الرئاسة على صفيح ساخن , ومن حولها تُقرع طبول الحرب

 

السفير :

 

باستثناء فارق الصوت الواحد بين سليمان فرنجية والياس سركيس في انتخابات العام 1970، لم ينتج لبنان منذ الاستقلال لا بل منذ زمن «دولة لبنان الكبير» رئيسا صنع في لبنان. فهل بات قرار سعد الحريري، بحل أزمته الشخصية، كفيل بإنتاج «لبننة رئاسية» غير مسبوقة في تاريخ لبنان؟
ندر أن تجد لبنانيا يمكن أن يصدق ذلك. صحيح أن الحريري ليس «قويا» كفاية لا في طائفته ولا في «مملكته» في هذه الأيام، إلا أنه «قوي» بقدرته على التحكم بالمسار الرئاسي.
المعادلة واضحة: طالما أن «حزب الله» يريد ميشال عون رئيسا، فهو يملك القدرة على تعطيل وصول غيره، مثلما يملك الحريري نفسه القدرة على التعطيل أو التسهيل للآخرين، بدليل أن انتقاله من مرشح الى مرشح ينتج حيوية سياسية، ولو أنها لم تصل إلى أية نتيجة منذ سنة حتى الآن.
إنها لعبة عض أصابع مستمرة، إلى أن قرر الحريري أن يكسرها بتبنيه ترشيح ميشال عون، من ضمن سيناريو يعيده هو شخصيا الى السرايا الكبيرة، من دون أن تكون تلك العودة مضمونة النتائج.
السيناريوهات المتداولة محليا كثيرة. يُنسب للحريري بأنه سيمضي في خياره حتى لو عارضه رئيس المجلس نبيه بري ويُنسب لـ «حزب الله» بأنه ماضٍ في خيار «الجنرال» حتى لو صوّت رئيس المجلس ضده في جلسة الانتخاب، ويُنسب لسليمان فرنجية أنه فور تبني الحريري ترشيح «الجنرال» سيعلن انسحابه. غير أن هذه كلها تبدو مجرد تمنيات.
في خضم هذه الفسحة من «الآمال الرئاسية» المبنية على جدران من الرمل والتمنيات، لا بأس من تقديم المزيد من «أوراق الاعتماد»: تمرير هادئ للتعيينات العسكرية سواء بالتعيين أو التمديد. تأجيل التحرك العوني الشعبي ورسم سقف سياسي متواضع له. مشاركة سياسية عونية كاملة (وليس فقط عددية) في جلسة مجلس الوزراء، أمس، بدليل البصم على التعيينات الادارية التي استعجل الرئيس بري إقرارها قبل اعلان موت الحكومة لسبب من الأسباب!
أما «كتلة المستقبل»، فلم تغادر، أمس، مربع تحفظ سياسي يزنّر مواقف رئيسها الذي يبدو متهيبا لكل ما يرسم من سيناريوهات لليوم التالي بعد تبنيه ترشيح عون، ومنها سيناريو الدعوة الى «يوم غضب لبناني» (سني فعليا) في كل لبنان، وهل يمكن أن تتجاوب بيروت وماذا عن الشمال وصيدا والبقاع وإقليم الخروب؟
اكتفى الحريري بسرد عموميات أمام كتلته من دون الخوض في تفاصيل الخيارات التي ينوي الذهاب اليها، تاركا الباب مفتوحا أمام ما تبقى له من محطات للتشاور خارجيا وخصوصا في الرياض، علما أن معظم المتابعين للموقف السعودي يجزمون بأنه لن يكون هناك قرار سعودي نهائي إزاء أي من خيارات حلفائه، في ضوء التجارب السابقة.
بكل الأحوال، فان نظرية «أنا أو لا أحد» سواء في رئاسة الجمهورية أو مجلس النواب أو مجلس الوزراء، لا يسهل صرفها في المعادلات اللبنانية.
لنقرأ ما قالته مقدمة «تلفزيون المستقبل»، ليل أمس: «الخيار العسكري (الأميركي) بات على الطاولة يتقدم على الخيار الديبلوماسي. هذه الروح الأميركية المفاجئة التي دبت في الملف السوري، ربما تنعكس قريبا على الاستحقاقات في المنطقة، ومنها إنضاج القرار الإيراني بتسوية في لبنان، قبل انقلاب موازين القوى أو تغييرها على الأقل».
في المقابل، سألت قناة «المنار»: «هل يقرع الاميركي طبول حرب حقيقية ما استدعى هذا المستوى من الموقف الروسي («اي استهداف للمناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية هو استهداف لنا»)؟ ام انها طبول السياسة الاميركية المجوفة لادارة محرجة بالسياسة والاقتصاد وصولا الى صناديق الانتخاب»؟
رؤيتان نقيضتان وحسابات مختلفة في لبنان والمنطقة، فكيف يمكن أن تقرع طبول الحرب في الاقليم، بينما هناك من يراهن في لبنان، على قرع طبول الحرس الجمهوري ورفع السيوف، ترحيبا بفخامة رئيس للجمهورية، يقيم منذ فترة عند مفترق القصر في بعبدا؟
حتى الآن، لا يبدو أن الأمور قد نضجت، على عكس الكثير مما يقال ويروج. لا بل يصح القول إننا حتى هذه اللحظة ما زلنا بعيدين عن التسويات. لا يكفي حسن النيات ولا التبني الشخصي الفضفاض لهذا أو ذاك من الخيارات. لا بد من روزنامة زمنية ورزمة سياسية كاملة والا يستمر الوضع الحالي مفتوحا على كل الاحتمالات.
هبة باردة من هنا وهبة ساخنة من هناك. هذا هو حال الملف الرئاسي لا أكثر ولا أقل.
