في مرحلة ما قبل اتخاذ القرار بتأييد ترشيح العماد ميشال عون، يواجه الرئيس سعد الحريري ما واجهه بعد ترشيح النائب سليمان فرنجية.فالحريري عندما أخذ قراره بترشيح فرنجية، كان يعتقد أنه نجح في إيجاد ثغرة في جدار تعطيل انتخاب الرئيس، غير أنّ كلّ الاحداث التي تلت، اكدت أنّ هذا القرار أكبر بكثير من مجرد التسليم لـ»حزب الله» بهذا المرشح الحليف أو بذاك، وأنّ المشكلة أبعد من مجرد زرك «حزب الله» بمرشح لن يستطيع رفضه.

على مدى أشهر طويلة، انتظر الحريري من فرنجية أن يبادر الى العمل مع حلفائه وأوّلهم السيد حسن نصرالله، للنزول الى المجلس النيابي وحضور جلسة الانتخاب، لكن ما حصل أنّ فرنجية نفسه امتنع عن المشاركة في الجلسة، في انتظار كلمة السر من «حزب الله» التي لم تأتِ.

وتحمّل الحريري الكلفة الكاملة لترشيح فرنجية، فيما المرشح المفترض به أن يخوض معركته بنفسه اعتكف، تاركاً الحريري يقلع أشواكه الرئاسية بيديه، حتى إنّ الجلسة الحكومية التي كان يُفترض أن يغطّيها فرنجية بحضوره، ليثبت أنه قطبٌ مسيحي قادر على تغطية نفسه وحلفائه، أضافت تأكيداً على تأكيد، أنّ فرنجية لا يتخطّى السقف المرسوم من الحزب، وأنه يعرف الخطوط الحمر ويقف عندها.

ما يجرى اليوم بعد توسيع الخيارات الحريرية في اتجاه عون يكاد ينبئ بتكرار سيناريو فرنجية. فالجنرال الذي انتقل من كونه مرشح فريق «8 آذار»، الى كونه مرشح «القوات اللبنانية»، ولاحقاً مرشح تيار «المستقبل»، لم يختلف سلوكه عن سلوك فرنجية، للأسباب نفسها.

يراقب عون حلفاء «حزب الله» وهم يعارضون انتخابه علناً وفي السر، انتخابه رئيساً، لكنه لم يقم إزاء هذا الأمر بأيّ خطوة تعطي انطباعاً بأنه مرشح يملك أيّ هامش للمناورة.

قبل توقيع تفاهم معراب وبعده، استمرّ مسؤولون في «القوات اللبنانية» على تفاؤلهم المفرط بأنّ عون يختلف عن فرنجية في قدرته على اتخاذ قرار مستقل، في حال عرقل «حزب الله» وحلفاؤه انتخابه لأيّ حجّة وسبب. هذا التفاؤل ذهب الى حدّ الجزم بأنّ عون قادر متى رشحه جعجع والحريري على اتخاذ قرار بحضور جلسة الانتخاب، حتى لو لم يحضرها الحزب.

ما يبدو حتى الآن أنّ عون لا يختلف في التزامه بالخطوط الحمر عن فرنجية، لا بل إنّ ما يزيد عن ذلك يشي بأنّ عون غير متأكد من موقف «حزب الله»، وهو يصرّ فيما لو رشّحه الحريري على سحب ترشيح فرنجية للمشاركة في جلسة الانتخاب، وذلك يعني أن لا تأييد جعجع له ولا التأييد المتوقّع من الحريري، سيؤدّي الى انتخابه، وهو ما يعيد اللعبة الى النقطة الصفر، أي الى ما قبل ترشيح فرنجية وعون.

ليس سرّاً أنّ الحريري الذي قبل عملياً بتأييد عون من دون أن يعلن ترشيحه رسمياً، يخشى تكرار سيناريو فرنجية، ويخشى أن يُرشّح عون، وأن لا يشارك الأخير في جلسة الانتخاب، بداعي الخوف من مفاجأة انتخاب فرنجية في الجلسة ذاتها، لهذا ليس من المستبعد أن يطلب الحريري من عون ضمانة علنية بالمشاركة في جلسة الانتخاب في حال قرّر تأييد ترشيحه، من ضمن مجموعة من الضمانات الاخرى المتصلة بعدم عرقلة تشكيل الحكومة، وبالموقف من المحكمة الدولية و«اتفاق الطائف»، لكن تبقى ضمانة المشاركة في الجلسة الأهم، لتفادي تكرار سيناريو فرنجية، علماً أنّ جهد عون يتركز الآن على سحب فرنجية، المستمر بترشيحه مدعوماً من الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط والكتل الحليفة لـ»حزب الله».