عون رئيس الجمهورية بعد إذعان الجميع للإملاءات الخارجية

 

السفير :

اختيار نزيل لبناني لقصر بعبدا، شأن لا تزال تسأل عنه دمشق، برغم سنوات أزمتها الست الدامية وانكفائها عن لبنان والإقليم. مع ذلك، يدرك السوريون بواقعية أن الإسهام السوري في الاستحقاق الرئاسي الحالي، لا يمكن مقارنته بالعهود الماضية، خصوصاً المرحلة التي تلت انتخاب الرئيس الياس سركيس في العام 1976، قبل أن تكرّ بعدها سبحة الاستحقاقات الرئاسية، التي لم يكن لها أن ترى النور من دون موافقة دمشق إلى حد كبير.
لم يحجب الحريق السوري الداخلي النظر إلى الإقليم وتوازناته، كما يقول مسؤول سوري، ومن خلاله إلى استحقاقات تبرز معالم قوة دمشق في إدارة النزاعات حولها أو الإسهام في حلها، أو انتهازها لتحقيق التوازن المطلوب، ومنها بطبيعة الحال حماية خاصرتها اللبنانية.
وقد يكون نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، آخر مسؤول سوري، يتناول الاستحقاق الرئاسي اللبناني بمزاج واضح بمجرد فراغ قصر بعبدا قبل سنتين ونيّف. وقتذاك، علّق المقداد على أحاديث أميركية ولبنانية، في ذروة الأزمة السورية وتراجع قدرة دمشق على التأثير في مثل هذا الاستحقاق بالقول، بالتزامن مع وجود جون كيري في بيروت، «إن من يفترض أن سوريا مستبعَدة من موضوع الرئاسة اللبنانية لا يفهم، ومخطئ أيضاً من يعتقد انه يمكنه إجراء مشاورات مع كل العالم ولا يتشاور مع سوريا».
المقداد لم يبالغ بتقدير الحضور السوري في الانتخابات الرئاسية اللبنانية. صحيح أن دمشق كما طهران، تعطي تفويضاً مطلقاً للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، في كل أمر يتصل بملف لبنان، إلا أن ذلك لا يمنع دمشق من قول رأيها بعكس ما يفترض كثيرون. السوريون أقاموا علاقاتهم المباشرة وقنوات الاتصال التي لم تتوقف عن العمل مع أصدقائهم من المرشحين الرئاسيين. كما لم يتوقفوا عن نسج شبكة علاقاتهم مع الجنرال ميشال عون، في ذروة الأزمة والانكفاء للتعويض عن قدرتهم على التدخل المباشر، بدءاً من لحظات المصافحة الأولى في قصر الشعب الدمشقي، بين زعيم الأكثرية المسيحية اللبنانية والرئيس السوري بشار الأسد في الثالث من كانون الأول 2008، وبعد أشهر قليلة من اتفاق الدوحة الذي أتى بالرئيس السابق ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بمباركة عون.
خصومة شريفة مع عون خُتمت بمصالحة شريفة آنذاك، كما قال الرئيس الأسد، والأهم أن تلك العلاقات نشأت أيضاً على قاعدة من الندّية الواضحة وتحت الضوء، وتطورت قبيل أن تدلهمّ ليالي سوريا، وتُدمى ميادينها. أسبغت تلك المصالحة «زعامة مسيحية مشرقية» على عون، عبر السير على خطى القديس مار مارون إلى مرقده في براد السورية. «التكريس» سبق بشهر واحد اندلاع المحنة السورية، قبل أن يعود احتفال براد على «الجنرال» وعلى دمشق، خلال الأزمة بفوائد مشتركة: لدمشق إسهامها في الدفاع عن آخر بقاع الحضور المسيحي في المشرق العربي، ولكن من دون الانحدار إلى أحلاف الأقليات، ولـ «الجنرال» ظهيره الذي لن ينسى مواقفه المدافعة عن دمشق، حتى في عز أزمتها.
لا كلام سورياً علنياً عن ترشيح عون. لكن الخطوط بين المرشح الرئاسي والمسؤولين في دمشق لا تزال مفتوحة للتشاور حتى الأيام الأخيرة. ويرى مسؤول سوري أن وصول العماد عون «يشكل انتصاراً كبيراً لسوريا بعد محاولة إجبارها على الانكفاء. وهو انتصار أيضاً لأن من سيُعقد له النصاب رئيساً هو حليف موثوق سيعيد التوازن المطلوب في أداء المؤسسات اللبنانية الرسمية تجاه دمشق، بعد أن جعل فريق الرابع عشر من آذار مؤسسات لبنانية معاديةً خلال الأعوام الأخيرة».
ويتساوى تقييم دمشق مع تقييم حليفها «حزب الله» في النظر إلى صعود رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري مجدداً إلى رئاسة الحكومة، باعتبار هذه الخطوة «تضحية مطلوبة لتسهيل وصول عون وخروج لبنان من الفراغ الدستوري». وليس سراً أن دمشق تنظر هي أيضاً بقلق إلى فرضية عودة الحريري إلى لعب دور أساسي، خصوصاً أنه يعود مشترطاً في الملف السوري، تأجيل أي تطبيع للعلاقات مع دمشق، إلى حين قيام تفاهم سوري ـ سوري، وتحييد لبنان عن الصراع السوري، وهو ما يعني الإبقاء على ملف وجود «حزب الله» في سوريا على الطاولة. ويقول مصدر مطّلع إن دمشق لا تعتقد بوجود أية صفقة، قد يكون عقدها الرئيس المقبل مع الحريري، وقد تبلّغ مسؤول سوري كبير تطمينات أنه لم تُعقد أية صفقة تخرج عن نطاق المشاورات والتفاهمات مع دمشق.
وقال مسؤول سوري إن الانتصار الذي يتحقق بوصول الجنرال ميشال عون إلى الرئاسة في لبنان، تغشاه مخاوف من بعض الحلقة الأولى المحيطة به، وإن الموقف من عون، ليس الموقف نفسه من بعض المحيطين به.
ويقول مصدر مطلع إن عون يمثل مع ذلك ضمانة للتوازنات المطلوبة، وهناك الكثير من الأوراق التي لا يزال بالإمكان استخدامها للحفاظ على الانتصار الذي تحقّق، واستعادة التوازنات، لا سيما في المرحلة التي تلي انتخاب الرئيس، وبدء البحث بتشكيل الحكومة المقبلة.
ويشير المصدر نفسه إلى أن عون «كان صريحاً» مع الحريري، كما فهمنا منه، بأنه دعا رئيس «تيار المستقبل» إلى عدم الخوض في ملف سوريا ومشاركة «حزب الله» في قتال التكفيريين «فهناك حرب عالمية تشارك فيها أكثر من 80 دولة، ومسؤوليتنا أنا وأنت أن نمنع وصول النيران إلى بلدنا وأن نحمي استقراره».
الحريري: «حزب الله» مشكور؟
من جهته، قال الحريري الذي ترأس، أمس، اجتماعاً لكتلته النيابية، إنه يترك للعماد عون أن يتخذ القرار المناسب في حال قرر الرئيس الأسد زيارته في القصر الجمهوري لتقديم التهاني، وأكد أنه سيعارض استقبال أي موفد سوري للتهنئة في بعبدا. وجدّد اتهامه للأسد بأنه مجرم حرب، واعتبر أن النظام السوري قد سقط و «الأسد سيترك عاجلاً أم آجلاً». وقال في مقابلة مع برنامج «كلام الناس» ليل أمس، إنه اتفق مع عون على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، وأكد أنه لن يزور سوريا ولن يسمح لأيٍّ من وزراء حكومته بزيارتها أيضاً للتعاون مع النظام الحالي فيها. وشدد على أنه لا يمانع عودة الأمور إلى مجاريها في الشأن السوري بعد أن يكون الشعب قد حسم أمره (...)، وتمنّى على إيران وقف تدخلاتها في شؤون الدول العربية وأن تكون علاقتها طيبة مع كل الدول العربية وكل اللبنانيين وليس فئة منهم، وسأل: «هل رأيت الجنرال عون يوماً يحييّ الوجود في سوريا أو اليمن؟ ولا مرة، فلماذا نقوّل الرجل كلاماً لم يقله»؟
وأكد أنه أنجز، أمس، مسودة البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة، وقال إنه اتفق مع عون على الحفاظ على الدستور وإن أي تعديل دستوري يجب أن يحوز على إجماع اللبنانيين، كما نفى التوافق مع عون على قانون الانتخابات أو ملف النفط أو تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان أو قائد جديد للجيش أو تعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن، وأشار الى أنه لم يتطرق معه الى هذه المواضيع.
وقال إن «حزب الله» مشكور، لأنه لا يمانع عودتي إلى رئاسة الحكومة، وأكد انفتاحه على الرئيس نبيه بري، وقال: «سأبقى معه ظالماً أو مظلوماً، ومشكلته ليست معي إنما هي في مكان آخر».
وحول إصرار «8 آذار» على امتلاك «الثلث المعطل» وفق اتفاق الدوحة، سأل الحريري: «ألا يثقون هم بميشال عون وأريد أن أسأل سؤالاً هل نخترع ثلثاً معطلاً على شو، كل ما قمنا به هو خلط للأوراق»

