بات واضحاً أنّ هناك غرفة عمليات تتولّى إدارة ملف ما بات يُعرف بـ "إنهاك الحريري". ويتولّى المهمة فريق بكفايات نادرة، زاد من قوته ما وُضع بتصرفه من معلومات ليس من السهل الوصول اليها. وهو ما يوحي أنّ هناك تعاوناً بين أجهزة محلية وإقليمية تستقصي الوقائع لتبني عليها سيناريوهات منطقية وأخرى وهمية تُدس فيها. فما الذي يثبت ذلك والمؤشرات؟بداية لا بدّ من الإعتراف أنه من الطبيعي أن تدور على هامش المعارك الكبرى كتلك التي تشهدها دول المنطقة، حروب صغيرة يخوضها وكلاء قادة المحاور بناة الإستراتيجيات الكبرى تعبيراً عن انتقام متبادل بين اطراف متصارعة من جهة ولإشغال الدول الكبرى بقضايا حلفائها من الدول الصغرى من جهة أخرى، وصولاً الى إنهاك جبهاتها الداخلية والخلفية والمس بمعنويات شعوبها وقياداتها بما يخدم المواجهة المفتوحة على كلّ المستويات.

وعليه، فقد بات من الواضح أنّ ما يشهده لبنان من أزمات متعددة الهويات والوجوه الدستورية والسياسية والرئاسية والأمنية باتت واحدة من تردّدات أحداث المنطقة. ويجرى مختلف فصولها على وقع هدير الحرب في سوريا والعراق واليمن وغيرها.

فقد أكدت المواجهات القائمة بين المحاور الدولية على أكثر من ساحة عربية وإقليمية أنها تركت بصماتها على الساحة اللبنانية بما تشهده من مواجهات سياسية لتبقى ساحته الأمنية هادئة بعدما اتفقوا على تجنيبها الخضات الامنية دون غيرها من تلك التي تشهد مواجهات دموية.

ولعلّ الإستحقاق الرئاسي واحد من الملفات المفتوحة على ما يمكن أن تؤدي اليه المواجهات في المنطقة بات بمعظم فصوله وجهاً من وجوهها جراء الربط الذي أجراه اقطابها بما يجرى في سوريا وما بين طهران والرياض والتي جنّد لها الطرفان مختلف اسلحتهم السياسية والإعلامية وصولاً الى الوجوه الأخرى وهي التي أنتجت شغوراً رئاسياً تعجز القيادات اللبنانية التي ترغب بحلّ «صنع في لبنان» عن الوصول اليه او الى معادلة داخلية يمكن أن تنتج رئيساً.

وعليه تبدو المعركة المفتوحة على الرئيس سعد الحريري من باب الوضع المالي والسياسي الذي تعانيه مؤسساته من مصاعب مالية نتيجة عوامل عدة. منها سوء العلاقة التي قامت بينه وبين بعض أركان القيادة السعودية الجديدة فتركت انعكاساتها السلبية على اوضاعها المالية، فأصابتها بما يشبه الشلل كما طاولت مصالح آلاف العائلات اللبنانية وأخرى من جنسيات مختلفة.

وبناءً على ما تقدم، يكشف العارفون بخفايا الأمور أنّ هناك غرفة عمليات سياسية وإعلامية تستهدف الحريري وتتمتع بقدرات عالية وبشبكة علاقات اكثر من ممتازة بالعديد من وسائل الإعلام المحلية والفضائيات وقد باشرت عملها في محاولة لـ«إنهاك الحريري» مالياً وسياسياً انطلاقاً من حصولها على معلومات تفصيلية بالمصاعب المالية التي يعانيها في الرياض ومناطق أخرى في العالم، بالإضافة الى المآزق السياسية التي تعانيها كتلته النيابية نتيجة الخلاف القائم حول موجة الترشيحات الرئاسية.

ولم يعد سراً أنّ من بين اعضاء كتلته مَن يريد المضي بترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وآخرون يريدون الإنتقال الى تأييد العماد ميشال عون، فيما يدعو آخرون الى البحث عن مرشح ثالث توافقي وصولاً الى إنهاء الشغور الرئاسي بأيّ ثمن.

وفي مختلف الحالات، تظهر الحملة المنظمة التي تستهدف الحريري وفريقه أنّ لها أساساً مرتبطاً بقدرة منظّميها في الوصول الى معلومات دقيقة من مصادرها والتي ليس من السهل على أيّ كان الحصول عليها.

ولا يغفل العارفون بالتفاصيل الدقيقة أنّ بعضاً من هذه المعلومات جمعت من مقربين ومسؤولين سابقين في التيار تركوا أو انقلبوا أو أُبعدوا منه. وقد عبروا في مناسبات عدة عن بعضها فتسرّبت الروايات والسيناريوهات الخاصة بحجم الأزمة التي تهدد في جانب منها بتفكك كتلته والقواعد الشعبية للتيار.

ولعلّ ما شهدته ساحات طرابلس وعكار خير دليل على هذه الأزمة والتي زادت من تفاقمها الأزمة المالية التي انعكست غياب القدرة على دفع رواتب موظفي مؤسساته الإعلامية واعمال الصرف التي شهدتها أخرى أمنية وفي الوسط التجاري وصولاً الى تقليص فريق المرافقين والموظفين الذين كانوا بتصرف قيادييه ومكاتبه وفروعه الحزبية.

ولعلّ في ما سبق من معلومات ما يوحي أنّ المواجهة ليست سهلة لكنها تطوّرت الى حدّ مؤذ للغاية. ويبدو أنّ مَن يقف وراء هذا المخطط قد عقد النية على إنهاك الحريري من دون احتساب أيّ عقبات يمكن أن تحول دون اكتمال المخطط الذي يقودونه. فثمة مَن يتحدث نقلاً عن اركان القيادة السعودية أنهم لن يتركوا الحريري يصل الى مأزق أكبر وستكون هناك خطوات على الطريق تنعشه.

وقد تشهد الأيام المقبلة مبادرات تعزّز او تستكمل ما بدأه العاهل السعودي بتوفير رواتب ومخصصات آلاف الموظفين والعمال العرب والأجانب لإنقاذهم من الهلاك على أن تستكمل الخطوات التي تقيّم الشركات وحجمها المالي لإجراء عملية إعادة نظر وجدولة ديونها.

وثمّة من بين زوار الرياض مَن يقول إنّ هناك توجّهاً لإنقاذ مؤسسات الحريري بتوفير حقوق مجمدة له في المؤسسات المالية السعودية وإدارة القصور الملكية خصوصاً قد يؤدّي تسديدها الى حلّ جزء من المشكلات الطارئة التي تعانيها هذه الشركات «فلا يموت الديب ولا يفنى الغنم» وتنعش الحريري مالياً تمهيداً لإنعاشه سياسياً. وبذلك يكون الرهان على إنهاك الحريري مجرد مرحلة عابرة تنتهي بالفشل، فليس هناك مَن يرى مصلحة في إنهاء دوره في لبنان لا بل فإنقاذه ضمان للجميع.


جورج شاهين