كان عليها أن تنتظر خريف العمر قبل أن ترى عيناها ذاك اليوم الموعود، ربما محظوظة هي، فغيرها رحل عن هذه الدنيا قبل أن يتمكن من استعادة جنى العمر، كل العمر.

منى استردّت منزلها الكائن في مدينة زحلة من المستأجر بعد أربعين عامًا، بموجب قانون الإيجارات الصادر عام 2014. فالمستأجر الذي صنّفه قانون الإيجارات الجديد من ضمن الفئات الفقيرة، كون دخله لا يتجاوز ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، كان قد ابتاع شقة بقيمة 230 ألف دولار على مقربة من المنزل الذي كان قد استأجره قبل أربعين عامًا ولم ينتقل للعيش فيها، لا بل أبقى الأمر سرّياً، طمعاً بمبلغ من المال يقبضه منّا كبدل إخلاء، كما تقول منى "هذه عدالة اللاعدالة، أن تدفع لمستأجرٍ مرةً واحدة ما لم يدفعه طيلة أربعين عاماً". منى وجدت نفسها تقوم بدور التحرّي حتّى كشفت أمر الشقة الجديدة التي لا تبعد أكثر من 600 متر عن المأجور، وبفضل اثبات امتلاكه لمنزل آخر تمّ اعفاؤها من دفع تعويض له، وحكم القضاء باخلاء المأجور.

النهاية ليست سعيدة تقول منى لـ "لبنان 24"، "الشقة التي سلمناها له قبل عشرات السنوات بتاخد العقل وأعادها إلينا بحالة كارثية. يبدو أنّه لم يكلّف نفسه دهن أو تصليح ما أفسد في المنزل الذي يقطنه بشكل شبه مجاني طيلة هذه السنوات، وهو الذي يدفع لنا قيمة تأجيرية لم تتجاوز الـ 500 ألف ليرة سنوياً بعد كل الزيادات التي لحقتها، ربما لإنّه كان يجمع المال لشراء منزل".


تضيف منى "في الله، أكثر من هيك ما فيني قول شي"، تبدأ منى بوصف ما رأته عندما فتحت تلك الشقة "مشاهد لا تُصدّق، لا أدري كيف أن عائلة كانت تقطن هنا قبل ساعات قليلة، لا يوجد شيء صالح، الصدأ يملأ المكان، الأباجور للتلف، أرض الشقة بحاجة إلى قبع الرخام والسيراميك من أساسه، كابلات الكهرباء بحاجة إلى تبديل. أمّا وضع المراحيض والمطبخ فحدّث ولا حرج. وهذه ليست سوى شقة من بناية تضم سبع شقق، نستخدم منها شقتين لنا والباقي أيجار قديم، هي جنى عمرنا، عملنا في أفريقيا في ظروف صعبة، واستثمرنا في بناية اعتبرنا أنها ستكون كفيلة بتأمين حياة كريمة لنا ولأولادنا، ولكننا ورثّناهم هذه الأزمة عندما قررت دولتنا تمديد العمل بالقانون السابق، ومنحت أرزاقنا لمن تقع عليها وحدها مسؤولية تأمين حق السكن لهم".

منى تتحدث عن مسار طويل وشاق من التفاوض مع المستأجر عند صدور القانون الجديد، "لأنّنا تخشى المشاكل، إلاّ أنّ المستأجر لم يعترف بنفاذ القانون، ولذلك لجأنا إلى القضاء وتكبّدنا اتعاب المحامي وخبيرين للتخمين كما ينص القانون. وكانت الصدمة باستعادتنا منزلاً غير صالح للسكن، وبحاجة إلى ورشة قد تمتد لأشهر وتكلف 30 ألف دولار، كما قدر المهندس الذي عاين الشقة".

تختم منى كلامها "المشهد مضحك مبكٍ، نحن سعداء باستعادة ملكنا، وفي الوقت نفسه سنتكبد المزيد من الخسائر بعد انتظار طال سنوات، والله العظيم حرام".

قصة منى تشبه الآف القصص التي كتبتها "دولة القانون" على مدى عشرات السنين من الإبقاء على قوانين بالية، والتهرب من دورها في إيجاد حق السكن لأبنائها، وتحميل المالك كل اعباء المستأجرين القدامى، الفقراء منهم وهم أصحاب حق، والمقتدرين الذين تلطوا بقوانين جائرة وحرموا المالك من أرزاقه. وعندما أصدرت الدولة قانونًا جديدًا جعلته منقوصًا أثار نزاعًا بين الفريقين، ولم تستكمله بخطط اسكانية تحمي فقراء المستأجرين القدامى، وهكذا استقالت الدولة من واجباتها، وأعطت ما ليس لها لمن لا يستحقّ أو ربما يستحقّ. القصّة ليست هنا بل في حقوق غابت شمس العمرأو تكاد قبل أن تصل إلى أصحابها.


لبنان 24