في الرابية، أجواء وردية جدا، حتى أن العماد ميشال عون بات ذهنه مشدودا الى خطاب القسم وثمة من يردد أن تشكيلات الحرس الجمهوري أنجزت ورقيا، من دون تجاوز حقيقة وجود مجموعة من المستوزرين الطامحين الذين يتنافسون على تقديم النصائح طمعا بكرسي من هنا أو مقعد استشاري في بعبدا من هناك!
في «بيت الوسط»، يتصرف سعد الحريري بوصفه «صانع الرؤساء». ثقته العالية بخياراته تجعله لا يقيم وزنا لأقرب المقربين إليه ممن يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا قرر المضي في خيار ميشال عون. في حلقته الضيقة جدا، لا بد من حماسة استثنائية عند البعض، وهي غير بعيدة عن منظومة مصالح بدأت ترتسم معالمها في أكثر من «قطاع حيوي»، قبل فترة من الزمن، ومرشحة مستقبلا لأن تزداد توطدا!
«حزب الله» كعادته، يتلقى اللكمات من كل حدب وصوب. من الحلفاء كما من الخصوم. وبرغم ذلك، لا يمانع من تنفيذ عملية أسر رئاسة جمهورية، من ضمن معادلة يكملها رئيس حكومة، بدل أن يبدي حسن النية، لا يتوانى، عن اتهام الحزب بـ «التعطيل الجائر»، من المنابر الدولية والمحلية.
هذه المعادلة بالنسبة إلى «حزب الله» يفترض أن يكون ممرها الالزامي تفاهمات لا تستثني أحدا، خصوصا أن المعادلة ـ الصفقة، تشمل رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة لا تقل أهمية عن الأولى، بل ربما تفوقها، من منظور الصلاحيات.. وما تمثله أيضا السلطة التنفيذية في بنيان جمهورية الطائف العتيدة.
وها هو الرئيس نبيه بري، على جاري عادته، يكتسب دينامية ندر أن تتوافر عند غيره من اللاعبين المحليين. خطوطه مفتوحة مع الحريري وينتظر موفدا قريبا من عون، و»أنتيناته» ترصد كل ما يجري على خط بيروت ـ الرياض. لا يعفيه الانشداد إلى كلمة سر خارجية لم تأتِ بعد، من واجب «إعادة شدشدة» العلاقة مع بكركي. لذلك، قرر أن يوفد إلى سيدها البطريرك بشارة الراعي، اليوم، معاونه السياسي علي حسن خليل للقول له إن بيان مجلس المطارنة يلتقي إلى حد كبير مع مضمون سلة التفاهمات التي يدعو إليها.
كل من يسأل بري يأتيه الجواب: لا جديد عندي. عندما يتفقون أدعو الى جلسة رئاسية في غضون يومين، اهتمامي منصب هذه الأيام على التحضير للجلسة التشريعية التي ستتضمن حوالي 80 بندا تندرج معظمها في خانة «تشريع الضرورة». أيضا، يواصل التحضير لمشاركته في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في جنيف من الحادي والعشرين من تشرين وحتى الثامن والعشرين منه. نظرته الى السلة والمرشحين لم تتغير حرفا واحدا.
وسواء أكان في المختارة أم في كليمنصو أم في الخارج، لا يتردد وليد جنبلاط في إطلاق العنان لتعبيرات سياسية تظهر حماسته لهذا أو ذاك من الخيارات، لكنه وكما قال للحريري، وحاول أن يشرح لبري: «أنا محكوم بمعادلة مسيحية ـ درزية في الجبل، يتحكم في جزء كبير من إيقاعها ميشال عون وسمير جعجع»، لذلك، يريد أن يتفادى «شرهما»، ولو اقتضى الأمر السير بخيار تفاهم معراب الرئاسي، برغم عدم حماسته له.
أما سمير جعجع، فيجلس عند تلك التلة الجميلة في معراب، مراقبا المشهد الى حد الانتشاء بمعادلة «رابح/ رابح». ففي الشارع المسيحي، ترتفع أسهمه، خصوصا في ضوء تفاهمه سياسيا مع الرابية. هو حتما مستعد للقتال في سبيل عدم وصول سليمان فرنجية الى «القصر». تكريس «نظرية الرئيس القوي» لن يكون بمقدور أحد استثمارها من بعد ميشال عون.. الا هو نفسه. ثمة تراكم لا بد منه ولو أدى ذلك إلى استنفار حلفائه. في السياسة، لا صداقات ولا عداوات دائمة. حتى الخصومة مع «حزب الله» ليست أبدية ولو وافقت قيادته على استقباله منذ زمن بعيد، ربما تغيرت أشياء وأشياء.
هذا هو المشهد العام محليا، هل يكفي من أجل «الفوز» برئاسة جمهورية؟
لننتظر الآتي:
• اللحظة التي يعلن فيها سعد الحريري تبنيه رسميا ترشيح «الجنرال»، وهي حجر الزاوية في كل ما يرسم من سيناريوهات.
• الموقف الذي سيعلنه في ضوء ذلك الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله.
• الجولة التي سيقوم بها العماد عون على عدد من الشخصيات وخصوصا الرئيس نبيه بري.
• موقف سليمان فرنجية من أي تطور رئاسي محتمل يقود الحريري في اتجاه الرابية.
• الأهم من هذا كله، تفاهمات الحد الأدنى: رئاسةً وحكومة وقانونا انتخابيا ونظرة الى ادارة الدولة وماليتها العامة، بمعزل عن اسم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المقبلين