 

النهار :

شكلت السرايا الحكومية ودارة رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط مساء أمس المحطتين الأخيرتين مبدئياً لجولة العماد ميشال عون على القيادات السياسية بصفته رئيسا لـ"تكتل التغيير والاصلاح" ومرشحاً رئاسياً قبل جلسة الاثنين المقبل التي بدا واضحاً ان العماد عون يتعمد تقليل الكلام والتصريحات قبل انعقادها استعداداً لالقائه خطاب القسم عقب انتخابه الرئيس الثالث عشر للجمهورية. ولم تحمل تطورات الساعات الاخيرة جديدا مفاجئا لجهة اتساع قاعدة تأييد كتل سياسية ونيابية كبيرة لانتخاب عون باعتبار ان موقف النائب جنبلاط سبقته مؤشرات تدل على ميله الى السير في خيار انتخاب عون وان تكن أصوات "اللقاء الديموقراطي" لن تذهب كلها الى هذا الخيار. ومع ذلك فان اعلان جنبلاط ان نواب اللقاء "توافقوا على تأييد ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية" رفع تلقائياً نسبة التصويت المحسوب لمصلحة عون وسط ازدياد تفاؤل الفريق العوني بامكان انتخابه في دورة الاقتراع الاولى بأكثرية الثلثين. وتفاوتت "البوانتاجات" التي أجريت للتصويت بين توافر أكثرية 79 و86 صوتاً لمصلحة عون الامر الذي عكس تحفظاً لدى معظم الجهات المعنية عن الجزم باتجاهات الجلسة، خصوصاً ان حجم التصويت لمصلحة النائب سليمان فرنجية والتصويت بالاوراق البيضاء لا يزال عرضة لتقديرات غير ثابتة، الامر الذي يصعب معه تبين الاتجاهات النهائية الا في الجلسة نفسها. وتقول مصادر معنية بهذه الحسابات إن ما لا يقل عن 47 نائباً يتوزعون حتى الآن بين تأييد فرنجية والتصويت بأوراق بيضاء الامر الذي يبقي احتمال عدم نيل عون اكثرية الثلثين من الدورة الاولى قائما الى حين انعقاد الجلسة، الا اذا تبين ان بعض النواب المترددين قرروا التصويت لعون في نهاية المطاف.
ومع عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري امس الى بيروت، لوحظ ان جنبلاط حرص على لقائه قبل زيارة عون لكليمنصو حيث أبلغه "حيثيات موقفه من الانتخاب الرئاسي". ولفت جنبلاط الى انه "وان بدا هناك بعض التفاوت فهذا التفاوت شكلي (بينه وبين بري) وفي النهاية هناك تاريخ عريق وقديم بيننا... ويبقى الرئيس بري رجل الدولة الاول الحريص على الدولة اللبنانية وعلى الاستقرار". وأوضح جنبلاط عقب استقباله عون ان اجتماعاً اخيراً سيعقد اليوم لـ"اللقاء الديموقراطي" وان "هناك من قد يعترض أو لا يوافق لكن غالبية اللقاء والحزب التقدمي الاشتراكي مع ترشيح العماد عون وآن الاوان كي نخرج من هذا المأزق ويبدو ان ظروفاً محلية، صنع في لبنان، لكن هناك أيضاً ظروفاً دولية واقليمية تساعد في هذا الامر". واكتفى عون بشكر جنبلاط قائلاً "اننا تحدثنا عن المستقبل اثناء ولايتي هذا الموقع وسنتعاون سويا لبناء لبنان وتحسين الواقع الاجتماعي".

