اليوم يفترض أن تدرس دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة تنفيذ "ضربات عسكرية محدودة" ضد نظام بشار، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أمس.

هل صحيح أن مسؤولين من البنتاغون والخارجية والاستخبارات سيضعون ترتيبات الخطة البديلة للحل السياسي موضع التنفيذ، أم أنها مجرد "تهويمات" اعتاد عليها المراقبون في عهد الرئيس باراك أوباما وإدارته التي تشبه في أدائها جامعة الدول العربية في إنجازاتها السياسية.

لا يشك عاقل بأن قتل بشار الأسد يكلف الأميركيين ضغطة زرّ على صاروخ كروز مرتبط بشريحة تعقب حرارية وموجه من سفينة تعوم بعيداً على مسافة 1500 كم، لكن لماذا لا يفعلها الأميركيون، ومم يخافون أو لم هم مترددون؟.

تظهر نقاشات الإدارة الأميركية وجلسات الاستماع التي يشهدها الكونغرس بشكل دوري، وما يتسرب من تصريحات بأن هذه الإدارة مهتمة بشيء آخر تماماً غير الذي يعتقده المتعاطفون مع شعوب المنطقة، أو حتى الأصدقاء التقليديون لواشنطن. 

شيئاً فشيئاً تتحول منطقة الشرق الأوسط إلى شكلها الجديد الذي تحدثت عنه كونداليزا رايس، وسبقها إليه كارل بيرل، وعدد من المحافظين الجدد من تلاميذ مدرسة "ليو شتراوس"، هؤلاء وضعوا المنطقة على السكّة، وعندما أصبحت حرب العراق سمة عارٍ في تاريخهم، انسحبوا لمصلحة رئيس عاجزٍ، ومربك بالدفاع عن هويته الأميركية، وليس لديه متسع من الوقت للتفكير فيما يحصل خارج الحدود، فكان جزءاً من المسار كما سيحصل مع الرئيس القادم سواء كان دونالد ترامب أم هيلاري كلينتون. 

لقد ركب الأميركيون موجة الربيع العربي، وهم من قام بتحويل هذا الربيع إلى مجزرة، اكتفوا بالفرجة على قتل أول تجربة ديمقراطية في مصر، عندما أطاح العسكر بالرئيس المنتخب، وشجعوا على الاقتتال في ليبيا، ثم أطلقوا يد الميليشيا الطائفية الموالية لإيران في العراق، وخلقوا بيئة مناسبة لظهور تنظيمات متطرفة، وعندما وصل الأمر إلى سوريا، كان سفيرهم يؤكد حضور هيبة الامبراطورية الأميركية الداعم للحراك وللثورة، فحضر سفيرهم مظاهرة النصف مليون في حماة، وعزاء غياث مطر في داريا، وعندما وقعت مجزرة الكيماوي تركوا السوريين غارقين في دمائهم، بل خنقوهم بمنع دعم فصائل الجيش الحر بسلاح نوعي، ثم رعوا سياسة المصالحات والهدن التي خطط لها النظام السوري منذ تشكيله وزارة تحمل هذا الاسم، لكن حقيبتها كانت بيد ديمستورا، وشيئاً فشيئاً تسلم الإيرانيون تلك الحقيبة لينتزعها منهم الضباط الروس. 

إذن المشكلة ليست في إنهاء الحرب في سوريا .. بل في ضمان استمرارها، والخطأ القاتل الذي نفَذ منه الروس هو أن "مارينز" البحرية الأميركي "نَشَفَ عرقه" بعد سنوات من الانسحاب من العراق، وأصبح من الصعب عليه خوض جولة مع المصارع الروسي وهو في أوج لياقته.

بند وحيد يمكنه أن يغير المشهد ووصفة "العلاج"، وهو أن تشعر إسرائيل بخطر الروس، خاصة وأنهم يتحضرون في الأيام القادمة لمناورات غير مسبوقة مع الجيش المصري، ويتحدثون عن صفقات سلاح، ما يعني أن الضمانات مستقبلاً ستكون مع الروس، وهذا لا يناسب إسرائيل، فهي لن تضع رصيدها الاستراتيجي، السياسي والعسكري في بنكٍ يمكن أن يتعرض للإفلاس في أي لحظة، فالمراهنة على الروس هي مراهنة على شخص فلاديمير بوتين، أما المراهنة على الأميركيين فهي استناد إلى حائط سميك وصلب من تاريخ التعاون والتشبيك، بل وصناعة الحروب والأزمات وتخميدها أيضاً. 

أجزم أن الأميركيين والإسرائيليين باتوا على قناعة بأن الأسد ضمِن لهم فوضى مديدة حتى ولو رحل، وبحساب بسيط سيجدون أن بقاءه لا يخدم سوى روسيا التي دخلت بذريعة تفويض من السلطة "الشرعية"، وها هي تبدي رغبة ببقاء طويل الأمد.

لن يكلف قتل الأسد سوى 5 دقائق، والحديث في دوائر صنع السياسة الأميركية "هراءٌ" لا معنى له، فقط 250 ألف دولار ستكون كفيلة بإزعاج الروس وإجبارهم على البحث عن "شرعنة" بديل للأسد، وهو أمر ـ على الأقل ـ يربك بوتين ويفتح على خلخلة البيئة الموالية للنظام، وإضعاف جبهته، بحيث توافق موسكو على العودة إلى المنتصف حتى يرى الأميركيون ما يمكن أن تطلبه منهم تل أبيب. 

الثابت الوحيد هو أن الأسد يعلم بكل ما سبق، ويحاول أن يقول لإسرائيل بأنه جزء من ظروف حماية حدودها لما يزيد عن 45 عاماً، لذلك فهو لم يجرؤ يوماً على الردّ ولو بصاروخ سيسقط قبل أن يصيب ولو هدفاً عشوائياً، وعندما أعلن إعلامه الحربي قبل أسبوعين إسقاط طائرة إسرائيلية فهو يعلم أننا نعلم أن إسرائيل تعلم بأنه كاذب .. لكن الرّجل خائف .. نعم خائف من كبسة زرّ قريبة.

 

 

زمان الوصل