قبل أيام قليلة، اتهمت محكمة أميركية في مدينة ميامي 3 لبنانيين ادعت بأنهم على صلة بحزب الله، بتبييض أموال عصابات المخدرات الكولومبية. محمد أحمد عمّار (31 عاماً) المقيم في مدينة ميدلين الكولومبية (عاصمة تجار المخدرات) اعتُقل في لوس أنجيليس الشهر الماضي، في حين احتُجز اللبناني الكندي حسن محسن منصور في باريس حيث يُواجه اتهامات مرتبطة بقضية تبييض أموال أخرى في جنوب فلوريدا. المتهم الثالث غسان دياب يُقيم بين لبنان ونيجيريا، ويُوصف بأنه “مسؤول كبير في حزب الله”، غير معتقل ومتوار عن الأنظار، بحسب مواقع اخبارية أميركية.
العملية كانت فخاً نصبه محققون أميركيون باستخدام نصف مليون دولار أسترالي طلبوا من المتهمين تبييضها، وهي مهمة نفذوها بنجاح. لكن المحققين كشفوا أن عمّار تفاخر بشبكة علاقاته، سيما صلته العائلية بـ”حزب الله” وكارتيل ”لا أوفيسينا دي إنفيغادو“، إحدى أبرز شبكات الجريمة والمخدرات في كولومبيا. 
مثل هذا الإتهام العلني لحزب الله بالتورط في تبييض الأموال وتجارة المخدرات، ليس الأول من نوعه في الولايات المتحدة، بل سبقه كثير من التصريحات والتقارير والتحليلات، بينها المنطقي والمفصّل وبينها المُضخّم أو فاقد الصدقية. لكن هناك ظاهرتين لافتتين في قصة نشاط حزب الله في أميركا اللاتينية، ترتبطان بهدفه وبالعلاقات الممهدة والمرتبطة به. 
لجهة الهدف، لن يتورط حزب الله أو قيادي فيه في تهريب مبالغ صغيرة نسبياً في ظل مخاطر كبيرة، إلا لسبب وجيه. من الصعب اقتفار آثاء أموال تجارة المخدرات، سيما في حال استخدامها في عمليات أمنية خارج لبنان، وربما داخله أيضاً. وهذا النهج واضح في عمليات أمنية اتُهم الحزب بالوقوف وراءها، مثل اعتداءات باكو الفاشلة عام 2008. عندها، اعتقلت السلطات الآذربيجانية مواطنين لبنانيين وإدعت بأن أحدهما عميل في وحدة العمليات الخارجية، والثاني خبير متفجرات. وكان في حوزة الرجلين متفجرات وأسلحة، واعترفا بحسب تقارير اعلامية، بالتخطيط لاستهداف اسرائيليين على الأراضي الآذربيجانية. لكن تهريب المخدرات ورد بين الاتهامات ضدهما. إلى جانب الأموال، تؤمن تجارة المخدرات شبكة علاقات محلية قادرة على توفير سبل الفرار والحماية وأحياناً جوازات سفر وهويات مزورة. 
قبل سنتين من اعتداءات باكو الفاشلة، أوقفت السلطات البرازيلية “شبكة بركات” اللبنانية المتهمة  بالتورط في تجارة المخدرات في المثلث الحدودي المعروف بالتهريب. أحد أفراد هذه الشبكة مُتهم أيضاً بالتورط في اعتداءات بوينس آيريس عام 1994، بحسب كتاب أميركي يُوثّق العمليات الخارجية للحزب. ووفقاً للمصدر ذاته، فإن العلاقة العملياتية بين النشاط الأمني للحزب، وبين تجارة المخدرات ”ظهرت بعد اعتقال عناصر أميركية مروان قاضي (المعروف أيضاً بإسم مروان صفدي) عام 1996 بعد مراقبته السفارة الأميركية في الباراغواي في اطار خطة لاستهدافها“. وكانت محكمة كندية دانت قاضي بتهريب الكوكايين من البرازيل، لكنه فرّ بمساعدة خارجية. 
المسألة الثانية المثيرة للاهتمام هي الخلفية العسكرية والأمنية لعصابات يُتهم ”حزب الله“ بالارتباط بها، مثل ”لوس زيتاس“ المكسيكية و”لا أوفيسينا دي إنفيغادو“ الكولمبية. وهذه عصابات استقت عناصرها إما من القوات الخاصة (لوس زيتاس المكسيكية) أو فرق الموت الموالية للحكومة الكولمبية، وهم غالباً من طبقات مسحوقة. كما تلقى بعض شركائهم أو عملائهم اللبنانيين تدريبات عسكرية في معسكرات حزب الله، وفقاً لتقارير حكومية أميركية. وهذه علاقة جديرة بمزيد من الدراسة لتبيان كافة جوانبها.
بيد أن ”حزب الله“ تنظيم عسكري فحسب، وهو متصالح مع هذه الهوية، إذ لم يُقدم نموذجاً يُحتذى به لا في البلديات أو في وزارات تناوب عليها قياديوه منذ عام 2005. لم ينتج الحزب مجلساً بلدياً نموذجياً مثل زحلة حيث باتت الكهرباء والخدمات على مدار الساعة، بل تتسم إداراته المحلية بقلة الكفاءة، وأحياناً تُتهم بالفساد. 
والفرد الذي يُنتجه ”حزب الله“ من مدارسه إلى كشافته ومؤسساته الأخرى، لا يؤدي سوى هذه الوظيفة العسكرية، ما يُفسر جزئياً الفشل المتواصل في العمليات الأمنية الخارجية. والاعتقالات والاعلانات باتت متكررة خلال السنوات الماضية، إلى حد بات بالإمكان الجزم بأن الجهاز الخارجي لو كان موجوداً كمؤسسة مستقلة، يقتصر عمله على تهريب المخدرات وتبييض الأموال.

 

 
مهند الحاج علي