تَعرَّض المسار الجديد الذي أطلقه زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري على قاعدة استكشاف إمكان تبني ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية لـ «انتكاسةٍ» عبّر عنها «انفجار» سجال غير مسبوق بين الكنيسة المارونية ورئيس البرلمان نبيه بري على خلفية «السلةّ المتكاملة» لحلّ الأزمة الرئاسية التي يعتبرها الأخير «الممر الإلزامي» لعون او غيره الى القصر الذي يشغله ماروني.

وغداة تصدُّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي واجهة التصدي لـ «سلّة بري» (تشمل التفاهم المسبق على الرئاسة الاولى والحكومة رئيساً وتوازنات وقانون الانتخاب وتعيينات حساسة وضوابط لإدارة السلطة) معتبراً إياها، من دون اي ذكر لرئيس البرلمان بالاسم، «مساً بكرامة المرشح وخرقاً للدستور»، غامزاً من قناة انها في سياق المماطلة و«انتظار كلمة سرّ من الخارج»، خرج بري ليردّ بطريقة غير مألوفة وبـ «المباشر» على رأس الكنيسة المارونية في بيان مقتضب قال فيه: «أما انك أخفيتَ مما اعلنت فإنني أعلن ما أخفي: بين سلّة للأشخاص التي اقترحتم وسلّة الأفكار التي قدمتُها في الحوار، أترك للتاريخ ان يحكم أيّهما الدستوري وأيّهما الأجدى من دون الحاجة للمسّ بالكرامات، وكرامتنا جميعا من الله».

وقصد بري بكلامه عن «سلّة الأشخاص» ما كان قام به البطريرك الراعي بعيد بدء «عهد الشغور» (في سدّة الرئاسة قبل 28 شهراً ونيّف) لجهة رعايته ما سُمي بـ «الموارنة الأربعة الأقوياء»، وهم كلٌّ من الرئيس أمين الجميّل والعماد عون ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع إضافة الى النائب سليمان فرنجية، باعتبار أنّهم الأكثر ملاءمةً للوصول الى الرئاسة الأولى.

وجاء هذا السجال ليخطف الأضواء من الحركة الهادئة التي يستكملها الحريري في شقها الخارجي حيث سيستطلع اليوم في روسيا مع وزير خارجيتها سيرغي لافروف المزاج الدولي حيال إمكان تحقيق اختراقٍ في الأزمة اللبنانية من بوابة الانتخابات الرئاسية، وخصوصاً ان موسكو التي استعادت دورها المحوري في المنطقة تُعتبر من العواصم ذات الثقل في علاقتها مع طهران صاحبة الكلمة المحورية في الواقع اللبناني عموماً والملف الرئاسي خصوصاً.

واذ تشكّل موسكو المحطة الأولى من جولة خارجية للحريري يفترض ان تشمل ايضاً أنقرة والرياض وربما باريس، بدا واضحاً من المواجهة العلنية التي استجدّت حول السلّة، ورغم اتخاذها الطابع الماروني - الشيعي، ان حركة زعيم «المستقبل» باتجاه استكشاف مسارات جديدة في الملف الرئاسي أبرزها احتمال دعم عون، دونها تعقيدات داخلية كبيرة يصعب عزْلها عن المناخ الخارجي، ويشكّل موقف رئيس البرلمان أبرز عناوينها هو الذي تحوّل «رأس حربة» جبهة «الممانعة» لوصول عون الى الرئاسة من خارج «خريطة الطريق» التي رسمها تحت عنوان «السلّة المتكاملة للحلّ».

وتعاطت دوائر سياسية مطلعة في بيروت مع اندفاعة بري للردّ الأول من نوعه على رأس الكنيسة المارونية على انها إشارة متقدّمة الى ان رئيس البرلمان ماضٍ حتى النهاية في معاندته فصل المسار الرئاسي عن مبدأ السلةّ، ولو فُسِّر الأمر على انه يعكس رغبة في عرقلة وصول عون الى القصر او انه عنوان يتلطأ خلفه «حزب الله» لإبقاء مجمل الاستحقاق الرئاسي في «ثلاجة الانتظار» ريثما تحين اللحظة الاقليمية المناسبة لإيران.

وحسب هذه الدوائر، فإن ما عبّر عنه «الاحتكاك» بين رئيس البرلمان وبكركي، سيجعل الحريري أكثر حذراً في القيام بأيّ خطوات حاسمة في المسار الجديد الذي أطلقه، هو الذي يدرك انه يقوم بمخاطرة تحتاج الى توافقات عامة داخلية وخارجية، وانه من الصعب في ظلّ التشنج الحالي تَصوّر امكان توافر أرضية كافية لضمان حصول اي خيار جديد يعتمده، ولا سيما في ما خص عون، على «ضوء أخضر»، ما يجعل اي خطوة غير محسوبة يقوم بها لجهة الإعلان الرسمي مثلاً عن دعم زعيم «التيار الحر» في هذه المرحلة ترتدّ عليه سلباً داخل بيئته وفريقه السياسي، كما ان من شأنها تسليف خصومه ورقة مجانية للانقضاض عليه من جهة كما لحسْم الاستحقاق الرئاسي لاحقاً وفق شروطهم كاملة من جهة أخرى.

 


الراي