شدّوا الأحزمة فقد تقوم القيامة اليوم، أو تؤجّل قليلاً حتى 13 تشرين الأول، اذ وعد جبران باسيل بزلزلة الأرض، وحتى بإسقاط الحكومة في الشارع، على أساس أن هذه الحكومة هي "النظام" المستبدّ الفاسد، وأنه في الطريق الى ربيعه العربي من أجل تغييره، رغم أنه وحليفه "حزب الله" لا يزالان جزءاً من هذا النظام، ويرفضان أي اتهام لهما بتخريبه أو تعطيله أو باستدراج لبنان الى مصير مجهول. السؤال هنا: هل تكفي النعرة الطائفية أو المذهبية لتبرير انقياد جمهورهما وراء التهوّر، وكيف يثق هذا الجمهور بأنهما مؤهّلان لإدارة البلد اذا كان العالم لا يرى في سلوكهما أي عنصر استقرار، اذ يصنّف "الحزب" ارهابياً و"التيار" وثيق الارتباط به، والإثنان مرتبطان بنظام ايراني يحتاج الى تأهيل دولي، كما بالنظام السوري الذي سيبقى منبوذاً حتى لو مكّنه الروس والايرانيون من استعادة السيطرة.
عندما يهدّد "التيار العوني" بالنزول الى الشارع فإن الاحتمال الوحيد أنه يسعى الى مواجهة مع ما تبقّى من الدولة، وهذا الـ "ما تبقّى" هو مَن أحبط كل محاولات المجموعات الارهابية من اقامة حال أو حالات مشابهة للرقّة والموصل أو لسرت وسيناء، بمعزل عمّا اذا كان "حزب الله" يرغب أو لا يرغب في نشوء بؤر كهذه بغية الاستفادة منها، على غرار ما فعل بشار الاسد والايرانيون مع "داعش". بطبيعة الحال يركّز "التيار" خطابه واستعداده للتحرّك في الشارع بأنه يستهدف الحكومة كأنها ورئيسها يقطعان طريق الرئاسة على العماد ميشال عون، اذ يحاولان ابقاء مؤسستي الجيش والأمن بمنأى عن التجاذبات السياسية، أو كأن الحكومة ورئيسها يعطّلان "تعيينات الرئيس عون" قبل أن يصبح رئيساً ودون أن يكون انتُخب أصلاً.
لا جدال في أن التحرّك العوني - الباسيلي موجّه أيضاً ضد "تيار المستقبل"، وما دامت المعايير المحلية تصوّر هذا التحرّك بأنه يمثّل الشارع الماروني أو المسيحي عموماً، دفاعاً عن "حقوق المسيحيين"، فإنه موجّه بالمعايير المحلية أيضاً ضد طائفة اخرى هي السنّية، مع استقواء المارونية بالشيعية المعسكرة. هل يعني ذلك أن "المستقبل"، واستطراداً السنّة، يتنكّرون لـ "حقوق المسيحيين" لمجرّد أنهم (مع مسيحيين وشيعة آخرين) يعتبرون عون مرشحاً بين آخرين (موارنة أيضاً) للرئاسة؟ وفي الأساس، هل هذه مسألة يمكن أخذها الى الشارع، وكيف يتصوّر عون - باسيل حلّها باستثارة طائفة أخرى والتظاهر ضدها، أو بأن الضغط على الرئيس سعد الحريري سينجح عندئذ؟.. مشكلة التحرّك العوني أنه يبحث عن مواجهة وليس هناك شارعٌ آخر يريد أن يواجهه، أي أنه سيواجه نفسه بنفسه. والأغرب أنه وحليفه "حزب الله" يمارسان كل الخدع والألاعيب باستثناء واحدة سويّة وصحيحة: الحضور الى المجلس وترك العملية الانتخابية تأخذ مجراها.