 

النهار :

على رغم حضور "عدة الشغل" الجاهزة دوماً عبر مشادات وسجالات بين الوزراء، استعادت الحكومة أمس مشهداً متماسكاً في حدود معقولة مع عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد في جلسة "مثمرة" وخصوصاً لجهة التعويضات على مزارعي التفاح والقمح وصدور رزمة من التعيينات الادارية. وبدا واضحاً ان الخلفية الاساسية التي أتاحت هذه العودة لم تكن منفصلة عن رياح "الانفتاح" الظرفية التي لا تزال تلفح المشهد السياسي في ظل ترقب ما سيؤول اليه تحرك الرئيس سعد الحريري في شأن الملف الرئاسي والذي عكس اجتماع كتلة "المستقبل" أمس معطيات تثبت أنه لا يزال في طور يستدعي مزيداً من الانتظار خلافاً لموجة أريد لها ان تضع هذا التحرك امام ضغط "المهل" المفترضة.
وعلمت "النهار" في هذا السياق ان الرئيس الحريري اطلع الكتلة في اجتماعها على حصيلة تحركه في الايام العشرة الاخيرة داخلياً وخارجياً ولا سيما من حيث اجواء لقائه في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث شرح له واقع تعطيل "حزب الله" للاستحقاق الرئاسي. كما شرح الحريري حصيلة لقاءاته مع القيادات السياسية التي أدرجها في إطار العمل على إيجاد دينامية داخلية ووطنية لبلورة حل للازمة الرئاسية. وتشير المعلومات الى ان الحريري لم يخف انه يطرح خيار العماد ميشال عون ضمن الخيارات المفتوحة التي يشملها تحركه، لكنه أكد انه لم يتخذ خياره بعد في هذا السياق وان كل الخيارات لا تزال مطروحة. وفهم ان الحريري صارح الكتلة بأنه وجد معارضة لخيار عون لدى النائب سليمان فرنجية وحزب الكتائب وتمسكاً للرئيس نبيه بري بخيار السلة ممراً لانتخاب رئيس الجمهورية، كما لمس حذراً لدى النائب وليد جنبلاط، في حين لمس حماسة لدى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. وفي ظل هذا العرض، فهم ان الحريري سيمضي في عمل بعيد من الاضواء من اجل بلورة مسعاه وانه سيقوم في الايام العشرة المقبلة بزيارات خارجية اخرى ربما شملت تركيا ومصر وفرنسا وثمة من لم يستبعد قيامه بزيارة لبكركي. وقد تضمن البيان الذي أصدرته الكتلة عقب اجتماعها ترحيباً بالنداء الأخير لمجلس المطارنة الموارنة وخصوصاً لجهة ضرورة التزام الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية يكون جامعا للبنانيين وقادراً على انجاز المصالحة الوطنية.
وفي هذا السياق قال الرئيس بري أمس لدى سؤاله عما اذا كان ثمة تطور جديد في الملف الرئاسي: "ليس عندي أي شيء جديد وأنا لا أتدخل وعندما يعلن الاتفاق أدعو خلال يومين الى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية". ومن المقرر ان يزور وزير المال علي حسن خليل بكركي اليوم للقاء البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وسيتخلّل اللقاء بحسب بري، "تأكيد التطابق بين ما أطرحه (السلة وبنود الحوار) وما ورد في نداء المطارنة". وعلم ان الراعي كان أرسل موفداً الى بري بعد عظة الاحد الاخيرة.

 

مجلس الوزراء
وسط هذه الاجواء، اتخذت جلسة مجلس الوزراء دلالة من حيث الحضور السياسي شبه الكامل فيها، علماً ان مشاركة وزيرين من ثلاثة من "تكتل التغيير والاصلاح" هما الياس ابو صعب وارتور نظاريان أدرجت في اطار الرسائل الانفتاحية للعماد عون في اطار الجهود الجارية في شأن الملف الرئاسي. وأدت الجلسة واقعياً الى اصدار رزمة بارزة من القرارات تنوعت بين قرارات دعم موسم التفاح عن كل صندوق بخمسة آلاف ليرة وكذلك موسم القمح عن كل دونم بـ120 ألف ليرة. كما أصدر المجلس سلسلة تعيينات شملت تثبيت اللواء حاتم ملاك رئيساً لأركان الجيش وتعيين الدكتور فؤاد أيوب رئيسا للجامعة اللبنانية والقاضي عبدالله أحمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية والتمديد سنة للدكتور معين حمزة أميناً عاماً للمجلس الوطني للبحوث العلمية.
وأوضحت مصادر وزارية لـ"النهار" ان الجلسة اتسمت باجواء ايجابية عموما وبدأت في مرحلتها الاولى بنقاش عام حول القضايا العامة، ثم بدأت المناقشات في جدول الاعمال، فأقرت منه سبعة بنود فقط وخصوصاً التعيينات. وجرى نقاش حول أشخاص شملتهم التعيينات وكان أبرزها حول رئيس الجامعة الجديد ومدير وزارة الشؤون الاجتماعية الذي أشيد بمؤهلاته ولكن تبين انه جرى تجاوز مباراة لمجلس الشؤون المدنية فازت فيها ثلاث نساء. ولفتت المصادر الى انه في المرحلة الأخيرة من الجلسة "تكهرب" الجو لدى طرح موضوع تعاقد وزارة الاشغال مع خبراء في الطيران المدني، إذ حصل سجال بين وزير الاشغال العامة غازي زعيتر والوزير أبو صعب وبدا زعيتر شديد الغضب، الامر الذي أثار استياء رئيس الوزراء تمّام سلام فرفع الجلسة وخرج من القاعة ولحق به الوزيران سجعان قزي وبطرس حرب الى مكتبه، ثم حضر زعيتر واعتذر منه فعاد الى القاعة واستكملت الجلسة. ولاحظت المصادر ان وزيري "تكتل التغيير والاصلاح" لم يطرحا موضوع القرارات التي اتخذت في غيابهما وان عودتهما جاءت في اطار "سياسة النعامة الرئاسية".

 

المستقبل :

بنصف مشاركة ونصف مقاطعة عونية، التأم شمل النصاب الحكومي أمس لينعقد مجلس الوزراء في جلسة منتجة تخللتها تعيينات عسكرية وإدارية وقرارات معيشية وحياتية. وبمعزل عن «سحابة الصيف» التي عبرت بين وزيري عين التينة والرابية غازي زعيتر والياس بوصعب، وسارع رئيس المجلس تمام سلام إلى امتصاصها وإعادة ضبط إيقاع الجلسة، نجحت الأجواء السياسية التبريدية المخيّمة على البلد ربطاً بالمشاورات الرئاسية الجارية في تعبيد الطريق أمام إعادة الحكومة على قيد الحياة الانتاجية وتحريرها من قيود التعطيل السياسي المكبلة لتسيير شؤون الدولة والناس.

جلسة الأمس التي تقاطع عدد من الوزراء في وصفها بأنها «جلسة لمّ شمل»، حضرها وزراء «حزب الله» و«المردة» ووزير «التيار الوطني الحر» الياس بوصعب مع استمرار غياب رئيس التيار الوزير جبران باسيل باعتبار غيابه «له دلالة» كما قال بو صعب الذي أدرج مشاركته في خانة «اختبار النيات» تماشياً مع «الأجواء الإيجابية في البلد». وخلال الجلسة برز نقاش حاد بين الوزيرين زعيتر وبو صعب على خلفية مسألة التعاقدات في وزارة الأشغال وسرعان ما تعالت الأصوات واحتدمت النقاشات بين زعيتر وبعض الوزراء الأمر الذي أثار امتعاض سلام ودفعه إلى رفع الجلسة لفترة مستقطعة دامت 10 دقائق عادت بعدها الحكومة إلى الانعقاد واتخاذ القرارات حيال عدد من البنود المطروحة وأبرزها: تعيين اللواء حاتم ملاك رئيساً للأركان في الجيش، والدكتور فؤاد أيوب رئيساً للجامعة اللبنانية، والقاضي عبدالله أحمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى التمديد سنة إضافية للدكتور معين حمزة أميناً عاماً للمجلس الوطني للبحوث العلمية. وفي الشأن المعيشي، أقر مجلس الوزراء دعم مزارعي التفاح والقمح بالتعويض عن كل دونم مزروع قمحاً بمبلغ 120 ألف ليرة لهذا الموسم، وتعويض كل صندوق سعة 20 كيلوغراماً من انتاج هذا العام بمبلغ خمسة آلاف ليرة تُدفع مباشرة للمزارعين.

