لم يكن أسوأ من الإتهامات القارصة في الجلسة الطارئة العاصفة لمجلس الأمن حيال التصعيد العسكري الواسع في الحرب السورية إلا مشاهد الدمار الكبير الذي أحدثته حتى الآن الحملة العسكرية للقوات النظامية السورية والميليشيات المتحالفة تحت وابل القوة النارية الضخمة للطيران الحربي الروسي، في محاولة لإسترداد الأحياء الشرقية لحلب، وسط تحذيرات أميركية وبريطانية وفرنسية من تصير المدينة غيرنيكا أخرى ومخاوف دولية من ارتكاب "جرائم حرب" ضد زهاء 275 ألفاً من المدنيين المحاصرين.

وتجلى الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر من أي مضى بعد انهيار المحادثات خلال الأسبوع الماضي على هامش اجتماعات الدورة السنوية الحادية والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أكان في اطار مجموعة الدعم الدولية لسوريا أو ثنائياً بين كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري الذي حذر شبه ما يحصل في حلب اليوم بحصار الرومان لقرطاجة وتدميرها في القرن الثاني قبل الميلاد.
وعقد مجلس الأمن الجلسة العلنية الطارئة بطلب من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بعدما أصدر وزراء الخارجية فيها كيري وجان مارك ايرولت وبوريس جونسون، مع نظيريهم في ألمانيا وايطاليا فراتنك فالتر شتاينماير باولو جينتيلوني والممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن المشترك للإتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه أنه "يقع على عاتق روسيا إثبات أنها تريد وقادرة على اتخاذ خطوات استثنائية لإنقاذ الجهود الديبلوماسية والعودة الى وقف العمليات العدائية" في سوريا، مشددين على أن "الصبر على عدم قدرة روسيا أو عدم إرادتها الإمتثال لالتزاماتها ليس غير محدود". وطالبوا مجلس الأمن باتخاذ خطوات ملموسة، وخصوصاً في حلب.
وخلال الجلسة، عرض المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دو ميستورا للأوضاع المتدهورة في حلب في ظل سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. وقال: "من وجهة النظر الإنسانية، نطلب من مجلس الأمن: أولاً، الضغط من أجل وقف العنف وحماية المدنيين وبنيتهم التحتية. ثانياً، وقف القتال لمدة 48 ساعة أسبوعياً لضمان قدرة الأمم المتحدة وشركائها على الوصول الى شرق حلب من دون شروط مسبقة من الحكومة أو المعارضة، ثالثاً، الضغط من أجل الإجلاء الطبي للحالات الطارئة في شرق حلب". وتحدث عن مقتل مئات الأشخاص في محافظة حلب، بينهم عشرات النساء والأطفال، مضيفاً: "شاهدنا صوراً ومقاطع فيديو تفيد عن استخدام قنابل حارقة، و نسمع الآن عن استخدام قنابل خارقة للتحصينات". وحذر من أنه "إذا ثبت الاستخدام المنهجي والعشوائي لمثل تلك الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان فقد يكون ذلك جريمة حرب". وكرر أنه "يستحيل تحقيق نصر عسكري في النزاع في سوريا، بما في ذلك في حلب". وأكد أنه لن يستقيل من منصبه، خشية أن "يعطي انطباعاً بأن المجتمع الدولي يتخلى عن سوريا".
