برزت معطيات جديدة في الواقع اللبناني تشير إلى أن الأوضاع تتجه نحو التصعيد خلال الأسابيع المقبلة، ما قد يؤدي إلى نتائج خطيرة على كل المؤسسات الرسمية، وصولاً إلى التصعيد الشعبي.
فبعد انسحاب وزراء التيار الوطني الحر من الحكومة احتجاجاً على التمديد للقيادات الأمنية، انسحب رئيس التيار الوزير جبران باسيل من طاولة الحوار احتجاجاً على ما سمّاه «غياب الميثاقية» عن عمل الحكومة، ما دفع الرئيس نبيه بري إلى تعليق جلسات الحوار دون تحديد موعد محدد للعودة إلى الحوار.
وقد شهدت طاولة الحوار سجالات سياسية قاسية بين الوزير باسيل وشخصيات أخرى، على رأسها النائب سليمان فرنجية، الذي رفض المقاييس التي يعتمدها التيار الوطني الحر بشأن التمثيل المسيحي ودور القوى المسيحية في مجلس الوزراء.
وقد أشارت مصادر مطلعة في التيار إلى وجود توجه داخل التيار للقيام بالمزيد من الخطوات التصعيدية السياسية والشعبية، وصولاً إلى القيام بتحرك كبير في 13 تشرين الأول المقبل (وهو موعد إنهاء سيطرة العماد ميشال عون على قصر بعبدا عام 1990 بعد معارضته لاتفاق الطائف).
فإلى أين يتجه تصعيد التيار الوطني الحر في المرحلة المقبلة؟ وما هو موقف حزب الله من هذا التصعيد؟ وهل نحن ذاهبون إلى سقوط كل المؤسسات الدستورية والحكومية، ما قد يؤدي إلى عقد مؤتمر تأسيسي جديد، أو البحث عن صيغة جديدة للنظام اللبناني تنسجم مع المتغيرات الحاصلة منذ عام 1990 وحتى اليوم؟
مواقف التيار وحلفائه؟
حسب المصادر المطلعة في التيار الوطني الحر، فإن أفق التصعيد مفتوح بدون حدود معينة، خصوصاً إن لم يجرِ التوصل إلى حلول سياسية لمختلف الأزمات، إن على صعيد العمل الحكومي أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو التوصل إلى قانون للانتخابات النيابية.
وتوضح المصادر أن المسؤولين في التيار العوني يرون أن الأداء السياسي الحالي يستهدف تحجيم دور التيار وعدم الأخذ في الاعتبار قوته التمثيلية والشعبية، وأن استمرار عمل الحكومة من دون مشاركة وزراء التيار وفي ظل عدم تمثيل حزب الكتائب والقوات اللبنانية يؤدي إلى «غياب الميثاقية عن عمل الحكومة» والاستهانة بالتمثيل المسيحي القوي.
وتضيف المصادر أن هناك حالة من الاستياء الشعبي لدى أنصار التيار ومؤيديه من جراء السياسات المتبعة، ولذلك سيعمد التيار إلى التصعيد في مواقفه وصولاً إلى يوم 13 تشرين الأول المقبل حيث ستشهد تحركاً شعبياً واسعاً شبيهاً بالتحرك الذي حصل في العام الماضي، وقد يؤدي هذا التصعيد إلى وقف عمل كل مؤسسات الدولة بما فيها مجلس الوزراء وحصول شلل سياسي وحكومي واسع.
لكن أين تقف بقية القوى الحليفة للتيار، وخصوصاً حركة أمل وحزب الله، من الخطوات التصعيدية للتيار؟ تقول مصادر مطلعة على موقف أمل وحزب الله، إن هذين الطرفين الأساسيين غير موافقين على سياسة التصعيد التي يعتمدها التيار وانهما لن يجاريا التيار في مواقفه سواء لجهة التوقف عن المشاركة في الحوار أو في العمل الحكومي أو على صعيد التصعيد السياسي والشعبي.
فحركة أمل وحزب الله يعتبران ان لا مصلحة في تعطيل العمل الحكومي أو في وقف الحوار أو في الذهاب إلى تصعيد شعبي وسياسي واسع، لأن ذلك سيكون له انعكاسات خطيرة على كل الأوضاع في البلد ولن يشكل أية فائدة لأية قوى سياسية أو حزبية.
أفق التصعيد
لكن إلى أين ستصل الأجواء المتأزمة في البلد في ظل التصعيد العوني؟
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن الأوضاع في لبنان مفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصاً مع ازدياد التصعيد في الأوضاع الإقليمية وعدم التوصل إلى حلول للأزمات القائمة في سوريا واليمن والبحرين والعراق، وتواصل الصراع السعودي - الإيراني. ورغم أن التصعيد الذي يقوم به التيار الوطني الحر لا يحظى حالياً برضى حركة أمل وحزب الله، فإن تطور الأوضاع قد يؤدي إلى نتائج خطيرة في ظل التهديد بالنزول إلى الشارع.
ومع أن هذه المصادر تؤكد استمرار القرار الدولي والإقليمي بحماية الاستقرار في لبنان ومنع الانهيار الكامل للدولة وفقاً للقاعدة الشهيرة (لا تسوية كاملة، لا انهيار لا تقسيم)، فإن خطورة الأوضاع اليوم ناتجة من تآكل مؤسسات الدولة وازدياد الفساد والأزمات الاقتصادية والمعيشية وصعوبة التوصل إلى حلول بشأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، وتراجع الاهتمام الدولي والإقليمي بالوضع اللبناني.
وتتابع المصادر: إن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة على صعيد الأزمة اللبنانية، فإما يتم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد ووضع قانون جديد للانتخابات، أو ان الأوضاع قد تتجه نحو تصعيد سياسي وشعبي، ما يجعل من المتعذر عليه التوصل إلى حلول سياسية، وقد يمهّد ذلك إلى انهيار كامل للنظام اللبناني والحاجة الى عقد مؤتمر استثنائي للانقاذ، أقل من اتفاق الطائف وأكبر من اتفاق الدوحة.
وتوضح المصادر قائلة إن هناك قراراً دولياً - إقليمياً، داخلياً حالياً بمنع انهيار الوضع اللبناني وضرورة الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي، لكن المشكلة ان لا أحد يستطيع السيطرة على الأوضاع في ظل زيادة الاحتقان لدى الأوساط المسيحية والتخوف من النزول إلى الشارع، ما قد يستدعي ردود فعل سياسية وشعبية مقابلة، ما قد يفتح الباب أمام صراعات جديدة.
ونظراً إلى تطور هذه الأوضاع، بدأت عدة جهات دولية وإقليمية وداخلية التحرك للبحث عن حلول للأزمات القائمة، وتراهن بعض الأوساط على عودة رئيس تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري بعد عيد الأضحى، على أمل أن تُسهم هذه العودة في فتح كوة ما في جدار الأزمة.
فهل تنجح الاتصالات والجهود السياسية في وقف أجواء التصعيد؟ أم اننا ذاهبون إلى مرحلة اللاعودة، ما قد يفتح الباب أمام كل الاحتمالات السياسية والشعبية؟