتلة نواب رئيس البرلمان نبيه بري الذي قال: «لأفي الدين بكامله والذي له في ذمتي منذ قلت إني معه ظالماً أم مظلوماً».
وفيما امتنعت كتلة نواب «حزب الله» (13 نائباً) ونائب بعثي عن تسمية الحريري، فإن تأييد بري تكليف الحريري فتح الطريق لإزالة التشنج بينهما من أجل التعاون على تشكيل الحكومة التي قال الحريري إنه يريدها «حكومة وفاق وطني تتخطى الانقسام السياسي، مستندة الى إجماع كل القوى السياسية حول خطاب (الرئيس عون) للقَسم بكل مندرجاته».
وحين سئل بري عن التعاون في تأليف الحكومة أجاب: «كل شيء بحسابو والعدس بترابو، إذا أرادوا التعاون أردنا التعاون... وليس للتسمية أي علاقة».
ويبدأ الحريري اليوم استشاراته مع الكتل النيابية التي تستمر حتى ظهر غد، لاستطلاع رأيها في تمثيلها في التشكيلة الحكومية، وفي برنامجها، في ظل توقعات بأن تكون موسعة قد تتخطى حجم الحكومة المستقيلة برئاسة الرئيس تمام سلام (24 وزيراً) لتبلغ 30 وزيراً، كي تكون جامعة مع انطلاقة عهد الرئيس عون، مع أنها ستكون حكومة إشراف على الانتخابات النيابية التي يفترض إجراؤها قبل انتهاء مدة ولاية البرلمان الحالي في آخر أيار (مايو) عام 2017. وهذا ما يجعل من أولى مهماتها السياسية إنجاز قانون انتخاب واجه التوافق عليه صعوبات وخلافات كبيرة على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وعلمت «الحياة» أن الحريري أجرى اتصالاً ببري شاكراً إياه على تسميته. وقالت مصادر مطلعة إن الاتصال كان وديّاً وإن بري قال له: «على كل حال سنلتقي غداً في المجلس النيابي من أجل متابعة البحث». وكان الرئيس بري بادر الحريري عند دخوله مكتب الرئيس عون في القصر الرئاسي لإبلاغه بنتيجة الاستشارات بالقول: «مبروك حصلت على نتيجة 112 صوتاً وهي مهمة». فردّ الحريري قائلاً له في حضور الرئيس عون: «هذه الـ112 هي للعهد».
وفي وقت عمّت الاحتفالات مناطق نفوذ «تيار المستقبل» في أنحاء لبنان، بتولي الحريري رئاسة الحكومة التي أخرج منها باستقالة وزراء عون وقوى 8 آذار بداية عام 2011 بعد تصاعد الأزمة السياسية آخر عام 2010، قالت أوساط الرئيس المكلف إن هذه الحكومة أمام واقع جديد لأن التطورات والتسوية على إنهاء الفراغ الرئاسي أدت الى خلط الأوراق، فلم يعد الاصطفاف السياسي الذي كان قائماً قبل انتخاب الرئيس عون موجوداً وحصلت تبدلات كثيرة.
وعبّر مناصرو الحريري عن فرحتهم بتكليفه بالنزول الى الشارع رافعين العلم اللبناني ورايات «المستقبل» والعلم السعودي، أسوة بالاحتفالات الواسعة التي قام بها مناصرو الرئيس عون بُعيد انتخابه الاثنين الماضي. وشهدت شوارع بيروت مواكب سيارة، وإطلاق المفرقعات النارية وحتى إطلاق النار بالهواء.
وأوضحت أوساط الحريري أن خلط الأوراق الذي حصل في لبنان بعد انتخاب الرئيس يقضي بعدم العودة الى اتفاق الدوحة عام 2008، الذي أنهى التأزم السياسي حين نزل «حزب الله» الى الشارع بالسلاح، وبالتالي لا مبرر للعودة الى حصول فريق على الثلث الضامن (المعطل) داخل الحكومة. وكانت تسمية بري للحريري حصلت بعدما كان الأول أخذ على الثاني عقده الصفقة على رئاسة عون وشملت تفاهمات من دون التشاور معه فيها.