 

الحريري
وعلمت "النهار" ان إجتماع كتلة "المستقبل" امس برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي عرض مجدداً معطياته في شأن خيار دعم ترشيح العماد عون لم يشهد أي موقف متمايز من الاعضاء الذين سبق لهم أن اعترضوا على هذا الخيار وفي مقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة الذي إلتزم الصمت طوال الاجتماع. وبينما رجحت مصادر في الكتلة أن يبقى السنيورة ومعه عدد من الاعضاء على موقفهم المعارض، عبّر البيان الصادر عن المجتمعين عن إلتزام الكتلة خيار الحريري مما يعيد الى الكتلة مظهر تماسكها والتفافها حول رئيسها. ولفتت المصادر الى ان الحريري لم يتطرق خلال الاجتماع الى زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان للبنان. وأكدت ان "المستقبل" بات في وضع شعبي أفضل بعدما أظهرت الايام الاخيرة التي تلت موقف الحريري الاسبوع الماضي ان لا إعتراض على مستوى القاعدة على ترشيح عون على رغم بعض المحاولات التي جرت لتكوين جبهة معارضة لهذا الترشيح.
واكتسب الحديث الذي أدلى به الحريري ليلاً الى الزميل مارسيل غانم في برنامج "كلام الناس " دلالات بارزة عشية الجلسة الانتخابية اذ ركز في معظمه على الابعاد الاقتصادية والاجتماعية التي تواكب عملية انهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم "الجهاد الاكبر الحكومي". وبدا الحريري واثقاً من علاقته بالعماد عون في التجربة التي ستبدأ مع انتخابه رئيساً للجمهورية، فرد على القول إنه استسلم لمحور "حزب الله" وايران بقوله "انا خضعت لقناعتي بان لبنان اهم من أي شخص وكان هاجسي الفراغ وما يؤدي اليه". ورأى ان مبادرته اسقطت الفراغ الذي كان المرشح الحقيقي لـ"حزب الله". وشدد على ان الرئيس بري "سيظل أخاً كبيراً وسأبقى معه ظالماً أم مظلوماً". ومع رفضه القول بانه ذاهب الى الانتحار، لفت الى انه كان يعرف ان لا مشكلة اقليمية امام مبادرته قائلاً: "هذا الذي حصل هو انتصار للبنان وانتصار للسعودية لانه انتصار للنظام وللطائف وانتصار على الفراغ وهذا انتصار للعرب كلهم". واسترعى الانتباه في حديث الحريري اشادته الحارة بكل من قائد الجيش العماد جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كما انتقد بشدة تدخل "حزب الله" في الدول العربية ونفى ان يكون عقد تفاهمات ثنائية مع العماد عون على حساب أحد واعلن انه منفتح على الجميع ويمد يده للجميع. وتحدث مرحلة سياسية جديدة "وما نفعله هو انقاذ للبلد والمؤسسات واعطاء فرصة للناس وامل للبلد". وأكد ان كتلة "المستقبل "هي "كتلة سعد الحريري".

 

الموفد السعودي
في غضون ذلك، اتخذت جولة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج طابعاً واسعاً اذ شملت معظم القيادات والشخصيات السياسية ومن المقرر ان يلتقي اليوم الرئيس بري. وأكد الوزير السعودي لدى لقائه النائب ميشال المر مساء ان "المسؤولين السعوديين يدعمون كل ما يتفق عليه اللبنانيون في شأن الانتخابات الرئاسية وغيرها من القضايا التي تحقق للبنان مزيداً من الاستقرار والنماء والازدهار". وقال ان المملكة "حريصة دوما على لبنان وما يشكله من نموذج عيش مشترك ومن تنوع فهو بوابة العرب على الغرب"

 

 

المستقبل :

قبل 48 ساعة من الاثنين الرئاسي، وبعدما فتحت مبادرته الوطنية الباب واسعاً أمام إقصاء الفراغ «المرشح الفعلي لحزب الله»، أطلّ الرئيس سعد الحريري في حلقة استثنائية من «كلام الناس» أمس ليؤكد بشفافيته المعهودة أن الدولة والناس هما الدافع الأساس وراء كل مبادراته وخطواته السياسية، متطلعاً بروح من الإيجابية والتفاؤل إلى مستقبل البلد بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي. وفي معرض الإعراب عن شعوره بالاعتزاز والفخر إزاء كل خطوة إنقاذية يخطوها للحفاظ على الجمهورية، لفت الحريري إلى أنه لا يستسلم ولا يخضع إلا لقناعاته الراسخة بأنّ «لبنان أهم من أي شخص ومن أي قيادة سياسية»، وإلى أنّ أي انتصار يحققه إنما هو انتصار للدولة والطائف والناس، مع تشديده في ما يتعلق بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المعارض لتأييد ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون على كون مشكلة بري ليست معه بل ربما كانت مع «حزب الله» الذي عطّل الانتخابات الرئاسية طيلة عامين ونصف العام، مبدياً في الوقت عينه احترامه الكبير لرئيس المجلس بوصفه «أخاً كبيراً» وقال: «الرئيس بري «بمون» وسأبقى معه ظالماً أو مظلوماً».

ورداً على من يعتبر أنّ التطورات الرئاسية تصب في خانة انتصار المحور الإيراني في لبنان وهزيمة المشروع العربي السعودي، أشار الحريري إلى أنه على العكس من ذلك تماماً فإنّ «استقرار لبنان هو انتصار للسعودية وانتخاب رئيس للجمهورية والحفاظ على النظام والطائف هو انتصار للسعودية»، موضحاً أنّ مرشح «حزب الله» كان الفراغ بدليل عدم تلقفه مبادرة دعم ترشيح حليفه رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية بينما مبادرته الأخيرة تأييد ترشيح عون نزعت منه ذرائع الاستمرار في التعطيل، ودعا إلى النظر للمستجدات الرئاسية من منظار عريض ليتبيّن أنّ ما حصل هو فعلياً هو «انتصار على الفراغ وعلى ما كان يُفرض على لبنان من فراغ»، مضيفاً: «هذا أمر بالنسبة إلينا ليس فقط انتصاراً للمملكة العربية السعودية بل انتصار لكل العرب لأنّ لبنان كان يذوب شيئاً فشيئاً ومؤسساته كانت تذوب ونظام الطائف كان يذوب في مكان ما». 

