عاد الوزير وائل ابو فاعور خالي الوفاض من السعودية، بحيث أدت نتائج زيارته الثانية إلى استكشاف موقف الرياض من مبادرة الرئيس سعد الحريري.يتّجه المناخ السياسي في البلد في طريقين: الأول يعتبر أنّ المبادرة دخلت متاهة استهلاكها؛ والثاني يؤكد أنّ مهلة الوصول الى لحظة نعيها او إعلان نجاحها تحتاج لمرور اسبوعين، يقوم خلالهما الحريري بـ«زيارة الفرصة الاخيرة» إلى السعودية لحسم قراره بشأن الاستمرار بها من عدمه.

ومع دخول المبادرة لحظة انتظار مهلة الاسبوعين، جاء خطاب الامين العام لـ»حزب الله» السيد نصرالله في اليوم التاسع من عاشوراء ليملأ جزءاً من فراغ الاجوبة على الأسئلة الاكثر تأثيراً في نجاح المبادرة او فشلها.

كيف قرأت مصادر متابعة دلالات خطاب نصر الله على مبادرة الحريري؟

منذ العام 2006 أصبح ظهور نصرالله العلني وليس عبر نقل تلفزيوني، يترتّب عليه خطر امني على حياته. يدعي الإسرائيليون أنّ حرب العام 2006 تركت مكسباً واحداً وهو إشعار نصر الله بأنه لم يعد بإمكانه الظهور العلني. ووفق المنطق الاسرائيلي فإنّ خروج نصر الله العلني لمرتين متتاليتين خلال يومين للمشاركة في إحياء مراسم عاشوراء، يتضمّن تحدّياً للمعادلة الاسرائيلية القائلة إنّ «حياته مضمونة فقط في مخبئه».

لا شك في أنّ حسابات اخرى وراء قرار نصرالله بتكثيف ظهوره العلني خلال هذا الاسبوع. وهناك جانب منها متّصل بقيم عاشوراء التي يشكل إرثها عن الشهادة والتضحية، جزءاً كبيراً من «ترسانة» التعبئة العقائدية لعناصر الحزب وقاعدته الاجتماعية.

وعليه اعتاد نصرالله خلال عاشوراء أن يضرب لقاعدته الشعبية، عبر ظهوره العلني مثلاً عملياً ورمزياً عن استعداده الدائم ليكون قدوة للسير في قيمها التي تؤثر التضحية.

لقد ضمن نصرالله خلال خطابيه هذا المعنى، كما ضمّن خطابه عشية اليوم العاشر، الذي اتّسم بأنه موجّه للتعليق الأولي على مبادرة الحريري وما علق بها من سجال داخلي، ثلاث «عبارات مفتاحية» تؤسّس لفهم ماهية تفكيره في المبادرة.

العبارة المفتاحية الاولى وردت عبر وصفه مبادرة الحريري بـ«الشجاعة»، والثانية وصف تفاهم العماد ميشال عون مع الحريري بأنه «طبيعي»، والثالثة تسمية الحريري بـ «فلان» وليس باسمه الواضح لدى الكلام عن مبادلة الرئيس الماروني القوي بالرئيس السنّي القوي.

يساعد فك شيفرة هذه العبارات المقتاحية الثلاث في قراءة خلفيات تفكير نصرالله بالمبادرة، فوصف حركة الحريري ترشيح عون بـ«الشجاعة» تبطن رسالة تشجّعه على المضي بها حتى من دون نيل ضوء اخضر واضح من السعودية، وتريد الإيحاء له بأنه على عكس ما ينصحه البعض بضرورة تجنّبها، لأنها توحي بضعفه، فإنّ الحزب يثمّن شجاعتها ويتعامل معها على هذا الأساس.