وقالت مصادر نيابية إن بري، بالتفاهم مع «حزب الله»، اتخذ قراره بتسمية الحريري لأن لا مصلحة لغياب المكوّن الشيعي من التسمية، خصوصاً أن رئيس المجلس يرعى شخصياً حواراً بين «المستقبل» و «حزب الله» بهدف تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي الذي يدرج بنداً دائماً على جدول أعماله، وبالتالي فإن امتناعه عن تسميته قد يرفع منسوب الاحتقان بدلاً من خفضه، وهذا ما لا يريده.
ولفتت المصادر النيابية الى أن تسمية بري للحريري شيء والموقف من تشكيل الحكومة العتيدة شيء آخر. وقالت إن حركة «أمل» و «حزب الله» على توافق تام في هذا الخصوص فإما أن يشاركا معاً وإلى جانبهما «تيار المردة» برئاسة النائب سليمان فرنجية، أو يكونوا جميعاً خارج الحكومة. وأكدت المصادر أن «أمل» و «حزب الله» يصرّان على تمثيل «المردة» وإلا سيعتذران عن عدم الاشتراك في الحكومة، إلا إذا صرف فرنجية النظر عن تمثيله في الحكومة.
ومهد الحريري لمشاوراته حول تأليف الحكومة بالجولة التقليدية على رؤساء الحكومة السابقين، سليم الحص، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، للاطلاع على وجهات نظرهم حيال التركيبة الحكومية المقبلة، وسط إجماع داخلي وخارجي على وجوب تسريع إصدارها. ولفت في جولة الحريري هذه أن السنيورة الذي عارض انتخاب عون، قال للرئيس المكلف: «صار لدينا رئيس وعلينا أن نكون سوية وعلينا الوقوف الى جانب رئيسي الجمهورية والحكومة».
وفيما شدد ميقاتي على أولوية الاتفاق على قانون الانتخاب، أسهب الحريري في امتداح الرئيس سلام وقال: «مهما قلنا عن تمام سلام لا يمكننا أن نفيه حقه، لأنه يمثل الوفاء والصدق. ونادراً ما نرى هذه الصفات في أشخاص. هو تحمَّل وصبَر وكثر لا يمكنهم تحمل ما تحمله». وأكد سلام أن «صفحة طويت وفتحت صفحة أخرى وأملي كبير بأن يأخذ الوطن ما يستحقه وأعتقد أن أبرز ما يستحقه لبنان قيادة شابة واعية ومسؤولة مثل قيادة الرئيس الحريري»، خصوصاً أن «الخطوة التي قام بها أكدت أن هذا الوطن لا يخلو من رجال ومن أصحاب الوفاء لمسيرته، ومؤتمن عليها من إرث كبير وكانت فرصة للبنان في ظله أن يشهد نمواً وازدهاراً، رحم الله الرئيس رفيق الحريري وثبّت خطى صاحب الأمانة سعد الحريري من أجل اللبنانيين».
ومن ردود الفعل الخارجية على تكليف الحريري تهنئة من وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون، الذي أمل بالعمل سريعاً لتشكيل الحكومة. وأضاف: «إن ما تحقق من تقدم سياسي أخيراً في لبنان يعكس ما يمكن أن يحققه السياسيون بالعمل بعضهم مع بعض لما هو في المصلحة الوطنية للبنان. وإني آمل بأن تستمر القيادات اللبنانية بروح التعاون هذه، وانتهاز هذه الفرصة لتقوية مؤسسات الدولة، ومواصلة تطبيق إصلاحات هناك حاجة ماسة إليها لتعزيز الاقتصاد، وتحقيق المستقبل الذي يستحقه اللبنانيون».