وإذ آثر عدم الخوض مسبقاً بمسألة «التكليف والتأليف» الحكومية بانتظار انتخاب رئيس الجمهورية وانتهاء الاستشارات النيابية المُلزمة، شدد الحريري على أنه ليس طامعاً ولا طامحاً بتبوؤ سدة رئاسة الحكومة إنما إن تم تكليفه بهذه المسؤولية فلن يتوانى عن تحملها والإقدام عليها «بحسن نية وانفتاح» في سبيل تحقيق مصالح الدولة والناس، منبهاً في ما يتعلق بالتسريبات الصحفية التي تتحدث عن عراقيل سيضعها «حزب الله» في وجه تشكيل الحكومة إلى أنّ أي عراقيل من هذا النوع ستكون موجهة مباشرة إلى العهد الرئاسي المرتقب للعماد ميشال عون. 

أما في ما خصّ الموقف من النظام السوري، فأكد الحريري أنّ موقفه من هذا النظام «القاتل المجرم» لم ولن يتغيّر، في حين جدد رفضه لكل تدخلات «حزب الله» في سوريا والمنطقة العربية معرباً عن ثقته بأنّ الحكومة العتيدة سيكون قرارها رافضاً لأي تدخل في الشؤون العربية سيما وأنّ لبنان عضو مؤسس في جامعة الدول العربية. وعن إمكانية عدم تسميته من قبل كتلة «حزب الله» لتكليفه تشكيل الحكومة، ذكّر الحريري بأنّ الحزب «لم يسمِّ يوماً لا رفيق الحريري ولا سعد الحريري لرئاسة الحكومة» لافتاً الانتباه إلى أنّ الهدف المركزي لـ«حزب الله» طيلة السنوات الأخيرة كان «إضعاف سعد الحريري»، وأردف: «من هذا المنطلق أعرف أنني أسير الى تحدٍ كبير جداً لكن إذا وازنت هذا التحدي بالفراغ فأنا مستعد أن أنتخب عون حتى لو كنت سأواجه كل ما سأواجه في المستقبل».

وكانت كتلة «المستقبل» النيابية، التي جزم الحريري بأنها تقف إلى جانب قراره وخياراته السياسية «ونقطة على السطر»، قد أكدت إثر اجتماعها الأسبوعي برئاسته أمس في بيت الوسط «دعمها خيار الرئيس الحريري تأييد ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية»، معربةً عن أملها بأن يكون انتخابه يوم الاثنين «بدايةً لمرحلة وطنية جديدة لمصلحة لبنان وكل اللبنانيين».

الموفد السعودي

ومن بيت الوسط، استهل الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان جولته على المسؤولين والقيادات أمس، بحيث اجتمع مع الحريري في حضور القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، وجرى استعراض لآخر التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين، قبل أن يقدّم الوزير السبهان في ختام اللقاء هدية تذكارية للرئيس الحريري عربون محبة وتقدير.

ثم استكمل السبهان جولته المكوكية على المسؤولين السياسيين والروحيين، فالتقى على التوالي رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» في الرابية، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة في بلس، والنائب ميشال المر في العمارة حيث نقل المكتب الإعلامي للمر عن السبهان تأكيده خلال اللقاء أنّ «المسؤولون السعوديين يدعمون كل ما يتفق عليه اللبنانيون في شأن انتخابات رئاسة الجمهورية وغيرها من القضايا التي تحقق للبنان المزيد من الاستقرار والإنماء والازدهار»، معرباً عن «حرص المملكة الدائم على لبنان وعلى ما يشكله من نموذج عيش مشترك ومن تنوع» باعتباره «بوابة العرب على الغرب».

كذلك زار الموفد السعودي كلاً من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، والبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في بكركي، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان في مقر المجلس. 

جنبلاط في عين التينة.. وعون في كليمنصو

وفي مستجدات مواقف الكتل النيابية حيال جلسة انتخاب الرئيس، برزت أمس زيارة كل من رئيس «اللقاء الديمقراطي» إلى عين التينة ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» إلى كليمنصو، بحيث أوضح جنبلاط بعد خلوة عقدها مع بري أنه شرح له «حيثيات» موقفه من الجلسة الرئاسية بعد غد الاثنين، منوهاً في الوقت عينه بالتاريخ «العريق والنضال المعمّد بالدم» الذي يجمعهما. وبعد استقباله عون لاحقاً في دارته في كليمنصو، أعلن جنبلاط أنّ نواب «الاشتراكي» وأغلبية نواب «اللقاء الديمقراطي» سيصوتون لصالح انتخاب عون رئيساً، مؤكداً الوقوف إلى جانبه «من أجل مصلحة لبنان».

بدوره، أعرب عون عن شكره لجنبلاط مؤكداً عزمه على «التعاون سوياً لبناء لبنان ولتحسين الواقع الاجتماعي والوحدة الوطنية».

وكان عون قد زار كذلك السرايا الحكومية حيث التقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام واستعرض معه التطورات.