«المستقبل»

في الغضون، انعقدت كتلة «المستقبل» النيابية أمس في بيت الوسط برئاسة الرئيس سعد الحريري وحضور الرئيس فؤاد السنيورة، وبعدما توقفت عند أهمية المشاورات التي يجريها الحريري داخلياً وخارجياً «بما يؤمل منه أن يسهم وبشكل جدّي في تحريك الركود والجمود الذي أحاط بملف انتخابات رئاسة الجمهورية»، جددت الكتلة التذكير بأنّ استمرار الشغور مردّه إلى «الموقف التعطيلي الجائر لـ«حزب الله» وحلفائه الذي يفرضه على اللبنانيين بشكل لا يتطابق مع النص الدستوري والنظام الديموقراطي البرلماني«، مؤكدةً في المقابل على كون «العودة إلى احترام الدستور هو المدخل الأساس والوحيد لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية عبر البدء بانتخاب رئيس الجمهورية من دون أي شروط أو قيود».

وإذ رحبت بالنداء الصادر عن مجلس المطارنة الموارنة أمس الأول «ولا سيما لجهة ضرورة الالتزام بالدستور وأحكامه وضرورة المسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون جامعاً للبنانيين وقادراً على إنجاز المصالحة الوطنية طبقاً لأحكام الدستور ووثيقة اتفاق الطائف»، حذرت الكتلة في المقابل من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلد نتيجة استمرار الفراغ الرئاسي والشلل المؤسساتي، مشددةً على ضرورة المسارعة إلى وضع حد لهذا التدهور، منطلقةً من واقع المؤشرات الاقتصادية والمالية والمعيشية لتشير إلى كون «الحاجة أصبحت ماسة جداً للقيام بالمعالجات الفورية والصحيحة لهذه المشكلات الخطيرة منعاً للمزيد من التفاقم والضرر الذي أصبح يطال جميع اللبنانيين». كما استهجنت الكتلة على المستوى القضائي «عودة بعض الأجهزة الأمنية إلى اعتماد «وثائق الاتصال» سيئة الذكر من دون سند قضائي وبشكل مخالف للقانون ولقرار مجلس الوزراء الذي أوقف مفعولها»، منبهةً إلى «نتائج استمرار اعتماد هذه الوثائق سياسياً وشعبياً»، مع مطالبتها الرئيس الجديد للمحكمة العسكرية «بالإسراع في محاكمة الموقوفين الذين مضت على توقيفهم من دون محاكمة أشهر طويلة مما يلحق الظلم بهم وبأهاليهم».

إيران تلتزم الصمت

تزامناً، برز أمس ما نقلته لـ«المستقبل» مصادر سياسية اطلعت على حصيلة المشاورات التي أجرتها منسقة الأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ في طهران، كاشفةً أنّ هذه الحصيلة في شقها المتصل بالملف الرئاسي أتت على صيغة «لا جواب» من القيادة الإيرانية. وأوضحت المصادر أنّ كاغ حاولت استيضاح المسؤولين الإيرانيين عن موقف طهران من الاستحقاق الرئاسي اللبناني لكنها لم تتلقّ أي جواب منهم حول الموضوع، ما دفع بعض الأوساط إلى التقدير والاستنتاج بأنّ «اللا جواب» الإيراني كان كافياً بحد ذاته للاستدلال منه على كون «استراتيجية الفراغ والتعطيل» التي تفرضها طهران على لبنان لا تزال سارية المفعول

 

الديار :