وحملت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانتا باور بشدة على موسكو، قائلة إن الدعوة الى عقد الجلسة جاءت بسبب "شن روسيا ونظام الأسد"، الهجوم الشامل جواً وبراً ضد شرق حلب الذي تعرض لأكثر من 150 غارة على مدى الساعات الـ72 الماضية، مما أدى الى مقتل 139 شخصاً على الأقل وجرح مئات آخرين، وتدمير ما تبقى من هذه المدينة الأيقونية في الشرق الأوسط". وقالت: "ما تقوم به روسيا وما ترعاه ليس مكافحة إرهاب، إنه بربري". ورأت أن روسيا "تملك بالطبع القدرة على إنهاء هذه المعاناة". وإذ أشارت الجهود الديبلوماسية المشتركية لواشنطن وموسكو، رأت أن "روسيا تقول مراراً شيئاً وتفعل شيئاً آخر، ولكننا فعلنا ذلك لعلمنا أن السلام غير ممكن في سوريا إذا أصرت روسيا على خوض هذه الحرب".
وقال نظيرها البريطاني ماثيو رايكروفت إن "القنابل الخارقة التحصينات، الأكثر ملاءمة لتدمير المنشآت العسكرية، تدمر المنازل الآن، تصيب الملاجىء وتشوه، وتقتل العشرات، إن لم يكن المئات"، مضيفاً إن "الذخائر الحارقة، والعشوائية التي في متناولهم، اسقطت على مناطق مدنية، مرة أخرى: حلب تحترق. والأنكى من ذلك قطع إمدادات المياه، الحيوية للغاية عن الملايين". واتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب.
وكان رايكروفت حذر لدى دخوله الى المجلس من أن "المسار السياسي الأميركي - الروسي يكاد يصل الى خط النهاية".
وقال نظيرهما الفرنسي فرنسوا دولاتر إن "حلب بالنسبة الى سوريا هي ما كانت عليه ساراييفو بالنسبة الى البوسنة، أو ما كانت عليه غيرنيكا في الحرب الإسبانية"، مضيفاً أن "هذه المدينة تلخص المأساة السورية أكثر من أي شيء آخر". وأكد أن "حلب، هذه المدينة الرمزية التي يعود تاريخها الى الآلاف من السنين، وهذا الموقع التراثي العالمي، ملتقى الطرق للكثير من الحضارات وتلاقيها، تواجه الآن حصاراً من القرون الوسطى. يا لها من رمز، وبصراحة، يا للعار!".
وتحدث المندوب الروسي فيتالي تشوركين مدافعاً عن بلاده وسياساتها في سوريا، قائلاً إن "واشنطن وعواصم غربية أخرى اتخذت قرارا عام 2011 بمواصلة التدخل في الشرق الأوسط وأفريقيا والذي بدأ بالتدخل في العراق عام 2003". واتهم تلك العواصم بأنها "دعمت الكثير من الجماعات الإرهابية في سوريا ومدتها بالأسلحة". ورأى أنه "بالنسبة الى الأوضاع الإنسانية في حلب، كان يمكن أن تعود الى طبيعتها في آب، ولكن لم يسمح بذلك لأن المجموعات المسلحة حالت دون ذلك، وأرادت ضرب الممرات الإنسانية". وتحدث أيضاً عن "اتفاق أيلول، ماذا حدث بعده؟ الحكومة كانت تشرف على مراقبة الحدود وسمحت بإقامة ممر إنساني، ولكن تعرضت للاستفزاز من المجموعات المسلحة". وقال: "ما نراه من عمليات استفزازية من المجموعات الإرهابية وبعض الدول التي تدعمها هي التي أدت إلى زعزعة الأمور وبالتالي لو أن هذه الدول قامت بالضغط على المجموعات المسلحة لتم تنفيذ الاتفاقات وفصل الإرهابيين عن المعارضة". واعتبر أن "الحكومة السورية أظهرت ضبط نفس"، متهماً "المجموعات الإرهابية بأنها هي التي تحاصر أحياء مدينة حلب الشرقية بهدف استخدام السكان كدروع بشرية".
أما المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري فتحدث عن "نصر وشيك"، مؤكداً أن "الحكومة ستعيد مدينة حلب كاملة" لأن "لسوريا عاصمتين هما دمشق وحلب".
وعلى هامش الإجتماع، استنكر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون التصعيد العسكري في حلب. وتساءل عن "العذر الذي يمنع القيام بعمل حاسم لوقف هذه الفوضى"، مضيفاً: "حتام سيسمح من يتمتعون بالنفوذ باستمرار هذه القسوة؟". ودعا المعنيين الى "العمل بجد لإنهاء هذا الكابوس".

 

علي بردى