زادت مذكرة التفاهم التي وقَّعتها بلدية بيروت مع بلدية كوبنهاغن (ترجمة لقرار المجلس البلدي البيروتي باعتماد خيار التفكيك الحراري لنفايات بيروت وتوليد الطاقة)، الأمور تعقيدا بدل ان تساهم في الحل.
وزاد اعلان رئيس بلدية بيروت عن نيته المباشرة بمناقصات لاستدراج عروض تأهيل الشركات (لمعالجة نفايات بيروت البالغة 600 طن يوميا)، الامور تعقيدا بعد ان نسف عمليا المناقصات التي أعدها مجلس الانماء والاعمار لتأهيل شركات يمكنها معالجة 2000 طن من النفايات.. في وقت لا تزال النفايات المتراكمة في قسم من مناطق المتن وكسروان، إثر الاعتصام الكتائبي، من دون حل، ولم يتم ايجاد اماكن لمعالجة نفايات الشوف وعاليه. ويستمر احراق النفايات المتراكمة عشوائيا في منطقة الناعمة بشكل يذكّر بكوارث الحرب الاهلية!
بالرغم من كل ذلك، بقي الحدث الابرز هذا الاسبوع هو خيار بلدية بيروت باعتماد خيار الحرق الذي بدأت طلائع تنفيذه باتفاقية التعاون مع بلدية كوبنهاغن وبندوة ترويجية شارك فيها خبراء غربيون للمساهمة في اقناع «الجمهور» بهذا الخيار.
كان لافتا للنظر في الندوة التي نظمتها بلدية بيروت، استخدام خبراء النفايات اسلوب المحامين الذين يهملون نقاط ضعف موكليهم ويركزون على نقاط القوة اثناء المرافعات، حتى ضاعت الحقيقة مع كثرة الارقام والبيانات التي بدت علمية ومحايدة.
أثناء الشرح عن كلفة إنشاء وتشغيل محرقة لبيروت وكلفة استثمار المعدات الكهربائية والميكانيكية، برز الآتي: إن كلفة تركيب المحرقة يبلغ 150 مليون دولار، والمعالجة للغازات المنبعثة 60 مليونا، ومولدات الكهرباء 22 مليونا، وتوصيلات الكهرباء والتدفئة 10 ملايين، والمراقبة 15 مليونا. بالإضافة الى كلفة الصيانة والتشغيل المقدرة بما يقارب 30 دولاراً للطن تقريبا. أما الصيانة، فقد تم تقديرها بما لا يتجاوز 3 في المئة من مجمل الاستثمار لأقل من عشر سنوات تشغيل. واللافت إعلان الخبراء أن كلفة المعالجة وإدارة النفايات في كوبنهاغن تقارب 430 يورو على المنزل في السنة، إذا كانت كفاءة الطاقة من حرق النفايات هي 22 في المئة فقط!
الا ان كل تلك الارقام لم تستند الى ارقام تتعلق بحجم وقدرة الاستيعاب اليومية، ولا الى نوعية النفايات وحجم الفرز ونوعه قبل الوصول الى المحرقة، مع العلم ان توليد الطاقة من النفايات يحتاج الى بنية تحتية غير موجودة في لبنان، لا سيما وصل المحطة بشبكات الكهرباء. وقد أكد أكثر من خبير من خارج دائرة المصالح الاستثمارية انه لا يمكن تحديد الكلفة، إذا لم تتم معرفة نوعية النفايات وطرق المعالجة من لحظة تولد النفايات الى طرق الفرز والنقل والمعالجة الاولية والثانوية والنهائية.
ماذا نفعل بالرماد الخطر؟
اما لناحية المتبقيات من المحرقة من رماد متراكم ورماد متطاير وعالق في الفلاتر، فقد اختارت الخبيرة أولا روتغر التي شاركت في الندوة، الحد الأدنى للمعايير وغضت النظر عن الحد الاعلى للاسباب الترويجية نفسها!
على سبيل المثال، قالت ان الرماد المتبقي بعد الحرق هو 170 كلغ/طن، في حين ان المعدل بحسب الدراسات الجامعية في كوبنهاغن نفسها وفي «الجامعة التقنية الدنماركية»، فقد حددت نسبة الرماد بعد الحرق بين 170 و300 كلغ/طن. اما الرماد المتطاير والذي يعتبر الأكثر خطورة فقد قدرت الخبيرة ان النسبة المتبقية منه هي بمعدل 15 كلغ/طن بينما هو يصل الى 60 كلغ/طن!
