لم يكتِف حزب الله بفضيحة الصمت حيال صدور قرار اتهامي شمل ضابطين في المخابرات السورية، في جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام في مدينة طرابلس، شمال
لبنان.
التفجير الذي استهدف مصلى يوم الجمعة 23 أغسطس (آب) 2013 ،أودى بحياة سبعة وأربعين شخًصا، وجرح نحو خمسمائة بحسب القرار الاتهامي، الصادر قبل أيام، وهو
أحد أكبر التفجيرات منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية. ويشير القرار، بالاستناد إلى التحقيقات، إلى أن الأمر بتنفيذ العملية صدر عن «منظومة أمنية رفيعة المستوى والموقع
في المخابرات السورية».
فضيحة الصمت ذهب بها حزب الله خطوات إلى الأمام، من خلال تنظيم زيارة تضامنية لمندوب نظام الأسد في بيروت علي عبد الكريم علي، شملت ممثلين عن ما يسمى
«لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية»، التي هي عبارة عن مجموعة من أيتام نظام الوصاية البعثية اللاجئين سياسيًا إلى كنف حزب الله!
اعتاد حزب الله إزاء كل التفجيرات التي حصلت، منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2004 ،حتى اغتيال الوزير محمد شطح،
في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2013 ،أن يطعن بالاتهامات الموجهة له ولسوريا الأسد، باعتبارها اتهامات سياسية. اللافت أن حزب الله كان يواجه الاتهامات الموجهة إليه
باتهامات مضادة، ظلت حتى الأمس القريب تُحِّمل إسرائيل المسؤولية عن اغتيال خصومه، وصارت أخيرا تحمل «داعش» والتكفيريين المسؤولية نفسها. وهي مفارقة
عجيبة، إذ إن إسرائيل بالأمس و«داعش» اليوم، بحسب سردية حزب الله، تجتهد لتخليص الحزب من خصومه، بل من نخبتهم!!
الحقيقة أن الأداء الفضائحي لحزب الله حيال الجريمة اللاحقة باللبنانيين، كما في طرابلس وغيرها، يجب ألا يكون مستغربًا من جهة تعلن جهاًرا نهاًرا أنها جزء عضوي من
الجريمة المتمادية بحق الشعب السوري، قتلاً وحصاًرا وتجويعًا وتعذيبًا وتهجيًرا.
لكن المرء لا يسعه إلا أن يستغرب! فالصورة السورية، مهما بدت واضحة، يظل بإمكان حزب الله، ولو بضعف شديد، أن يغشيها بزعم أنه يقاتل تكفيريين، أو يحمي حدود
لبنان أو القرى الشيعية الحدودية، أو المزارات المقدسة عند الشيعة. أما بإزاء القرار الاتهامي في جريمة تفجير المسجدين، فإننا أمام تهمة شديدة الصلابة لنظام الأسد
بالمسؤولية عن عدوان سافر على مدنيين لبنانيين عزل، ليسوا منخرطين في أي إطار عسكري أو مجهود حربي، أقله في لحظة العدوان عليهم! هي إذا جريمة خالصة، لا
يسع حزب الله إدغامها بأي سردية قتالية أو حمائية، وهي جريمة تطال لبنانيين على أرض لبنانية.
وبالتالي، فإن التضامن مع مندوب النظام المتهم بجريمة تفجيري طرابلس هو إعلان لا لبس فيه عن انحياز الحزب للقاتل السوري على حساب القتيل اللبناني، وللقاتل العلوي
على حساب القتيل السني، في واحدة من أخطر لحظات التصادم المذهبي في المنطقة!
بوسع حزب الله أن يتذاكي، ويستند إلى حجة تفيد بأننا بإزاء قرار اتهامي، وليس حكًما مبرًما يستوجب منه موقفًا ممن أوغل في دماء اللبنانيين. ولا ينقصه من الفجور أن
يحاضر في خصومه بضرورة احترام القضاء ومسار العدالة، ريثما تصل القضية إلى خواتيمها، ويبنى على الشيء مقتضاه.
لكن اتهام سوريا الأسد بتفجير المسجدين في طرابلس، واتهام قادة في حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى قبل انتهاء المحاكمات، ليس أمًرا يمكن التعامل معه
بهامشية وتعاٍل، بعد قضية ميشال سماحة، كما كان يتم التعامل معه قبلها. ميشال سماحة وزير لبناني سابق، ومستشار مباشر لبشار الأسد، وقد أوقع به جهاز أمن لبناني
محترف، هو فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بقيادة اللواء العبقري الشهيد وسام الحسن.
ما قاله ميشال سماحة بالصوت والصورة، وتمكن العودة إليه على موقع يوتيوب، عن كيفية تعاونه مع بشار الأسد شخصيًا، وضابطه الأقرب اللواء علي المملوك، لتنفيذ
تفجيرات واغتيالات كمثل تفجير المسجدين، لا يترك مساحة كبيرة لفجور حزب الله، وادعادات الحرص على مسار العدالة واستقلالية القضاء!
ميشال سماحة، بحسب اعترافاته،ُكلف من بشار الأسد شخصيًا بالقيام بما قام به من نفذوا تفجير المسجدين. فشل هو حيث نجحوا هم. وبفشله، اطلع اللبنانيون والعالم للمرة
الأولى على كيفية التخطيط لعمليات التفجير والإرهاب الأسدي والتحريض عليهما. واطلع اللبنانيون والعالم على كيفية صدور القرارات العليا بالقتل، وعلى هوية من
يصدرها.