ويرى متابعون أنّ استخدام عبارة «شجاعة» كوصف لصاحب المبادرة، بدلاً عن «ضعف» صاحبها، يؤسّس لاتجاه مستقبلي لطرح فكرة لقاء بين نصر الله والحريري يتمّ تحت عنوان حوار «الشجعان»، بمعنى عقده ولو في ظلّ ظروف الاشتباك الإقليمي.

واكثر من ذلك يؤكد هؤلاء أنه في ظرف انعدام الغطاء الاقليمي لمبادرة ترشيح عون، فإنّ مدخلها الوحيد لتصبح ممكنة التحقق هو حصول لقاء بين نصر الله والحريري؛ وقبل ذلك من الصعب تصديق تحقق المبادرة.

أما إطلاق نصرالله عبارة «طبيعي» ليصف حصول تفاهم مسبق بين عون والحريري، فهدفه تصحيح انطباع الحريري عن أنّ الحزب قد يتحفظ على مبادرته، وذلك للسبب السياسي الثاني نفسه (المضاف إلى السبب الاخلاقي) الذي دفعه إلى التحفظ على مبادرته ترشيح النائب سليمان فرنجية؛ ومفادها تقديم الأخير التزامات إلى الحريري في لقائهما الباريسي. وتريد عبارة طبيعي أيضاً، حضّ عون على إنشاء تفاهمات موازية مع الرئيس نبيه برّي.

وهذا التفسير لعبارة «طبيعي» هو الذي جعل مصادر الرابية تصف خطاب نصر الله بأنه «ممتاز» لجهة دلالاته على تسهيل مبادرة الحريري ترشيح عون.

أما عبارة «فلان» التي استعاض بها نصر الله عن تسمية الحريري بالاسم، كرئيس سنّي قوي مقابل عون الرئيس الماروني القوي، فيأتي استخدامها في سياق رغبة نصرالله في ترك مساحة من المناورة لنفسه حيال نقطة اساسية وهي أنّ الحزب لن يكون مستعداً للنظر في موافقته على معادلة رئاستي عون والحريري كنقطة جوهرية ضمن مبادرة الاخير، إلّا بعد أن يرشّح الحريري عون رسمياً.

وفيما قرأت مصادر «التيار الوطني الحر» «عبارة فلان» بوصفها إقراراً غير مباشر بأنّ نصرالله موافق على الشق الثاني غير المعلن من مبادرة الحريري والمتعلق بترؤسه الحكومة خلال العهد العوني العتيد، فإنّ مصادر أخرى رأت أنّ «العبارة المفتاحية الاخيرة» أرادت إبقاء الباب موارباً لجهة نوعية الثمن وحجمه الذي سيقبل «حزب الله» بدفعه لقاء ترشيح الحريري لعون. وتعني عبارة «فلان» أيضاً أنّ نصرالله قد يقبل بالحريري أو بغيره من الزعماء السنّة الاقوياء، وليس به حصراً.

وهذا التوجّه قد يفضي إلى فتح بازار سجالي حول مَن هو الرئيس السنّي القوي، وذلك على وزن السجال الذي ساد في الوسط المسيحي عن كيفية تعريف الرئيس الماروني القوي، وهل يجب قراءة نسب تمثيل الرئيس السنّي القوي، انطلاقاً من نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة أم من نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة وهي الاقرب لعكس نسب التمثيل؟

وما اذا كان الحزب سيسلم برئاسة الحريري لفترة محددة قابلة للتجديد، أم طوال العهد العوني، ام انه سيكون مسموحاً للحزب بموجب التفاهم المسبق المواكب تبلوره لمسار تبلور مبادرة ترشيح عون، مراجعة مواقفه من أنّ الحريري هو الزعيم السنّي الاقوى، وذلك وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية المقبلة.

وأقلّه تعني عبارة «فلان» أنّ الحزب لن يعطي التزاماً مجانياً منذ الآن، ولن يفاوض على الثمن الذي سيعطيه للحريري لقاء ترشيحه عون، إلّا بعد إعلان هذا الترشيح رسمياً.

ناصر شرارة