 

الديار :

بدأ الحديث عن تشكيل الحكومة. القوات اللبنانية طالبت بوزارة سيادية هي وزارة الداخلية على أن يتسلمها العميد المتقاعد من عائلة نبهان، اما بالنسبة للعماد ميشال عون فأبلغ الحريري والاطراف السياسية انه يريد وزارة الدفاع، وبالنسبة للرئيس بري فهنالك تفاوض بينه وبين تيار المستقبل بشأن وزارتي المالية والخارجية، ذلك ان مواقف الوزير باسيل الخارجية أزعجت تيار المستقبل ولا يريد الرئيس بري أن يأتي وزيراً من «المستقبل» يأخذ مواقف خارجية عكس مواقف الوزير جبران باسيل او في منتصف الطريق، بل ان بري يريد وزيراً للخارجية يأخذ نفس المواقف التي اتخذها في اجتماعات اتحادات البرلمانات في دول العالم، حيث كان موقف الرئيس بري مبنياً على الاعتدال والتوازن حتى بين ايران والسعودية، ولذلك اذا وافق تيار المستقبل على الالتزام بالسياسات الخارجية التي يريدها الرئيس بري سيأخذ الحريري الخارجية والرئيس بري المالية، والا سيأخذ بري الخارجية والحريري المالية، ويفكر العماد عون والحريري مع الوزير جبران باسيل بالاتيان بوزراء شبان اعمارهم تتراوح بين 35 و40 سنة وقد اختار حتى الآن الوزير جبران خمسة وزراء لم يعلن عنهم وسيترك الاعلان لما بعد الاستشارات النيابية بشأن رئيس الحكومة المكلف كي لا تحصل ردة فعل سلبية ضده.
ونعود الى الموضوع الأساسي وهو ان سماحة السيد حسن نصرالله قال: «فلتحصل اتفاقية شاملة بشأن رئيسي الجمهورية ورئيس الحكومة وتشكيلها ضمن انتخاب رئيس الجمهورية»، لكنّ أحداً في حزب الله وحتى الآن لم يقم بتسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة والأكيد هو أن مجلس قيادة حزب الله لم يبلغ سعد الحريري التزامه بترشيحه لرئاسة الحكومة حتى ان حزب الله يحتفظ بهذا السر حتى لحظة الاستشارات النيابية وتكليف رئيس الحكومة القادم، واذا كان الدستور يُلزم بتسمية المرشح بالاسم وليس وضع أوراق بيضاء، فمَن يدري وقد تحصل مفاجأة وهو ان يعلن حزب الله وضع اصوات كتلته بتصرف العماد ميشال عون لاختيار رئيس الحكومة المقبل، رغم ان هذا الأمر مستبعد حالياً لكن يبقى وارداً والسبب هو انه قبل 48 ساعة من معركة رئاسة الجمهورية لم يعلن حزب الله رسمياً ولا قام بتبليغ الرئيس الحريري رسمياً او صدر بيان رسمي عن حزب الله في هذا المجال انه سيرشح الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، اضافة الى ان الامر مرتبط بنتائج انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستحصل، وعدد الاوراق البيضاء واسم الوزير سليمان فرنجيه وعدد الاصوات التي سينالها المرشح الثاني لرئاسة الجمهورية.

ـ جنبلاط يؤيد عون ـ

عند الساعة الثامنة والنصف من مساء أمس وصل العماد ميشال عون الى كليمنصو حيث استقبله جنبلاط بكلمة «مبروك» وأبلغه القرار التالي، وهو ان اكثرية اعضاء اللقاء الديموقراطي سيؤيدون العماد عون اما نواب الحزب التقدمي الاشتراكي فهم ملزمون وملتزمون بتأييد العماد عون لرئاسة الجمهورية. وجرى تبادل الحديث عن دور جنبلاط في المرحلة المقبلة ودور الرئيس عون ولفت النظر ان جنبلاط اراد تمرير رسالة وهي انه طبعاً سينسق مع العماد عون لكنه ذكر اسم الرئيس بري واسم الرئيس الحريري كرئيسين للتنسيق معهما ايضاً، وجنبلاط اخذ قراره بشأن الانتخابات الرئاسية بتأييد عون لأنه يعتقد ان الانتخابات النيابية لن تجري على اساس النسبية، ولن يتم اقرار هذا القانون وبالتالي ستحصل الانتخابات على اساس قانون 1960، وهكذا ربح جنبلاط السنة في اقليم الخروب عبر دعم الحريري لرئاسة الحكومة وربح المسيحيين في الجبل عبر دعمه للعماد عون، وبالتالي اصبح النائب جنبلاط الاقوى على الاطلاق في شكل لا مثيل له سابقاً الا في حرب الجبل سنة 1985 سواء في عاليه ام في الشوف وسينعكس ذلك لاحقاً على راشيا وحاصبيا.

ـ بري شخص آخر ـ

بعد الانتخابات الرئاسية يوم الاثنين وبعد وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية سنرى الرئيس نبيه بري شخصا اخر ابتداء من يوم الثلاثاء والرئيس نبيه بري الذي اعلن انه سيعارض وسيخوض «الجهاد الأكبر» سيلعب دوراً ايجابياً جداً ولن تحصل معارضة جدية من قبله بل سيشارك في الحكومة وسيعمل على تحقيق انجاز قانون جديد للانتخابات النيابية على اساس النسبية، وهنا سيختلف مع الرئيس الحريري بشأن النسبية. اما بالنسبة للعماد عون فهو متفق مع بري على النسبية وكذلك القوات اللبنانية لكن تيار المستقبل لا تناسبه النسبية لذلك سيكون بري شخصا آخر، يؤيد هنا ويعارض هناك وحتى في اليوم الواحد سيكون له عدة تصريحات ومواقف لأن الاحداث ستكون سريعة ودقيقة، وبري لا يريد تضييع الوقت، وكل ما قيل قبل الجلسة عن معارضة وانشاء كتلة معارضة ولا نعرف من يعارض الرئيس بري فهل يعارض عون ام الحريري ام سيعارض الاثنين، لكن الارجح سيدخل الحكومة لأن السر الذي قاله ليل امس للوزير وليد جنبلاط وبينهما فقط  انه سيدخل الحكومة هو والحزب التقدمي الاشتراكي ويكون لهما دورهما المشترك داخلها.

ـ عون رئيساً الاثنين ـ

الاثنين 31/10/2016 وبعد 47 جلسة وانتظار سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي ستحصل الاثنين الاعجوبة وسيتم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وسيكون العماد عون عاطفياً جداً اثناء القاء كلمته لأنه سيتذكر 13 تشرين الأول 1990 يوم خرج من قصر بعبدا ويوم كانت الرئاسة قريبة منه على مستوى الجمهورية، وعلى الارجح سيطلب العماد عون من الرئيس بري عقد خلوة بينهما ليرتاح في مكتب بري سواء قبل الخطاب او بعد الانتخاب والخطاب لان العماد عون سيكون متأثراً جداً والبعض يقول انه سيتذكر الشهداء وقد تسيل دمعة على خده وستكون الدمعة التاريخية.

