تشكيكية الوزير جبران باسيل بالعيش المشترك الإسلامي - المسيحيّ واحدة من تقليعات الموسم. قبلها بعام سبق له أن ارتجل مناداة بالفدرالية، بمناسبة «حقوق المسيحيين» ثم عاد ونسيها. المسألة بسيطة عند باسيل، وعند الجنرال ميشال عون: اذا كان العيش المشترك صحيحاً وقائماً بالفعل يفترض مبايعة عون رئيساً للجمهورية، والا فلا انتخابات رئاسية من أساسه. وطالما لم يرأس عون الجمهورية فليس ثمة عيش مشترك. العيش المشترك يكون في ظل العماد عون أو لا يكون. لكن الـ»لا يكون» هذه هي موقف انفعالي، للاستهلاك السجالي، ليس لدى التيار العوني أي أفق جدّي لترجمة مثل هذا الكلام، تماماً مثلما أن نغمة «حزب الله» حول المؤتمر التأسيسي لا يملك الحزب أي خارطة طريق لبلورتها وتحقيقها. هاتان مادتان للإثارة السجالية، وأخذهما على محمل الجد على مدار الساعة ليس بالأمر الصحيّ هو الآخر. الطريف أن باسيل يشكك بالعيش المشترك الاسلامي المسيحي من أساسه، في حين أنه واثق بشكل ايماني بالتحالف بين تياره وبين «حزب الله». نسي حتى أن يقدّم هذا التحالف كنموذج يحتذى للوئام بين المسيحيين والمسلمين.!

لكن، هل تنفع المكابرة على تشكيكية باسيل بالعيش المشترك على طول الخط؟ لا. بالتوازي مع استفحال الفراغ الرئاسي وتعطيل مؤسسات الدولة وشل أجهزتها، ثمة اشكال اسلامي مسيحي عميق ومتضخم، واشكال شيعي سني جسيم. ليس من الوجاهة نفي هذا ولا ذاك، لكن ليس من السوية أبداً ابتذال أي من الإشكاليين في أن المفتاح الى حلّه يختزل في شخص، خصوصاً اذا كان هذا الشخص، أو فريقه، يتخفف من حمولة «العيش المشترك» عند أي قارعة. فاذا كان العيش المشترك لا يتأمن الا بايصال عون الى الرئاسة صار يلزم السؤال عن كيفية «عيش هذا العيش» بعد وصوله.

الاشكال الاسلامي المسيحي يجد نقطته الخلافية السياسية الأساسية في قانون الانتخاب، وليس في انتخاب رئيس للجمهورية. والاشكال السني الشيعي، سياسياً، يجد نقطته الخلافية السياسية الأساسية في الموقف من المحكمة الدولية ومن الحرب في سوريا وليس في الوقت الحالي في كيفية ادارة العلاقة بين الرئاسات.

الاشكال الاسلامي المسيحي تفاقم بعد تحلل الحركة الاستقلالية، وبشكل أساسي يوم طرحت مسودة ما سمي «القانون الأرثوذكسي» لكنه تفاقم بشكل أساسي كون «حزب الله» دعم هذا القانون الأرثوذكسي، مقحماً اذذاك الاشكال السني الشيعي في الاشكال الاسلامي المسيحي، على قاعدة أنا أقدّم أفضل عرض للمسيحيين على صعيد القانون الانتخابي. الشيء نفسه بالنسبة الى دعمه في الرئاسة لعون. وفي الحالتين، يطمئن الحزب الى أنه يبيع المسيحيين سمكاً في الماء، وجلّ ما يقوله لهم انه عليكم أن تتصيّدوه بأنفسكم.

بعد تحلل نطاقها الجبهوي، لم تنهض حول تركة عشر سنوات من الحركة الاستقلالية فئة ولو قليلة تعترف في الوقت نفسه بجدية الاشكالية المسيحية الاسلامية في البلد، تلك التي زيّن لهذه الحركة تحديداً أنها محسومة يوم الرابع عشر من آذار بشكل قطعي، نهائي، شامل، وترفض الانفعالية والغوغائية عند تناول باب هذه الاشكالية، فلا يمكنك أن تشكك بالعيش المشترك الاسلامي المسيحي وانت في الوقت نفسه سعيد بتحالف هو بالأحرى تبعية مع أكبر حزب اسلامي مسلّح في العالم، «حزب الله»، الا اذا كنت تسقط عن هذا الحزب صفتيه المسلمة والاسلامية، وهذا ما يفعله العونيون بشكل أو بآخر، وليست هذه حال الحزب الخميني في لبنان أبداً.

الطريف أيضاً أن كل هذا التشكيك بـ»الآخر المسلم»، مع الغفلة عن كون «حزب الله» حزب اسلامياً مسلّحاً يرتبط بـ»جمهورية اسلامية»، انما يرتبط بطمأنينة عونية بالغة تجاه الفراغ الرئاسي، كما لو أن الرئاسة موضوعة في الأمانات، ولا خطر جدياً عليها، ويمكن أن تبقى هكذا، في الأمانات، الى أن يتوافر الظرف السانح لانتخاب عون رئيساً.