يصر الروس من جديد على الاحتفاظ بنسبة عالية من التفاؤل بالتوصل الى اتفاق مع الاميركيين في شأن سوريا، على رغم الفشل الذي منيت به لقاءات هانغشتو الصينية وقبلها لقاءات جنيف الماراتونية، في حين برز تحذير واضح من واشنطن مفاده انه: "إذا لم نتمكن من التوصل إلى نوع الاتفاق الذي نريد سننسحب من تلك الجهود"، بينما ضرب وزيرا الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف موعداً جديداً للقاء ثنائي في غضون أيام وربما قبل نهاية الاسبوع الجاري، في حال التوصل الى تفاهم نهائي وحسم الخلافات على ما تبقى من عقد عاصية على الحل حتى الآن.

والى حين اختتام قمة مجموعة العشرين في هانغتشو، لم يكن الطرفان قد تمكنا من التوصل الى نقاط مشتركة بالنسبة الى الخلافات الآتية:
أولاً - على المستوى الميداني برز الخلاف في ثلاث نقاط تمنع التوصل الى وقف شامل للنار:
1 - حول البند المتعلق بمنع استخدام سلاحي الجو السوري والروسي قبل البدء بتنطبيق الاتفاق، أي قبل بدء التنسيق العسكري بين الروس والاميركيين في مواجهة "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، إذ رفض الروس مبدأ وقف الطلعات الجوية قبل التوصل الى وقف نهائي للنار "لأن منع استخدام سلاح الجو سيمنح الفصائل العسكرية المعارضة فرصة التحرك بسهولة أكبر واعادة تخزين الاسلحة".
2 - فك الارتباط بين "النصرة" والفصائل المعتدلة، فالجانب الاميركي يطالب، بحسب الورقة التي سلمها المبعوث الاميركي الى سوريا مايكل راتني، الى أطراف المعارضة المسلحة والسياسية، بعدم قصف النظام المناطق التي تسيطر عليها المعارضة " بصرف النظر عمن فيها بما في ذلك المناطق التي فيها جبهة فتح الشام ("جبهة النصرة" سابقاُ) الى جانب فصائل المعارضة الأخرى". وحول هذه المسألة لا يزال الروس مصرين على الفصل التام ميدانياً بين مواقع "النصرة" ومواقع المعارضة المعتدلة. وتصرّ موسكو على "ان واشنطن تستطيع القيام بهذا الدور من خلال الضغط على الفصائل التي تدعمها في الميدان".
3 - خلاف حول تأمين طريق الكاستيلو لادخال المساعدات. فما وجده الروس في ورقة راتني هو "منح امتيازات للمجموعات المسلحة"، فقد ورد فيها ان "على قوات النظام ان تسحب أسلحتها الثقيلة لمسافة 3,5 كيلومترات شمال الطريق، والاسلحة المتوسطة لمسافة 2,5 كيلومتر، والافراد مسافة 1000 متر شمالا، وجنوبا تُسحب قوات النظام الى مسافة 500 متر. وفي المقابل، من جهة المعارضة، تحدثت الورقة الاميركية عن انسحابات تحدد لاحقاً وعن "عدم دخول المناطق التي تنسحب منها قوات النظام وعدم اعاقة مرور المساعدات".
وعبر نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف عن عدم تبني موسكو خطة طريق الكاستيلو قائلاً": إن روسيا تأمل في أن تضمن الولايات المتحدة توفير طرق آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة حلب السورية في المستقبل القريب".
وتضاف الى نقاط الخلاف الميدانية هذه، الهجوم الذي شنته القوات النظامية بمساعدة سلاح الجو الروسي خلال الايام الثلاثة الاخيرة والذي أحرزت بفضله قوات النظام وحلفاؤه تقدماً كبيراً في اتجاه مواقع الفصائل المعارضة في منطقة الكليات العسكرية واحكمت الحصار مجدداً على شرق حلب. وتقول الاوساط الديبلوماسية في جنيف إن الاميركيين مستاؤون من الدور الروسي في هذا الهجوم "الذي تم خلال اللقاءات بين الطرفين بحثاً عن حل".