ـ التهاني والاستقبالات ـ

بعد ذلك، ستجري التهاني بانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية في 6 تشرين الثاني وسيكون الزحف الشعبي ضخماً جداً جداً وعند استشارة العماد عون بالموضوع والخوف الامني من دخول احد المندسين بين المهنئين طلب العماد عون السماح للناس بتهنئته شرط اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة. اما بالنسبة للوزراء والنواب والشخصيات والسفراء سيتم فتح 3 صالونات للانتظار فيها، ويتم دعوتهم تباعاً لتقديم التهنئة للعماد عون الذي سيكون محاطاً بأركان الدولة، وهذا الأمر اشار اليه المرشح النائب سليمان فرنجيه عندما تم سؤاله عن التهنئة فقال: «سيتعلق الأمر بفترة الانتظار والصالون الذي سننتظر به» واذا طال انتظار الوزير فرنجيه بتقديم التهنئة فمن الممكن ان يذهب ويغادر القصر دون تقديم التهنئة، وبروتوكول القصر الجمهوري يعمل ليلا نهارا على تسيير الأمور.

ـ عون يرفض مشاركة مقبل ـ

وعلمت «الديار» ان العماد ميشال عون لا يريد ان يشارك نائب رئيس الحكومة سمير مقبل في تقبل التهاني بل يريده ألاّ يحضر وربما اوصل خبرا له في هذا المجال، كما أوصل خبراً لثلاث شخصيات وزارية او غير وزارية، ولا نستطيع الكشف عنها، بألا يحضروا الى القصر لتقبل التهاني والامر لا يلزم  ان يتشاور العماد عون مع بري  والحريري لأن عون اعتبر ان الناس جاءت لتهنئته بانتخابه رئيساً للجمهورية وهو لا يأخذ صورة تذكارية مع رئيس الحكومة الجديد والوزراء كي يسأل مَن يأتي ومَن يغيب.

ـ التعيينات والفيتوات ـ

الرئيس فؤاد السنيورة أبلغ الرئيس الحريري انه يرشح وزير المالية السابق جهاد أزعور ليكون حاكماً لمصرف لبنان الا ان العماد عون وضع فيتو على أزعور وكذلك حزب الله لا يقبل به ولذلك تم استبعاد اسمه عن حاكمية مصرف لبنان، اما شادي كرم المستشار الاقتصادي للرئيس ميشال سليمان فقد وضع العماد عون فيتو عليه لانه كان مستشارا للرئيس سليمان ويعتبر أن شادي كرم وفق خبراء ماليين لا يصلح لأن يكون اكثر من مدير مصرف فكيف بحاكمية مصرف لبنان؟ وفي المعلومات المسربة ان العماد عون والرئيس الحريري اتفقا على اثنين وذلك وفق مصدر في اقصى 8 آذار، والاتفاق هو ان يبقى حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامه حاكماً للمصرف المركزي، وان يأتي العميد كلود حايك قائداً للجيش اللبناني وان يأتي العميد بخعازي قائداً للحرس الجمهوري، وهناك ضابط مرشح ان يكون مديراً لمخابرات الجيش اللبناني لكنه ليس من المقربين جدا من العماد عون وانما ذكي جداً ورتبته غير عالية فهو برتبة رائد لكنه قادر على تغيير مديرية مخابرات الجيش من جذورها وتعيين ضباط من دورته او من دورات أدنى، بشكل يجعل من مديرية المخابرات تصبح بحركية قريبة من أجهزة لمخابرات الدولية وهو كان يدفع من جيبه أحياناً ثمناً لسلاح اشارة بقيمة 2000 دولار، لأن قيادة الجيش لم تكن تسلمه هذا الجهاز وعبر هذا الجهاز كان يصل الى اعتقال عصابات يقومون بخطف اشخاص وسرقة سيارات، لكن يجب ان يقتنع العماد عون به كي يأتي مديرا لمخابرات الجيش اللبناني انما الذي يعرف عن الرائد جيدا ويعرف حجمه وطاقاته هو المرشح لقيادة الجيش اللبناني العميد الركن كلود حايك.

 

الجمهورية :

مع دخول البلاد في مدار «الاثنين الكبير» الذي سيطلِق مرحلة سياسية جديدة، تنبئ المعطيات أنّ جلسة الانتخاب السادسة والأربعين بعد غدٍ الاثنين لن تشبه سابقاتها، وتدلّ المؤشرات إلى أنّ الشغور الرئاسي الذي امتدّ لعامين ونصف عام سيُملأ بانتخاب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب میشال عون رئيساً للجمهورية، فيَدخل قصرَ بعبدا مجدّداً في 31 تشرين الأوّل 2016، بعدما خرج منه في 13 تشرين الأوّل 1990، مُتسلّحاً بنسبة أصوات مرموقة، بعدما كرّرَت المملكة العربية السعودية مباركتَها ما يتّفق عليه اللبنانيون، فيما أكّدت كتلة «المستقبل» تأييدَ خيار الرئيس سعد الحريري دعمَ ترشيح عون، وكذلك رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط. وتزامناً واصَل «التيار الوطني الحر» استعداداته للاحتفالات وأعلن وزير التربية الياس بوصعب إقفالَ المدارس والجامعات يوم الانتخاب. وستترقّب الأوساط الموقفَ الذي ستعلنه كتلة «التنمية والتحرير» اليوم إثر اجتماعها برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي العائد من جنيف.

مع بدء العدّ العكسي لجلسة الانتخاب الرئاسي، حفلت الفترة الفاصلة عنها بالمشاورات والحراك السياسي والديبلوماسي في كلّ الاتجاهات بغية توفير مناخات إيجابية وتأمين التوافق قبل الجلسة.

الموفد السعودي

وفي غمرة هذه التطورات، واصَل الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان جولاته على المسؤولين اللبنانيين قبَيل جلسة الانتخاب. وقال عددٌ ممّن التقاهم في زيارته لـ«الجمهورية» إنّه وبعد سؤاله لهم عن قراءتهم للتطورات وتقييم الوضع في لبنان من جوانبه المختلفة أكّد أنّ بلاده تبارك للبنانيين أيّ تفاهم لإجراء الانتخابات الرئاسية، فقد طال وضعُ البلد بلا رئيس للجمهورية وإن كان الدستور قد نصّ على انّ الحكومة تقوم مقام رئيس الجمهورية وكالةً، فهو وضعٌ لا يعتقد أن بلداً في العالم قد شهدَ مثيلاً له سابقاً.