اللبنانيون كانوا ينتظرون «البشرى الرئاسية» من بيت الوسط بعد اجتماع كتلة تيار المستـقبل برئاســة الرئيــس سعد الحريري، لكن الغيوم البيضاء لم تتصاعد، فعلقت الرابية «الصبر مفتاح الفرج» و«الحل صبر سـاعة».
الانتظار قد يطيح كل اجواء التفاؤل التي سادت خلال الايام الماضية وحسمت وصول العماد ميشال عون الى بعبدا. ويبدو ان الرئيس سعد الحريري يواجه كماً هائلاً مـن الالغام يحتاج تفكيكها الى وقت طويل وجهود مضـنية.
الرئىس الحريري ما زال يحاذر اللجوء الى تبني خيار العماد عون، وما زال يصطدم بقاعدة مستقبلية وسنية رافضة لتبني خيار الجنرال. وهاتان القاعدتان لم تهضما خيار الحريري، حتى انهما لم يقتنعا برسائل عون الايجابية على O.T. V.  والتي صدرت بتمنٍ من الرئىس سعد الحريري، حتى ان مستمعي اذاعة «الشرق» التابعة للمستقبل نقلوا آراء المواطنين من الأحياء السنية في بيروت، وكانت كلها رافضة لوصول العماد عون الى القصر الجمهوري وبثت على الهواء. وهذا ما يؤشر الى عمق الخلافات داخل تيار المستقبل ونوابه  وقد برزت في اجتماع الكتلة في بيت الوسط امس. وكانت المسافات شاسعة بين الحريري ونوابه، وبالتحديد مع رئىس المستقبل فؤاد السنيورة الذي جدد بوضوح موقفه الرافض لمسار الحريري، حتى ان النائبين احمد فتفت وجمال الجراح جاهرا بموقفهما المعترض على توجه الحريري.
ووصل الامر بمنسق تيار المستقبل في الشمال مصطفى علوش الى التأكيد ان 80% من نواب المستقبل وجمهوره ضد وصول عون الى بعبدا.
وفي المعلومات، ان الحريري حاول اقناع نواب كتلته بخياره دون جدوى، فسعد الحريري اليوم لا يملك مفاتيح الحل والربط وهيبته غير هيبة الانطلاقة الاولى أيام البحبوحة المالية، فيما الشح المالي اليوم يمنعه من تقديم اي خدمة، فكيف سيؤمن متطلبات الشارع السني الذي وفر له والده الشهيد رفيق الحريري كل مستلزمات العيش الرغيد، فيما سعد الحريري يعيش ظروفاً صعبة و«ما باليد حيلة» لولا مساعدة الاصدقاء المحيطين.
النواب لن يمشوا بخيار الحريري، ولم يقتنعوا بأن رئاسة الحكومة حاجة حريرية الآن من الدرجة الاولى، فالنائب احمد فتفت واجه رئيسه بالتأكيد على توافقه مع الوزير أشرف ريفي وانه لن يخون قناعاته السياسية والنيابية «بعدما قضيت شبابي في مجلس النواب».
هذه الاجواء السلبية التي واجهت انفتاح الحريري على العماد عون من داخل منزله جعلته يضرب «الفرامل» و«يتريث» ويعيد حساباته في خياراته الجديدة، فقرر المغادرة الى الرياض للبحث مع المسؤولين السعوديين في  ما آلت اليه الاوضاع ورفض القاعدة السنية لخيار عون، وطلب مساعدة الرياض للخروج من المأزق.
وهنا يطرح السؤال، هل يبحث الحريري مع المسؤولين السعوديين في بدائل عن العماد ميشال عون، رغم ان غموض الرياض يشبه غموض الحريري من ترشيح عون؟ وهل يعود الى خيار زغرتا؟ لكن ذلك سيكلفه حرباً مفتوحة مع كل المسيحيين ومع العونيين والقوات، وقد يتفجر الشارع غضباً ولا يخرج الا بانتفاضة تبدل كل شيء. وقد ينضم حزب الله الى مساندة القهر المسيحي ضد ما يقوم به الحريري. لكن ذلك صعب جداً جراء اصرار حزب الله على الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية مع حفظ مواقع حلفائه، وتحديداً العماد عون ووصوله الى قصر بعبدا. فالعماد عون ينام الآن في الرابية رئيساً بعد اجواء الايام الماضية واي تراجع في موقف الحريري سيؤدي الى مشاكل كبرى، خصوصاً ان المسيحيين والموارنة باتوا مع خيار العماد ميشال عون وليس غيره بعدما رأوا الحرب التي تشن عليه من اكثر من جهة وتطويقه بالشروط، وهذا ما ادى الى رد فعل ايجابي في الشارع المسيحي داعم لعون ولا يتراجع بسهولة.
المسيحيون حرك فيهم العماد عون والدكتور جعجع الشعور بالغبن والظلم والاجحاف منذ الطائف. وظهر ذلك في اجتماع مجلس الوزراء امس عبر ملء الشغور في الوظائف الشيعية والدرزية بينما مئات الوظائف الشاغرة المسـيحية لم يحصل فيها تعيين موظف مسيحي.
هذا الشعور بالغبن لا يستطيع الحريري الوقوف في وجهه وان يكون رهن اهوائه وتبدلاته وهذا الامر يفهمه الحريري.
اما اللغم الكبير الذي يواجه الحريري فهو لغم الوزير اشرف ريفي الذي يتقدم «كالصاروخ» في الشارع السني ايضاً، ونجح في التقدم على الجميع في طرابلس خلال الانتخابات البلدية واسقط تحالف الاقوياء وتمدد نحو مناطق الشمال والبقاع وصيدا باعتراف الجميع، وبات يشكل حالة مستقلة مستنداً الى خطاب شعبي يدغدغ، ويحاكي الجمهور السني الرافض للواقع القائم. ويتحضر الوزير ريفي الان لخوض معركة الانتخابات النيابية بلوائح موحدة في كل المناطق وسط تأييد شعبي كان بمعظمه من جمهور تيار المستقبل. وهذا ما يشكل ضغطاً على الرئىس الحريري بأن تتكرر تجربة الانتخابات البلدية نيابياً، واذا استطاع الوزير ريفي المجيء بكتلة نيابية الى المجلس فسيحدث ذلك توازنات جديدة وعدم قدرة اي كان على شطب اسم اللواء ريفي من تولي رئاسة الحكومة، مستنداً الى قوته الشعبية. وهذا ما يجعل الحريري في حيرة حقيقية، الا اذا تم تأجيل الانتخابات النيابية كما بدأ التداول بالامر.
خطاب ريفي، عقبة اساسية امام طموحات الحريري الحكومية ولذلك يتريث في تحديد خـياراته ورهــاناته.
«غموض الحريري» وعدم صدور بيان عن كتلة المستقبل بدعم عون قفز الى الواجهة وجعل سجال السلتين بين بكركي وعين التينة يتراجع، رغم ان الاستاذ وببراعته السياسية وحنكته، سحب هذا «الفتيل» واعاد الكرة الى ملعب منتقديه عبر فتح صفحة جديدة مع بكركي وكأن شيئاً لم يكن. وضرب الاستاذ ضـربة معـلم جديدة، وسيوفد اليوم وزير المال علي حسن خلـيل الى بكركي لسماع رأي البطـريرك الراعي مباشـرة وهواجسه، حتى ان الرئىس بري ربما يقفز فوق سلته اذا كان ذلك يسحب فتيل التوتر، وربما ابلغ خليل البطريرك الراعي ان السلة سقطت، ولم تعد قائمة اذا كان ذلك يرضي المسيحيين مقابل ضمانات من العـماد عون تتعهد بتنفيذها بكركي وتتعلق بالمرحلة المقبلة وغيرها مع خطاب عوني جديد معـتدل ومـتوازن.

 بري: لا اتدخل الآن 

وقد تحدث الرئيس نبيه بري أمام زواره عن المستجدات في الشأن الرئاسي فقال «ليس لدي اي شيء جديد... وانا لا اتدخل الآن... وعندما يحصل الاتفاق كما قلت ادعو لجلسة انتخاب الرئىس خلال يومين».
واضاف الرئيس بري: «مشغول الآن بالتحضير للجلسة التشريعية، وهناك مشاريع قوانين واقتراحات، وقد دعوت لعقد جلسة لمكتب مجلس النواب الاثنين وسنرى ما يمكن طرحه من مشاريع على جدول الاعمال في إطار تشريع الضرورة»...
على صعيد آخر، سمع وزير سابق بعد زيارته لمرجع نيابي «ان لا جديد في الملف الرئاسي، والانتظار سيد الموقف».

