إذا وصل الجنرال عون إلى سدّة الرئاسة في لبنان، فلا بأس في ذلك، مجرّد سؤال محيّر لن تجد له جوابا : كيف يمكن لرجل أن يتسلم مهام الدستور والمحافظة عليه وتحالفاته الداخلية تتناقض مع أبسط المبادئ الدستورية التي تعرفها العلوم السياسية؟ وفي كل الحالات ،هذا السؤال سيُضاف إلى جملة الأسئلة المخيبة في العالم العربي الذي تتوالى خيباته منذ أن خبا عصر النهضة العربية في النصف الأول من القرن الماضي، وتكرّست مظاهر الاستبداد والتخلّف مع أنظمة الانقلابات العسكرية، وفي طليعة هذه الأسئلة التي لن تجد لها جواباً شافياً: لماذا اندثرت الحركة الوطنية اللبنانية التي صعدت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لتنبت محلها الطوائف والمذاهب بتنويعاتها المختلفة، ليتراجع الليبراليون والتنويريون ويتقدم رجال الدين وتُجّار المبادئ ورموز الفساد، الفساد على أنواعه، وتتالت الأسئلة: لماذا انتشرت الماركسية والشيوعية في أوساط عديدة في الوطن العربي، ومعظم هذه الأوساط فلاحية، لتتراخى فيما بعد وتتلاشى، ولماذا لم يتمكن القوميون العرب، المتحدرون من أوساط علمانية من الصمود أمام الزحف الإسلامي أواسط السبعينيات من القرن الماضي؟ ولا بل كيف عادت العدالة والتنمية الإسلامية إلى تركيا بعد قرنٍ من زمان الانعطافة الكمالية العلمانية؟ ولماذا لم يتمكن الحبيب بورقيبة من دفع المجتمع التونسي نحو العلمانية والدولة المدنية رغم عمليات "الفرنسة" والتغريب؟ ولماذا تمكّنت الديكتاتوريات العسكرية من الاستيطان في البلاد العربية لمدة زادت عن نصف قرنٍ من الزمن؟ ولماذا ما زال فكر الإخوان المسلمين يختمر في أرض مصر رغم الجراح والآلام التي خلّفها في بنية المجتمع المصري؟ أو لماذا أفسحت المملكة العربية السعودية لإيران أن تسرح وتمرح في المنطقة العربية، وهي منصرفة إلى تعهد جماعات أصولية متشددة، لم تزرع سوى التخلف والانغلاق الفكري والديني، وقد صُرفت ميزانيات خيالية في بناء المساجد ونشر المطبوعات الإسلامية، وبثّ الدعاة في مجاهل أفريقيا وآسيا وبلاد الغرب حتى، ومحاربة الشيوعيين في أفغانستان وأينما وُجدوا وحلّوا، قبل أن تخرج من سُباتها اليوم. هذه أسئلة مُحيّة وشائكة، ومعظمها في ذمة التاريخ ،لكنها بقيت بلا أجوبة، ويتفرع عنها اليوم بعض المسائل الملحّة: كيف تمكّن نظام الأسد، آخر الديكتاتوريات العسكرية من الصمود رغم الخراب والدمار والقتل والتهجير، حتى أنّ سفراء النظام يعملون بانتظام في بلدان العالم، بما فيها السفير علي في لبنان، رغم اتهام النظام السوري بالتفجيرات الإرهابية وعمليات الاغتيال السياسي، والسؤال الراهن في لبنان، كيف صمد النظام بدون رئيس جمهورية لمدة زادت عن سبعة وعشرين شهرا متتالية. فإذا كانت هذه الأسئلة مستعصية على الأجوبة، فلا بأس من إضافة السؤال الراهن: كيف يصل عون لرئاسة الجمهورية وصهره العزيز جبران باسيل يدير حملاته السياسية والتنظيمية والإعلامية والطائفية؟ عسى أن يجد اللبنانيون جواباً شافياً بعد إقحامهم في هذه التجارب المرة، وأن يعكفوا على الصلاة : ولا تُدخلنا في التجارب، ونجّنا من الشرّير، آمين.