ولفتَ السبهان الى انّ المملكة شجّعت من التقَتهم من اللبنانيين على الحفاظ على وحدة لبنان ومؤسساته، وهي حريصة على علاقاتها مع مختلف القيادات اللبنانية التي سيلتقيها جميعُها ما عدا تلك التي تعتبرها «منظمات إرهابية»، وهي ابلغَت الى الجميع انّها لا تريد التدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية، على رغم إدانتها العلنية لتدخّلِ بعض المنظمات اللبنانية في الشؤون الداخلية في عدد من الدول العربية والخليجية تحديداً، في إشارة واضحة الى دور «حزب الله» في البعض منها، وتحديداً في اليمن.

وجدّد السبهان باسمِ القيادة السعودية تأكيد استمرارها في الاهتمام بالوضع اللبناني ومراقبة التطوّرات بدقّة متناهية مهما اشتدّت الأزمات في المنطقة، «فلبنان عزيز علينا جميعاً، وهي تريد ان يستعيد لبنان حضورَه العربي المميّز في العالم».

وفي الشأن الإقليمي والدولي شدّد السبهان على سياسة المملكة في الشؤون الخارجية، معتبراً أنّها واضحة وصريحة ولا تحتمل ايّ لبسٍ، وهي حريصة على امنِها القومي كما على الأمن والمصالح الحيوية ضمن ما تنصّ عليه الاتفاقات والأعراف الدولية.

وكان الموفد السعودي قد واصَل جولته على القيادات اللبنانية، فتنقّلَ بين الرابية ومعراب وبكركي ودار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بعدما كان التقى الرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

عند المرّ

وزار السبهان مساء أمس نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر في مكتبه في العمارة، بحضور رئيس البعثة الديبلوماسية السعودية في بيروت وليد البخاري. وخلال اللقاء نَقل السبهان إلى المر تحيّات القيادة السعودية وتنويهَها بالدور الوطني الذي يضطلع به إلى جانب مختلف القيادات اللبنانية في الحفاظ على لبنان ووحدته واستقراره.

وأكّد أنّ المسؤولين السعوديين يَدعمون كلّ ما يتّفق عليه اللبنانيون في شأن انتخابات رئاسة الجمهورية وغيرها من القضايا التي تحقّق للبنان المزيد من الاستقرار والنماء والازدهار. وقال إنّ المملكة حريصة دوماً على لبنان وحريصة على ما يشكّله من نموذج عيش مشترَك ومن تنوّع، فهو بوّابة العرب على الغرب.

ومن جهته، أبدى المر ارتياحَه الى زيارة الموفد السعودي للبنان، وأكّد حرصَ لبنان على علاقات الأخوّة التاريخية بين لبنان والمملكة العربية السعودية لِما تشكّله من خير لمصلحة البلدين الشقيقين. ونوَّه بوقوف المملكة الدائم إلى جانب الشعب اللبناني، مؤكّداً أنّها لم تقصّر يوماً في تقديم العون والمساعدة للّبنانيين على الخروج ممّا يمرّون به من أزمات. وحمّلَ المر الموفد السعودي تحيّاته إلى القيادة السعودية مشجّعاً على مزيد من الزيارات والتواصل بين البلدين.

عون في السراي وكليمنصو

في غضون ذلك، واصَل عون مروحة لقاءاته، فزارَ، يرافقه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، رئيسَ الحكومة تمام سلام في السراي الحكومي، قبل ان ينتقل الى كليمنصو للقاء جنبلاط الذي اعلنَ أنّ نواب «اللقاء الديموقراطي» توافقوا على تأييد ترشيح عون للرئاسة، وأنّ «هذا الأمر سيُترجَم عملياً في مجلس النواب الاثنين.

وإذ أشار إلى أنّ اجتماعاً أخيراً سيُعقد اليوم مع «اللقاء الديموقراطي» للتشاور، لفتَ إلى أنّ غالبية «اللقاء» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» مع ترشيح عون للرئاسة. ورأى أنّه «آنَ الأوان لأن نخرج من الدوّامة التي نعيش فيها».

وقال جنبلاط: «يبدو أنّ ظروفاً محلية، صنِع في لبنان، لكنّ أيضاً هناك ظروفاً دولية وإقليمية تساعد في هذا الأمر». وتمنّى كلّ التوفيق لعون، مشدّداً على الوقوف إلى جانبه «من أجل مصلحة لبنان».

من جهته شكرَ عون لجنبلاط تأييدَه للرئاسة، وقال: «سنتعاون معاً لبناء لبنان وتحسين الواقع الاجتماعي والوحدة الوطنية».

جنبلاط عند بري

وكان جنبلاط قد توجّه الى عين التينة فور عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من جنيف، شارحاً له حيثيات موقفِه بما يتعلق بانتخاب الرئيس الاثنين. وقال: «هناك بعض من التفاوت، وفي النهاية هناك تاريخ قديم من النضال تعمَّد بالدم في سبيل قضية عروبة لبنان وفلسطين». وأكّد جنبلاط أنّ «بري رَجل الدولة الأوّل الحريص على سير المؤسسات والاستقرار».

كتلة «المستقبل»

وعلمت «الجمهورية» أنّ بيان كتلة «المستقبل» بعد اجتماعها أمس أُقِرّ بالإجماع، ولا أحد من النواب الحاضرين اعترَض عليه لدى مناقشته، بمن فيهم السنيورة والنوّاب عمّار حوري ومحمد قباني وسمير الجسر.

وفي المعلومات أنّ عضو الكتلة النائب أحمد فتفت الذي سافر الى باريس امس سيعود للمشاركة في جلسة الانتخاب، وكذلك النائب غازي يوسف.
وكانت الكتلة قد كرّرت في بيانها الذي تلاه النائب محمد كبارة التزامَها حضور جلسة الانتخاب، وأكّدت دعمها خيارَ الحريري تأييدَ ترشيح عون وأملت في «أن يكون انتخابه يوم الإثنين بدايةً لمرحلة وطنية جديدة لمصلحة لبنان وكلّ اللبنانيين».

