يَعتقد مسيحيّون كثُر أنّ المعركة التي يخوضها «التيار الوطني الحر» تحت شعار «الميثاقية» كما يعرفون عنها ويرونها، تفتقر إلى الكثير من عناصر الميثاقية التي تُجمع عليها أكثرية المسيحيين واللبنانيين. ولذلك لن يجد «التيار» مَن يناصره في هذه المعركة، ويبدو في مواجهة مفتوحة مع حلفائه والخصوم في آن. كيف ولماذا؟

ليست المرّة الأولى التي يخوض فيها «التيار الوطني الحر» معاركه تحت شعار «الميثاقية» و«استعادة حقوق المسيحيين». ففي الصيف الماضي نزل «التيار» إلى الشارع منادياً بهذه الشعارات من دون أن يشاركه أحد من حلفائه أو خصومه المسيحيين وغير المسيحيين الرأيَ نفسَه.

فالقضايا الميثاقية التي نادى بها «التيار» يومها لم تستدرج أيّاً مِن أشكال الإجماع، رغم أنّه كان قد أنجَز «ورقة النوايا» مع «القوات اللبنانية» التي تردّدت في النزول إلى الشارع معه وغاب عن تحرّكه حلفاؤه السابقون. لا بل سجّل تيار «المردة» يومها انتقاداً لِما رافق تلك المواجهات مع الجيش اللبناني وانتهى الحراك من دون جدوى.

كان «التيار» يخوض آنذاك المواجهة تحت شعار الميثاقية وحقوق المسيحيين وضمان حقوق الضبّاط المسيحيين الذين يستحقّون قيادة الجيش. وطويَت المسألة في حينه بمجرّد التمديد في المواقع العسكرية منعاً لأيّ شغور.

وفي الأمس القريب اندلعَت المواجهة مجدّداً، ورُفعت الشعارات عينها منذ الثلث الأخير من آب الماضي، وتحديداً منذ أن طرح التمديد في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع قبل الوصول إلى مرحلة التعيينات الأخرى، حيث تسلّح «التيار» بقرار تعيين المدير الجديد للمخابرات قبل أشهر باعتبار أنّ هذه الخطوة واردة وممكنة. لكن حتى الساعة اقتصَر تصعيد «التيار» على مقاطعة أعمال مجلس الوزراء ليبقى وحيداً في المواجهة.

وكأنّ التاريخ يعيد نفسَه بسرعة، فقد عبر التمديد في أوّل المواقع وانعقد مجلس الوزراء بنصاب قانوني ودستوري، وها هو يستعدّ لجلسة أخرى بعد غدٍ الخميس بجدول أعمال جمعَ في متنه القضايا المرجَأة من الجلسة السابقة.

وبناءً على ما تقدّم ترى اكثرية المسيحيين أنّ لـ»التيار» معايير خاصة به بالميثاقية لم ولن تقود أيَّ طرف مسيحي آخر إلى مشاركته المواجهة القائمة اليوم. ومرَدّ ذلك أنّ بقيّة الأطراف المسيحيين ومنهم «القوات اللبنانية» والكتائب و»المردة» ومعهم النواب والوزراء المسيحيون المستقلون لا يرون أنّ ما يَطرحه «التيار» اليوم ينتقص من الميثاقية بشيء. فالميثاقية في رأيهم لا تؤمّن ولا تُستعاد إلّا بانتخاب رئيس الجمهورية الذي سيشكّل انتخابه انطلاقةً لمسيرة جديدة في الحكم تَحتكم الى الدستور وما يقول به.

إلى ذلك، يأخذ بعض المسيحيين على «التيار» تفرّده بقراءته للميثاقية، في وقتٍ كان المطلوب منه أن يتنبّه إليها يوم خروج الكتائب من الحكومة مثلاً. فلماذا لم يتوقّف أمام خروج مكوّن أساسي من المكوّنات المسيحية في الحكومة؟ لا بل فقد اعتبَر أنّ الفرصة سَنحت ليمثّل المسيحيين وحده في الحكومة وأن تُحصَر في يده كلّ التعيينات في الإدارة من دون أن يحتسب أنّه سيأتي يوم سيشعر فيه بالتهميش والغبنِ الذي لحقَ بغيره سابقاً.

وخَتم أصحاب هذه النظرية إلى القول: لو كان وزراء «التيار» يؤمنون بمقولة «أكِلتُ يوم أكِل الثور الأبيض» لكان عليهم أن ينتصروا مِن قبل لموقف الكتائب، نظراً إلى فقدان الحكومة لمكوّنين من مكوّناتها المسيحية، وبالتأكيد كان مِن الممكن أن يلفت النظر أكثر اليوم الى أهمّية الميثاقية التي ينادي بها قبل الوصول إلى ما وصَل إليه. وكان ليَمنع بعض الوزراء المسيحيين الذين لا يرون أنّ الميثاقية مهدّدة في غيابه وهم يردّدون «لكم ميثاقيتكم ولنا ميثاقيتنا».

 جورج شاهين