 

الجمهورية :

لم يؤدِّ الخلاف الموضعي الذي حصل في مجلس الوزراء أمس على طريقة التعيين، إلى تعليق الجلسة، بل مرّت على نار هادئة، وخصوصاً مع مشاركة الوزير الياس بو صعب مؤكّداً نصفَ مشاركة «التيار الوطني الحر» ومنهياً نصفَ مقاطعة في ظلّ استمرار غياب رئيس «التيار» وزير الخارجية جبران باسيل، متزامناً مع أجواء المساعي التي يقودها رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري للتوصّل إلى حلّ للاستحقاق الرئاسي، يتضمّن ترشيحَه لرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون قبل حلول جلسة 31 تشرين الأوّل. فيما علمت «الجمهورية» أنّ باريس في صدد تحريك عجلاتها الدبلوماسيّة لمواكبة الحركة الرئاسية الجديدة وخصوصاً مع طهران، علماً أنّ اتصالات سابقة على مستويات عالية حصلت بين العاصمتين كانت باريس تطالب فيها بتسهيل الانتخابات الرئاسية، في حين أنّ الاتصالات بين الصرح البطريركي والإليزيه مستمرّة لمواكبة التطوّرات الراهنة، وخصوصاً بعد مبادرة الرئيس سعد الحريري الأخيرة. ويتزامن ذلك مع متابعة فاتيكانيّة للحركة الرئاسية، إضافةً إلى التنسيق بين الكرسي الرسولي وباريس لأجل إتمام الاستحقاق.

على رغم الأجواء التفاؤلية التي بُثّ مناخها على الخط الرئاسي، فلا شيء ملموساً جدّياً حتى لدى المعنيين مباشرةً بهذا الاستحقاق.
وفي رأي هؤلاء أنّ المسافة التي قُطعت بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون، هي تسعون في المئة إن لم تكن مئة في المئة. لكنّ الأمور لم تنتهِ بعد. أوّلاً، لأنّ الحريري لم يتّخذ حتى الآن قراره بإعلان ترشيح عون.

ولدى سؤال المصادر هل إنّ مجرّد إعلان الحريري التزامَه ترشيح عون يعني أنّ الانتخابات الرئاسية ستحصل ويُنتخب عون؟ أجابت المصادر:» الكرة في ملعبه لهذه الناحية، خصوصاً لتأكيد الالتزام بترشيح عون الذي ينتظر بدوره التزامَ الحريري بترشيحه، علماً أنّ الأجواء بينهما أكثر من جدّية وودّية بالمعنى السياسي والشخصي.

كذلك فإنّ الكرة الآن هي في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يفترض تليين موقفِه ممّا يَطرحه في موضوع سلّة التفاهمات التي يَعتبرها الآخرون سلة شروط. والكرة أيضاً في ملعب عون للانفتاح الضروري على بري والتفاهم بينهما، لأنّه في رأي هذه المصادر ليس هناك من أمر إلّا ويوجد حلٌّ له.

وتنتظر المصادر في الأيام المقبلة أن يبادر عون إلى الاتصال ببري، إمّا بشكل مباشر أو غير مباشر.

وردّاً على سؤال حول المدى الذي يمكن أن ينتظر فيه البلد إعلان الحريري قرارَه وبالتالي إجراء الانتخابات الرئاسية، قالت المصادر: أمامنا أسبوعان حاسمان، وقد تكون جلسة 31 تشرين الاوّل الجلسة الحاسمة إلّا إذا طرَأ ما يستدعي تأجيلاً وحيداً بعد 31 الجاري.

كما علمت «الجمهورية» أنّ «حزب الله» يعمل بشكل حثيث وخلفَ الاضواء على خط عين التينة ـ الرابية لمدِّ جسر العلاقة وتبديد «سوء التفاهم» بين برّي وعون.

«حزب الله»

ولوحظ في هذه الفترة صمتُ «حزب الله» حول موضوع رئاسة الجمهورية، وكأنّ هناك قراراً اتّخِذ في هذا الإطار. وبحسب معلومات موثوقة أنّ الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله قد يتناول الموضوع الرئاسي في خطبةِ اليوم التاسع من عاشوراء.

قاسم

وحرصَ نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم على عدم الدخول في موضوع الرئاسة، إلّا أنّه قال لـ»الجمهورية»: «لبنان بحاجة إلى انتظام مؤسساته للقيام بمصالح الناس ولوقفِ التدهور الحاصل على أكثر من صعيد».

أضاف: «مِن هنا جاءت مشاركتُنا في جلسة مجلس الوزراء أمس كتأكيد على هذه المنهجية التي تساعد على انتظام عمل المؤسسات، وفي الوقت ذاته نحن نؤكّد على ضرورة انتظام عمل مجلس النواب ومعالجة كلّ ما يحتاج إلى إنجاز في هذا البلد».

وشدّد قاسم على أنّ الحلّ في لبنان لا بدّ مِن أن يرتكز على التوافق والتفاهم بين مكوّناته، وهذا ينطبق على كلّ المواقع والمؤسسات الأساسية في البلد، لأنّ التفاهم يزيل الهواجسَ ويقرّب وجهات النظر ويرسم الحدّ الأدنى الممكن للعمل بشكل مشترك.

وردّاً على سؤال قال قاسم: «من الخطأ التفكير بعقلية المستأثر أو الذي يريد أن يستحوذ على كلّ شيء. فلبنان لا يتحمّل مثلَ هذا الاتّجاه».

وأضاف: «كنّا دائماً نقول إنّ الحوار هو الأساس، ونحن نطبّق هذا الأمر من خلال حوارنا مع «المستقبل» ومشاركتنا في الحوار الوطني، ونؤكّد دائماً على النقاش والحوار المباشرَين وعدم اللجوء إلى التراشق الإعلامي السياسي الذي يُبعد المسافات من دون فائدة».

