بعد أكثر من سنتين من إطباق تنظيم «داعش« على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (شمال العراق)، بات التنظيم المتشدد على أعتاب هزيمة قريبة في أهم معاقله إثر انطلاق هجوم عسكري واسع النطاق طال انتظاره، لطرد المتشددين من المدينة بمشاركة نحو 60 ألف جندي عراقي مدعومين بمقاتلات ومدفعية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

وبعيد إعلان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي انطلاق المعركة فجر أمس، احتدمت المعارك على محاور عدة في محيط مدينة الموصل، تمكنت خلالها القوات العراقية والبيشمركة الكردية من تحقيق مكاسب مهمة على الأرض في المرحلة الأولى من الهجوم على الموصل، في ظل طلعات جوية كثيفة للطيران الأميركي والفرنسي والعراقي، أسفرت عن تدمير نحو 60 في المئة من منصات الصواريخ والمضادات الأرضية التابعة لـ»داعش« فضلاً عن عدد من حقول الألغام المحيطة بالمدينة وسط ارتباك واضح للتنظيم المتطرف.

وتحتل معركة الموصل أهمية بالغة على المستوى الدولي لكونها لحظة مفصلية في مستقبل التنظيم لما يملكه من إمكانات عسكرية ضخمة أتاحت له السيطرة على أجزاء واسعة من العراق وسوريا.

ومع تأكيد رئيس الحكومة تحقيق تقدم جدي على الأرض في المعركة، ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية في قيادة عمليات تحرير نينوى، فإن «الساعات الأولى من الهجوم أسفرت عن تقدم واضح للقوات المهاجمة من مختلف المحاور وسط مقاومة ضعيفة لمقاتلي «داعش« أبرزها في مناطق المحور الجنوبي والشمالي«.

وأشار رئيس أركان قوات البيشمركة الكردية الفريق جمال محمد إلى أن «العدد التقريبي لمسلحي «داعش« في الموصل بين 10 و15 ألف مسلح»، موضحاً أن «المعركة لا تزال في بداياتها، ومن المبكر الحديث عن توقيت أو موعد اقتحام المدينة«، إلا أن مصدراً مطلعاً أبلغ صحيفة «المستقبل« أن «التقديرات العسكرية العراقية تشير الى أن معركة إحكام السيطرة على معظم مناطق محافظة نينوى ومنها مدينة الموصل، ستستغرق نحو 3 أشهر، قابلة للتعديل بحسب مستجدات الأوضاع الميدانية«.

وأعلن قادة ميدانيون أن خطوط الصد الأولى للتنظيم، بدأت بالانهيار مبكراً مع شدة القصف الجوي والمدفعي وتقدم القوات العراقية باتجاه المدينة من محاور عدة، على حد تعبير قائد عمليات نينوى اللواء نجم الجبوري.

ولفت قائد الشرطة الاتحادية العراقية الفريق رائد شاكر جودت الى تقدم قطعات الرد السريع 6 كيلومترات باتجاه جنوب الموصل. 

وأفادت مصادر عسكرية أن «خطوط الصد الأولى لـ»داعش« في محور بعشيقة، انهارت، وأن راجمات الشرطة الاتحادية تكثف قصفها على المحور الشرقي من الموصل وتقطع تحركات داعش«.

وأشار مصدر أمني في محافظة نينوى الى أن «قوات البيشمركة بدأت العمليات العسكرية في محور الخازر (45 كيلومتراً شمال الموصل) من ثلاثة محاور هي أربيل ــ الموصل، وجبل عين الصفرة وردك، حيث دارت اشتباكات عنيفة، لافتاً الى أن «قوات البيشمركة تمكنت من تحرير سبع قرى في المحور، في ظل غارات جوية مكثفة للتحالف الدولي على مواقع داعش في محور الخازر«.

وأشار المصدر إلى أن «قوات البيشمركة تصدت لهجومين انتحاريين لـ»داعش« بسيارة وصهريج مفخخين عند محور الخازر، وذلك قبيل وصولهما إلى أهدافهما في قرية شاقولي«، لافتاً إلى أن «الجيش العراقي بدأ بالتحرك من الجهة الشرقية لسهل نينوى نحو الأهداف المرسومة له». 

وكشف عضو في مجلس محافظة نينوى حسام العبار أن «داعش حشد سيارات مفخخة وانتحاريين عند محور الخازر (بعشيقة ــ الحمدانية) (شرق الموصل) لمنع تقدم القوات العسكرية نحو مفرق الحمدانية لكن القوات تتقدم بشكل مستمر«.