المستوى السياسي


وتقول الاوساط الديبلوماسية التي تتابع اللقاءات الثنائية بين الروس والاميركيين في جنيف، إن واشنطن، على رغم التصريحات التي أو حتى بـ"مرونة" خلال الاشهر، ما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الاسد، فإنها لم تتبن بعد وجهة نظر موسكو التي تقول بأن الرئيس السوري سيبقى في السلطة الى حين اجراء انتخابات رئاسية جديدة، مبكرة أو في موعدها، وأن الاسد، كمواطن سوري، يحق له الترشح لولاية جديدة "بما يسمح له الدستور السوري الذي سيتفق عليه من خلال المفاوضات بين السوريين".
هذه الخلافات، وخصوصا على العملية السياسية ومستقبل الاسد، دفعت الجانبين الروسي والاميركي الى محاولة تجزئة النقاش، ووضع الطرفان نصب اعينهما التوصل الى اتفاق يتعلق بالحد الادنى المطلوب حاليا، أي وقف شامل للنار يبدأ من حلب بعد حل البندين المتعلقين بفك الارتباط وبشروط استخدام سلاح الجو السوري، وفي انتظار لقاء الوزيرين لافروف وكيري، عادت فرق جنيف الامنية والعسكرية والديبلوماسية الى اللقاءات مجدداً.

بوتين: الاتفاق قريب
واعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ختام قمة مجموعة الـ20 أن روسيا والولايات المتحدة قد تتوصلان الى اتفاق خلال أيام. وقال بوتين الذي التقى أوباما ساعة ونصف ساعة: "آمل حقا في التوصل الى هذا الاتفاق ولدي أسباب للاعتقاد أن هذا قد يحصل خلال الأيام المقبلة"، وتحدث عن وجود بعض الخلافات التقنية، قائلاً: "إذا حصل ذلك فيمكننا القول إن عملنا المشترك مع الولايات المتحدة في محاربة المنظمات الإرهابية بما في ذلك في سوريا سيتحسن ويتطور بشكل كبير"، لكنه شدد على انه من السابق لأوانه الادلاء تفاصيل في شأن شروط الاتفاق.
أما أوباما، فوصف محادثاته مع بوتين في شأن وقف النار في سوريا بأنها كانت "مثمرة"، وقال: "أجرينا بعض المحادثات المثمرة بالنسبة الى ما سيكون عليه وقف القتال على أرض الواقع".

واشنطن: اذا ام نتفق سننسحب
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية إن أوباما وبوتين بحثا في مسألة إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا والحد من العنف والتعاون في مواجهة الجماعات المتشددة ولم يخض الزعيمان في التفاصيل الدقيقة في شأن اتفاق جديد، لكنهما أحرزا تقدما في إيضاح "الخلافات المتبقية". وأضاف: "إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق، نريد أن نفعل ذلك بصورة عاجلة حداً بسبب الوضع الإنساني، ولكن علينا أن نتأكد من أنه اتفاق فعال. إذا لم نتمكن من التوصل إلى نوع الاتفاق الذي نريد سننسحب من تلك الجهود".
وردت وزارة الخارجية الروسية على التحذير الاميركي بقولها استناداً الى وكالة "انترفاكس" الروسية المستقلة: "لا داعي لمثل هذه التصريحات الدرامية".
والى جانب لقاء الرئيسين أوباما وبوتين، عقد الوزيران لافروف وكيري اجتماعاً ثانياً من دون احراز أي تقدم. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية إن الاجتماع انتهى من دون التوصل الى اتفاق و"إن الخلافات لا تزال قائمة".

اردوغان
على صعيد آخر، اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان انه عرض على أوباما وبوتين اقامة منطقة حظر طيران، وقال على هامش قمة مجموعة الـ20: "نعمل على اعلان حظر طيران في هذه المنطقة"، في اشارة الى المنطقة الحدودية التي تتقدم فيها قوات المعارضة السورية التي تدعمها القوات التركية انطلاقا من جرابلس. كما اعلن ان بلاده "تعمل حالياً مع روسيا من أجل اعلان وقف النار في منطقة حلب"، مؤكداً انه يرغب في التوصل الى ذلك قبل عطلة عيد الاضحى في 12 ايلول الجاري.

               

موسى عاصي