وعن تطوّرات المنطقة وانعكاسها على لبنان، أجاب قاسم: «كلّ شيء مؤجَّل في المنطقة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما تقوم به الولايات المتحدة من مناورة باسمِ وقفِ إطلاق النار في سوريا ليس جزءاً من وضع خطوات الحلّ السياسي وإنما هو محاولة لمنعِ تقدّمِ قوات الدولة السورية وحماية المعارضة المسلّحة وتقويتها».

واعتبَر أنّ «ما يجري في لبنان اليوم ليس جزءاً من الأزمة ولا جزءاً من الحلّ، وأنّ استقرارَه الذي استمرّ خلال خمسة أعوام كان بسبب عاملين: العامل الأوّل هو رفضُ «حزب الله» وحلفائه الانجرارَ إلى الفتن الداخلية، والعامل الثاني أنّ الغرب أراد لبنانَ منطقةً آمنة للنزوح السوري كي لا تتحمّل أوروبا مسؤوليات النازحين وأعباءَهم، والآن لم يتغيّر هذا الواقع، وإذا حصَل أيّ تطوّر في لبنان على صعيد الانتخاب والمؤسسات إنّما هو تحت هذا السقف، من دون أن يعني ذلك أيّ تأثير إيجابي أو سلبي لتطوّرات الأزمة السورية المؤجّلة بحلولها الممكنة».

برّي

وحول الجديد في الاستحقاق الرئاسي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره مساء أمس: «ما عندي شي جديد، وأنا حالياً ما عَم إتدخّل بالموضوع الرئاسي، وعندما يعلَن الاتفاق حوله أدعو إلى جلسة لانتخاب الرئيس».

أضاف: التحضير الآن هو للجلسة التشريعية الأولى في العقد التشريعي الثاني الذي يبدأ أوّل ثلثاء بعد 15 الجاري، فهناك عدد كبير من المشاريع يتجاوز الـ 80 مشروعاً وكلّها تندرج ضمن تشريع الضرورة.

خليل في بكركي

إلى ذلك، يزور وزير المال علي حسن خليل بكركي اليوم موفَداً من بري لتأكيد التطابق بين ما يطرحه رئيس المجلس وبين ما ورد في نداء مجلس المطارنة الموارنة.

وقد سبق للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن أرسلَ بعد عظة الأحد موفداً إلى عين التينة، في زيارة فُسّرت بأنّها لتوضيح الموقف البطريركي، علماً أنّ مصادر عين التينة تعتبر أنّ ما ورد في نداء المطارنة هو السلّة نفسُها.

 

اللواء :

