بلغ المدّ الايراني أوجه في العالم العربي خلال السنوات الاخيرة، فمهوم “تصدير الثورة” الذي دعا اليه مؤسس “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” روح الله الخميني يترجم تدخلاً إيرانياً مباشراً في أكثر من دولة عربية لا تقتصر أوجهه على البعد الديني وعقيدة “الولي الفقيه”، أو الثقافي وتغيير مفاهيم وعادات هذه الشعوب ونمط عيشها المجتمعي، أو السياسي وفرط حكومات وفرض تحالفات بل بلغ حدّ التدخّل العسكري المباشر ميدانياً.

 فبعد عام على الحكم، أعلن الخميني في خطاب له في 11/2/1980: “سنصدر ثورتنا إلى كل العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة. لقد كان هدفنا الاستقلال بمعنى التحرر من القيود والتبعية للشرق والغرب… التحرر من أغلال استبداد إمبراطورية شاه إيران. والجمهورية الإسلامية أي أن يحقق الإيرانيون حلمهم بإقامة حكومة على أساس الإسلام والديمقراطية… هدفنا من تصدير الثورة ليس الاعتداء العسكري لأن هذا عمل الدول الاستعمارية … إنّنا نصدر ثورتنا للعالم كله، فثورتنا إسلامية، وما لم يدو شعار لا إله إلاّ الله محمد رسول الله في كل أرجاء العالم، سنواصل الكفاح… لا يفهم من ذلك على نحو خاطئ إنّنا نريد فتح البلدان. إنّنا نعتبر كل بلدان المسلمين منّا. يجب أن تبقى كل البلدان في مكانها … معنى تصدير الثورة هو أن تستيقظ كل الشعوب، وتستيقظ كل الحكومات…”.

 ومع الوقت سقط القناع الذي البسه الخميني لـ”تصدير الثورة” بما يتعلق بانها ليست عبر الاعتداء العسكري، فاضحى الامر تصدير “سرطان السلاح” الذي يفتك بالدولة وسيادتها ومؤسساتها.

 واليوم يعيش نظام طهران “نشوة التمدد” و”عنجهية التضخم”:

* فك الحصار عنه جراء الملف النووي بعد التوصل مع إدارة “الشيطان الأكبر”  (أي أميركا) الى “تسويات” تحمل في طياتها الكثير من علامات الاستفهام.

* النجاح في القضاء على الحراك الاصلاحي في الميدان وجعل هامشه محدودا سياسياً.

* قرع باب الحديقة الخلفية للسعودية أي اليمن بعدما الفشل بالقيام في ذلك عبر البحرين.

* إدارة المعارك العسكرية شخصياً في الميدان السوري واليمني والعراقي، وإمتلاك أجنحة عسكرية محلية في هذه الدول الى جانب مليشيا “حزب الله” في لبنان.

* العمل على إعادة التوزيع الديمغرافي من اجل خلق بيئات حاضنة لمشروعه.

* لعب دور سياسي إقليمي مهم أكان في المشهد السياسي العراقي أو في لبنان وعدم الافراج عن الملف الرئاسي أو حتى في السودان وفلسطين عبر العلاقة مع “حماس” و”الجهاد الاسلامي”.

 وفي هذا الاطار، تندرج تصاريح مسؤولين إيرانيين منهم النائب علي رضا زاكاني، الذي بشر قبل فترة بانضمام رابع عاصمة عربية، وهي صنعاء، إلى فضاء الثورة الاسلامية، بعد كل من بغداد وبيروت ودمشق.   وآخرهم قائد أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري الذي أكد إستمرار طهران في العمل على تقوية نفوذها في دول " محور المقاومة " ... ومنها لبنان.

 المد الايراني حتى بيروت رغم قوته لم يبلغ ما وصله المد الفلسطني لبنانياً:

* القضية الفلسطينية كانت تحظى بإجماع عربي وتعاطف في الشارع الغربي أما الدور الايراني فيحظى بغضب خليجي ونفور عربي بشكل عامشض.

* الفلسطيني إستطاع الامساك باكثر من شريحة طائفية في لبنان أم الايراني فممسك بشكل رئيس بالورقة الشيعية.

 وتشاء الصدف أن يتزامن كلام باقري مع تصريح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي إعتبر أن “من حق الحكومة اللبنانية أن تسحب كل السلاح الموجود داخل وخارج المخيمات…”.

 فيا ليت الايراني يتعظ من تجربة الفلسطيني، ويعلم أنه كما أن طريق القدس لم تمرّ بجونية كذلك بيروت التعددية لن تقبل بإستيراد ثورته، وكما أن السلطة الفلسطينية وصلت الى قناعة بعدم جدوى أن تكون مخيماتها دويلات داخل الدولة وبنادقها رماحاً في صدر السيادة اللبنانية كذلك لن يجدي طهران نفعاً تقوية نفوذها في لبنان. فالشيعة الذين في قسم كبير منهم يبايعونها هم مكون لبناني اساسي اصيل، ولا بدّ ان يعودوا عودة الابن الضال الى كتاب “الوصايا” للإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي شدد على ان “لبنان وطن نهائي لجميع بنيه” ويرفض “نظرية الاقليات” ويدعو الشيعة في لبنان والدول العربية، إلى الاندماج في مجتمعاتهم وفي اوطانهم واعتبار انفسهم مسلمين وعرباً، ويحذّر “من مشاريع الفتنة التي ترمي إلى استخدام الشيعة (وغير الشيعة) في مصالح سياسية، غربية أو اجنية، مخالفة لمصالحهم كعرب وكمسلمين”.

وإن لم يتعظ الايراني فتاريخ لبنان كفيل به…

 جورج العاقوري - موقع القوات اللبنانية