ثم قيل ان الرماد المترسب بعد الحرق يمكن ان يستخدم في انشاء الطرق والاسمنت، في حين لا تزال بعض الدول تقوم بذلك بشكل تجريبي وليس على نطاق واسع.
اما الرماد المتطاير الخطر والذي يفترض ان يعلق في الفلاتر (التي تحتاج الى صيانة دورية)، فلا تقنية لمعالجته بعد في العالم، ولا يمكن إعادة استخدامه باي شيء حتى الآن. ويقوم مشغلو محارق في الدول المتقدمة مثل ألمانيا وهولندا بأخذ هذه المتبقيات الخطرة لطمرها في مناجم الفحم او الملح المقفلة في افريقيا، من دون معايير.
القيمة الحرارية المتدنية
يعترف الخبراء بان نسب المواد العضوية الرطبة في لبنان تتجاوز الـ 55 في المئة في حين تتراوح في أوروبا بين 20 ـ 25 في المئة، لذلك يتم اقتراح معالجة المواد العضوية قبل حرقها، اما عبر الفرز من المصدر او عبر التخمير.
وهنا طُرحت أسئلة عدة حول القيمة الحرارية للنفايات في ظل ارتفاع نسب المواد العضوية الرطبة في النفايات اللبنانية. مع العلم، ان الاوروبيين، بحسب «الكونفدرالية الأوروبية لمحطات التفكيك الحراري للنفايات» (سويب)، ومن اجل تحسين عمليات الحرق التي تخفف من نسب الانبعاثات، وصلوا الى مرحلة أقروا فيها انه سيتم تصميم المحارق الجديدة في أوروبا، لا سيما في الدنمارك وبريطانيا، على أساس ان القيمة الحرارية للنفايات هي أكثر من 14 ميغا جول/كلغ، مع العلم ان معظم نفايات أوروبا هي مختلطة بين منزلية وتجارية ونسبتها الحرارية تتراوح بين 9 و11 ميغا غول/كلغ.
واذ أقروا ايضا بان الحد الأدنى لتشغيل محرقة هو بأن لا تقل القيمة الحرارية للنفايات عن 7 ميغا غول/كلغ، تؤكد الدراسات ان القيمة الحرارية لنفايات لبنان هي اقل من هذا المعدل العالمي بكثير.
الافتقار إلى النظام المتكامل
لكن هناك ما هو أخطر.
تعتبر فكرة نقل تكنولوجيا من نظام ما (اجتماعي واقتصادي وعلمي وثقافي وتقني..) إلى نظام آخر، عملية غير منطقية وغير علمية. وتؤكد المصادر العلمية المحايدة أن هناك حاجة الى نظام من الاستراتيجيات والتشريعات لإدارة هذه العملية، بالإضافة الى بنية تحتية غير متوفرة في لبنان. كما هناك حاجة الى التشريعات المتعلقة ببيع الكهرباء بالإضافة الى معايير للانبعاثات، لا سيما الديوكسين الخطر الذي يحتاج الى درجات عالية جدا وغير منقطعة من الحرارة لكي لا يتولد من الحرق، إضافة الى انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
فكيف يتم اللجوء الى خيار الحرق او أي خيار استراتيجي آخر عندما نعلم ان لبنان لا يزال يفتقر الى دراسة تحدد مميزات النفايات في لبنان والقيمة الحرارية لها بالمقارنة مع قيمة اعادة التصنيع ومع قيمة التخفيف؟ كما لا نزال نفتقر الى دراسة استراتيجية للنفايات وتحديد الخيارات والمقارنة بينها وبين المعدات التي تتطلبها والكلفة وإمكانيات البلديات، بالإضافة الى دراسة الوضع القانوني والظروف المحلية والجغرافية لمواقع المعالجة؛ ذلك ان المنفعة الحقيقية للمحارق في الغرب هي في التدفئة والاستفادة من شبكات الغاز أكثر مما في الكهرباء، بالإضافة الى ضرورة وضع خطة للإدارة المتكاملة للنفايات.

 

السفير