طغت الصراحة على حركة اللقاءات والاتصالات، وبدت الإيجابية ممكنة بكسر حواجز الانفتاح وبناء تفاهمات وطنية، وبت ملفات عالقة، تماماً كما حصل في جلسة مجلس الوزراء التي خرجت بقرارات إدارية وإجراءات حكومية على مدى خمس ساعات من النقاشات، وإن تخللتها تجاذبات أو أصوات مرتفعة، أو تعليق النقاش لبعض الوقت.
ولم تخف مراجع نيابية عليا، وقيادات سياسية ترحيبها بالقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء، لا سيما لجهة ملء الفراغ المحدق بمؤسسات وطنية ذات أهمية كرئاسة الأركان في الجيش اللبناني، حيث جرى تثبيت اللواء حاتم ملاك رئيساً لاركان الجيش، وتجنيب الجامعة اللبنانية خضة إدارية وتشتت من خلال تعيين عميد كلية طب الأسنان الدكتور فؤاد أيوب رئيساً للجامعة، وتعيين القاضي عبد الله أحمد مديراً عاماً للشؤون الاجتماعية، والتمديد للدكتور معين حمزة سنة في الأمانة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية، وتقديم تعويضات مالية لمزارعي التفاح والقمح، على ان يتولى الجيش اللبناني القيام بعمليات المسح، بالإضافة إلى أعطاء سلفة خزينة قدرها 40 مليار ليرة لبنانية لتوضع في تصرف الهيئة العليا للاغاثة.
وإذا كانت جلسة مجلس الوزراء قد سجلت إنهاء المقاطعة العونية للجلسات بصرف النظر عن «نظرية نص نص»، فإنها في الوقت نفسه فتحت الباب امام تساؤلات مشروعة عمّا إذا كانت الأحزاب والكتل المسيحية ستشارك في الجلسة التشريعية التي يزمع الرئيس نبيه برّي تحديد موعدها الاثنين المقبل، بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس، وتحديد جدول أعمالها من بين 82 مشروعاً واقتراح قانون معجلاً مكرراً، يتعين علي أعضاء المكتب اختيار ما يناسب منها للجلسة المتوقعة بعد 18 تشرين الااول الجاري، وعلى الأخص منها المشاريع ذات الطابع المالي الملح، علماً ان هذه الكتل والأحزاب تشترط لأي جلسة تشريعية بأن تبحث أولاً في قانون الانتخاب في ظل كلام تصاعد عبر عنه مجلس المطارنة الموارنة في ندائه امس الأوّل، ولفتت إليه كتلة « المستقبل» في بيانها أمس، عن وضع اقتصادي ومالي صعب محدق بالبلاد، ويتخوف معه من انقلابات مالية ليست في الحسبان إذا ما استمر الشغور الرئاسي الذي عاد إلى الواجهة، مع الحركة الدؤوبة التي يتولاها الرئيس سعد الحريري في الداخل والخارج.
كتلة المستقبل
وعلى هذا الصعيد، وللمرة الثانية على التوالي، ترأس الرئيس الحريري الاجتماع الدوري الأسبوعي لكتلة «المستقبل» والذي تأخر 48 ساعة عن موعده الثابت (الثلاثاء).
وتضمنت مناقشات الكتلة الإشارة إلى مشاورات الرئيس الحريري، معربة عن املها بأن «تسهم في تحريك الركود الذي أصاب انتخابات الرئاسة الأولى، بسبب الموقف التعطيلي الجائر لحزب الله وحلفائه»، مشددة على البدء بانتخاب الرئيس من دون شروط أو قيود على ان يكون قادراً على جمع اللبنانيين وإنجاز المصالحة»، وهو الأمر الذي تضمنه نداء مجلس المطارنة الذي رحّبت به الكتلة.
وحذرت الكتلة من تفاقم الوضع المعيشي والاقتصادي مشيرة إلى ان التطاول على الدولة والمس بهيبتها وعدم التناغم مع الشرعية العربية ونظام المصلحة العربية تجعل الحاجة ماسة إلى معالجات فورية تمنع تفاقم الضرر، معربة عن استهجانها عودة بعض الأجهزة الأمنية إلى اعتماد «وثائق الاتصال» محذرة من نتائج استمرار هذا النهج.
ونقلت مصادر نيابية عن الرئيس الحريري ان لا قرار نهائياً متخذ في ما خص ترشيح النائب ميشال عون، وانه لمس خلال مشاوراته ان الرئيس برّي والنائب وليد جنبلاط وحزب الكتائب غير متحمسين لانتخابه رئيساً، في حين ان سمير جعجع كان له رأي داعم لترشيح عون.
ونقلت هذه المصادر عن الرئيس الحريري انه سيقوم بجولة اتصالات وزيارات تشمل فرنسا والمملكة العربية السعودية وربما تركيا ومصر. لافتاً إلى ان الأمور المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي ما تزال في مرحلة الجوجلة وانه لم تصل به إلى مرحلة الخيارات، مؤكداً بأن الخيارات الرئاسية لم تنضج بعد وقد تحتاج إلى أكثر من أسبوعين، متجاوزاً المهلة التي كان النائب عون قد حددها أي 15 تشرين الحالي، ملوحاً باستمرار تحركه في الشارع.
وأوضحت المصادر ان الرئيس الحريري لا يقيد نفسه بمهلة أو بوقت، وانه عندما تكون هناك معطيات أو يطرأ شيء محدد وملموس، سيعود إلى الكتلة لاتخاذ القرار المناسب، علماً ان الاستحقاق الرئاسي بات مرتبطاً بصورة أو بأخرى بالجلسة التشريعية، والموقف الذي ستتخذه الأحزاب والكتل المسيحية، سواء من هذه الجلسة أو من احتمال العودة إلى طاولة الحوار الوطني، مشيرة إلى ان جولة الرئيس الحريري الخارجية قد تستغرق عشرة أيام، بما يتجاوز مهلة تحرك عون.
وفيما تريثت مصادر الرابية في التعليق على بيان كتلة «المستقبل»، أكّد نائب في تكتل «الاصلاح والتغيير» لـ«اللواء» ان النائب عون يكرر في مجالسه الخاصة ارتياحه لتطور العلاقة مع الرئيس الحريري.
في المقابل تنقل شخصية سياسية معروفة عن مسؤولين في «حزب الله» انه في ضوء التطورات الجارية لم يبق خيار امامهم الا السير بعون رئيساً للجمهورية.
وفي شأن متصل، يُؤكّد مقربون من الحزب ان الأولوية الآن هي لحسم الوضع الميداني في سوريا قبل انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية وعدم اغفال احتمالات انتخاب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة، والتي ينقل عنها انها ليست في وارد التساهل في ما خص المعركة الجارية في حلب خاصة وسوريا عامة.
وفي عين التينة، وفيما نقل عن الرئيس برّي انه بعد استئناف جلسات الحكومة والقرارات التي اتخذتها في جلستها أمس، فإنه قرّر إيفاد وزير المال علي حسن خليل إلى بكركي اليوم والتي يزورها أيضاً الرئيس السابق ميشال سليمان، وذلك لإعادة وصل ما انقطع بين عين التينة والبطريرك الماروني بشارة الراعي، حاملاً رسالة تتعلق بما يزمع الرئيس برّي الاقدام عليه لجهة عقد الجلسة التشريعية واستئناف طاولة الحوار الوطني التي يتعين عليها ان تكرس تثبيت التفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية، سواء كان النائب عون أو غيره.
أما مصادر «القوات اللبنانية» فتعتبر انه في ضوء اتجاه الرئيس الحريري تبني ترشيح عون، فإن الطابة الآن في مرمى الرابية التي يتعيّن عليها التحرّك من أجل التوافق مع «حزب الله» ومكونات 8 آذار في ما خص عملية توفير النصاب وانتخاب الرئيس.
وكشف موقع ليبانون ديبايت الالكتروني أن الإتفاق الذي جرى في بيت الوسط بين مدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري ورئيس «التّيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، بعد سلسلة لقاءات جرت وأدت إلى تذليل العقبات وبالتالي التفاهم على صيغة تُمهّد إلى تعبيد الطريق أمام العماد عون من أجل الوصول إلى بعبدا.
ومن أهم ما جاء في ورقة الاتفاق:
- تأجيل الإنتخابات النيابيّة لمدة سنة بناءً على طلب الحريري.
- دعم التيّار العوني لولايتين حكوميتين للحريري وضمان عدم إسقاطه وفق سيناريو 2010.
- الإتفاق على أن تكون وزارة الطاقة من حصة «التيّار الحرّ» ووزارة المال من حصة «المستقبل».
- توزيع الحصص السيادية بالتساوي بين جميع الأقطاب في الحكومة وعدم حصرها بطرف.
- تقديم حصة وازنة للقوات اللبنانية يكون من ضمنها حقيبة سيادية (داخلية أو دفاع).
وفيما خصّ الولايتين، تم التوافق على أن تكون الأولى بعيد الإنتخابات الرئاسية، على ان تكون الولاية الثانية بعد إجراء تلك النيابيّة وفق التفاهمات نفسها التي جاءت في الورقة، وهنا يصبح العماد عون بمثابة ضمانة لعدم إسقاط الحريري بـ«فيتو الثلث الضامن».
مجلس الوزراء
على أن اللافت في جلسة مجلس الوزراء السجال العالي النبرة الذي خرق الهدوء الذي كان مسيطراً عليها، والذي كان من الممكن أن يطيح مرّة جديدة بالحكومة، حيث اضطر الرئيس سلام إلى رفع الجلسة والخروج من القاعة، بعد أن ضرب بيده على الطاولة، عندما علا صوت الوزيرين غازي زعيتر وبو صعب، على خلفية عقد شراء خدمات لبرج المراقبة في مطار بيروت ولم ينصاعا لمطالب رئيس الحكومة والوزراء للتهدئة.
ولحق بالرئيس سلام الوزراء: قزي وحرب والمشنوق ثم مقبل وخليل للوقوف على خاطره وعودة الأمور إلى نصابها، قبل أن يلحق بهم الوزير زعيتر ويعتذر من الرئيس سلام، موضحاً أن نبرته العالية فسّرت وكأنها صراخ.
أما