وحول وضع «داعش« داخل الموصل، أكد العبار أن «الجانب الأيسر من المدينة يكاد يكون خالياً من عناصر التنظيم« لافتاً إلى أن «حالات هروب كبيرة يشهدها التنظيم في الجانب الأيمن للموصل«، مؤكداً أن «قوات مكافحة الإرهاب نفذت إنزالاً جوياً تمكنت خلاله من السيطرة على حقل المشراق للكبريت، شمال الموصل، الذي كنا نخشى أن يحرقه التنظيم«.

ورجح القائد العسكري الجديد للتحالف الدولي ضد داعش، الجنرال ستيفن تاونسند أن تستغرق عمليات استعادة الموصل «أسابيع أو أكثر وستكون طويلة وصعبة«، مشيراً في تصريح الى أن «العراق يتلقى الدعم من قبل مجموعة واسعة من قوات التحالف بما في ذلك الدعم الجوي والمدفعية والاستخباراتي والمستشارين والمراقبين الجويين«.

وأضاف تاونسند أن «المعركة تبدو طويلة وصعبة، لكن العراقيين استعدوا ونحن نقف إلى جانبهم»، لافتاً الى أن «التحالف قام بتأهيل وتجهيز أكثر من 54 ألف رجل من أفراد القوات العراقية«.

ومع انطلاق عملية تحرير الموصل من «داعش«، تتمسك الحكومة العراقية برفضها القاطع لمشاركة أي قوة أجنبية برية بالعملية وخصوصاً القوات التركية الموجودة في بعشيقة والتي اعتبرتها «قوات معادية» على الرغم من محاولات أنقرة فتح قنوات ديبلوماسية لإقناع بغداد بتوفير دور تركي عسكري في العراق.

وفي أول تعليق رسمي بعد الإعلان عن وصول وفد حكومي تركي عالي المستوى إلى بغداد أمس، بناء لطلب الجانب التركي للتباحث بشأن وجود القوات التركية في العراق، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي إن «الوفد التركي الذي وصل إلى بغداد اليوم (أمس) يريد عقد اجتماعات مع المسؤولين العراقيين بشأن معركة استعادة الموصل«.

وأضاف الحديثي أن «الحكومة العراقية رفضت مشاركة القوات التركية في معركة الموصل»، مشيراً إلى أن هناك «محاولات دولية لحل المشاكل بين أنقرة وبغداد بشأن المعركة التي بدأت منذ فجر اليوم (أمس)».

وأشار الحديثي إلى «عدم وجود تفاهمات جديدة بين أنقرة وبغداد بخصوص معركة استعادة الموصل»، موضحاً أن «جميع القوات المشاركة في معركة استعادة الموصل قوات عراقية، ولا توجد قوات أجنبية«.

وقالت مصادر في الجيش التركي أمس إن «نحو نصف المقاتلين العراقيين الذين دربتهم تركيا في معسكر بعشيقة (في شمال العراق) وعددهم 3000 مقاتل، يشاركون في عملية طرد «داعش« من مدينة الموصل«.

وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حذّر أمس من «نتائج وخيمة» في حال عدم السماح بمشاركة القوات التركية في عملية استعادة الموصل من «داعش«.

يُذكر أن العبادي أطلق في خطاب متلفز فجر أمس عمليات تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم «داعش»، ودعا أهالي الموصل إلى التعاون مع القوات المحررة و»التعايش السلمي مع المكونات كافة بعد التحرير»، مؤكداً أن العملية هي بقيادة الجيش والشرطة الاتحادية.

وقال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في مؤتمر صحافي، إن المعارك حققت نتائج جيدة، معلناً عن تطهير 200 كلم مربع في المرحلة الأولى، وقال «من الصعب تحديد وقت لمعركة الموصل«.

وأضاف أن المعارك تجري وفق المخطط لها وتوجيه ضربات لداعش، مؤكداً على وجود تنسيق عالٍ بين الجيش العراقي والبيشمركة.

وقال إن هناك اتفاقاً مع حكومة بغداد حول الأراضي التي سيتم استعادتها، متمنياً أن تكون هناك خطط سياسية كما الخطط العسكرية. وأضاف «نعمل على أن لا تكون هناك أي مشاكل سياسية وأمنية مع حكومة بغداد»، مبيناً أنه لا تغييرات حول التنسيق بين بغداد وأربيل.

وشدد بارزاني في حديثه على أهمية التفاهم بين بغداد وأنقرة. وطمأن أهالي الموصل بالحفاظ على أمنهم وممتلكاتهم.

ويشارك في معركة الموصل عشرات الآلاف من عناصر الجيش العراقي والبيشمركة الكردية ومقاتلين من عشائر سنية، في حين تراوح تقديرات عدد مقاتلي تنظيم «داعش« بنحو ألفي عنصر في المدينة.