وسبقَ اجتماع الكتلة إعلان كبارة أنّه يدعم توجّه الحريري «لإنقاذ البلد من المخطط الذي عطّله لأكثر من سنتين، كما من مؤامرة تجويف الدولة إلى درجة إلغاء الوطن بعد الانتخابات الرئاسية.» وقال لـ»الجمهورية»: «لقد تريثتُ في إعلان موقفي، علماً أنّني في الأساس مقتنع وملتزم مع خياري وخيار الرئيس الحريري، وهذا أمر ثابت، والخيار الذي اتّخذه الرئيس الحريري هو خيار كبير لإنقاذ البلد وإعادته الى وضعه الطبيعي على كلّ المستويات والمؤسسات، من رئاسة الجمهورية الى مجلس النواب الى الحكومة، ويجب أن لا ننسى الوضع الاقتصادي، والأهمّ الوضع المالي الخطير جداً».

في الرابية

وقد حضَر الملف الرئاسي في الرابية التي سجّلت حركةً ديبلوماسية في اتّجاهها، فزارها كلّ مِن السفير الفرنسي ايمانويل بون والسفير المصري نزيه النجاري الذي أعلنَ ترحيب بلاده بما تنتِجه التفاهمات السياسية في لبنان، وأكّد أنّه حان وقت إنهاء فترة الشغور الرئاسي.

الراعي

وفي المواقف، دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الإعلاميين الى أن يكونوا «السَند الأساس للرئيس العتيد»، وقال: «الرئيس القوي يكون قوياً بشعبه، ويكون قوياً عندما نسانده، وعندما نعيش جميعاً محافظين على وطننا. وهنّأ اللبنانيين بالرئيس الجديد، وقال: «الفرحة تعتلي الوجوه، فالاثنين سيكون لنا رئيس بعد سنتين ونصف سنة».

 

 

اللواء :

بدءاً من منتصف الليلة، تؤخّر الساعة ساعة واحدة، مع دخول البلاد التوقيت الشتوي، وبدءاً من منتصف بعد غد الاثنين من المفترض ان ينتهي الشغور الرئاسي الذي تجاوز الثلاثين شهراً، بمباركة عربية عكستها زيارات الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان، والتي شملت في يومها الثاني الرؤساء: سعد الحريري، وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي والمرشح الرئاسي النائب ميشال عون ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إضافة إلى الرؤساء الروحيين: مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والبطريرك الماروني بشارة الراعي ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، على ان يزور الرئيس نبيه برّي اليوم والمرشح الرئاسي الثاني النائب سليمان فرنجية ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي، ويولم له مساءً الرئيس الحريري في «بيت الوسط»، من دون ان يجزم مصدر واكب الزيارة ما إذا كان الوزير السبهان سيحضر جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قبل ان يغادر لبنان.
واعرب مصدر نيابي في كتلة «المستقبل» عن اعتقاده بأن مغزى الزيارة هو التأكيد على عودة الاهتمام بلبنان من دون ان يعني ذلك دعم مرشّح بعينه.
ولفت المصدر إلى ان الوزير السعودي الذي يعرف لبنان جيداً، شدّد خلال لقاءاته على ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي، وأن المملكة على مسافة واحدة من الجميع، مع تجديد التأكيد على أهمية تثبيت دعائم الاستقرار من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، والتشديد على حرص المملكة على دعم الاعتدال في لبنان.
وكاد المشهد السياسي الداخلي يكتمل مع إعلان النائب جنبلاط انه «تفاوت» شكلاً مع الرئيس برّي في الموقف من انتخاب النائب عون، مذكراً بتاريخ حافل بين الرجلين، في لقاء وصفه وزير الصحة وائل أبو فاعور بأنه «لقاء تفهم وتفاهم»، فيما كان النائب عون يكمل لقاءات الشكر والبروتوكول من السراي إلى كليمنصو في أجواء بدت تطلعية وقلقة في الوقت نفسه، بمعزل عن قرار وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب بتعطيل المدارس الرسمية والخاصة والجامعات، لاعتبارات تتعلق «بالعرس» و«اليوم التاريخي» الذي لم تر فيه حركة «أمل» الا يوماً عادياً، فقررت مؤسسات «أمل» التربوية التدريس الاثنين في مدارسها في بيروت والجنوب والبقاع.
على ان السؤال الذي تضمن قلقاً وريبة يتعلق بالرسالة النصية التي بعثت بها سفارة كندا في لبنان إلى رعاياها تطلب منهم تجنّب التنقل والاجتماعات في الأسبوع الذي يلي انتخاب عون وحجز أنفسهم في المنازل بعد تجهيزها بمياه تكفي لخمسة أيام وبطاريات ومصابيح في حال انقطعت الكهرباء وطعام صالح للتخزين وكمية احتياطية من الماء.
وازاء أجواء الحذر والترقب، وبعد إجازة المدارس، قررت مجموعات كبيرة من النّاس تمضية «الويك اند» خارج بيروت وتجنب التحركات إلى ما بعد الثلاثاء، فيما رفعت القوى الأمنية من منسوب اجراءاتها سواء لتوفير الحماية لجلسة الانتخاب، أو حماية الأماكن العامة، لا سيما المحيطة بساحة النجمة، وتعزيز الإجراءات حول دور العبادة والسفارات وعند تقاطعات الشوارع العامة.
كتلة المستقبل
والأبرز من الناحية السياسية إعلان كتلة «المستقبل» بعد اجتماعها برئاسة الرئيس الحريري انها تدعم ترشيح النائب عون، وانها ستحضر جلسة الانتخاب الاثنين وتمارس حقها في الاقتراع الديمقراطي.
هذا البيان الذي وصفه الرئيس الحريري انه يعكس كيف ستصوت الكتلة في الجلسة، مؤكداً ان الكتلة هي كتلة سعد الحريري وقرارها يتخذ في «بيت الوسط» ونقطة على السطر، و«الكتلة معي ومش مع حدا تاني»، رأى فيه مصدر نيابي شارك في الاجتماع انه يعكس مخاض النقاشات داخل الكتلة في ظل اتجاه النواب المعترض