أثار استقبال أعضاء السلك القضائي في محاكم الاستئناف أمس، الرئيس رجب طيب أردوغان بالتصفيق وقوفاً، استياءً لدى المعارضة، خصوصاً «حزب الشعب الجمهوري» الذي رفض رئيسه كمال كيلجدارأوغلو حضور افتتاح السنة القضائية الجديدة في قصر الرئاسة، معتبراً أن استضافة أردوغان هذا الاحتفال السنوي، للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية، تخلّ بالعلاقة بين الرئيس والقضاء وتنتقص من استقلالية هذه المؤسسة.
وقال كيلجدارأوغلو: «القاضي الذي تعوّدنا عليه، لا يصفّق لأي مسؤول ولا يقف احتراماً له ولا يجامل أحداً». وذكّر بأن انقلابيّي عام 1980 لم يطلبوا من القضاة التصفيق لهم أو الوقوف احتراماً لهم، ولم يجبروهم على الاحتفال بالسنة القضائية الجديدة، في مقرّ الحاكم.
في المقابل، دعا أردوغان كيلجدارأوغلو ورئيس اتحاد المحامين متين فيزأوغلو، الذي امتنع عن حضور الاحتفال للسبب ذاته، إلى احترام روح المصالحة التي سادت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، مؤكداً أن رعايته اجتماعات القضاة لا تمسّ بنزاهتهم، ومذكّراً بأنه هو مَن يعيّنهم.
ودافع أردوغان عن توقيف 3495 قاضياً ومدعياً، منذ المحاولة الانقلابية، في إطار حملة لـ «تصفية» جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير المحاولة الفاشلة، معتبراً أن ذلك «لن يُضعِف القضاء بأي شكل، بل على العكس سيساهم في تأسيس عدالة حقيقية».
وبعد ساعات على تصريحات أردوغان، بثّت شبكة «إن تي في» أن المجلس الأعلى للقضاء في تركيا فصل 543 قاضياً ومدعياً آخرين. وكانت وزارة الدفاع أعلنت تسريح 820 من أفراد القوات البرية والبحرية في الجيش، بينهم 648 مُحتجزون.
وأفادت وكالة «الأناضول» الرسمية للأنباء بفصل 4451 عسكرياً منذ المحاولة الانقلابية، بينهم 151 أميرالاً وجنرالاً. وأضافت: «جنودنا الأبطال الأوفياء لوطنهم وشعبهم، يواصلون خدماتهم بكل جدارة، وقواتنا المسلحة ستعزّز قوتها، كلما طهّرت نفسها من خونة المنظمة الإرهابية»، في إشارة إلى جماعة غولن.
في غضون ذلك، أُثيرت تساؤلات في شأن أسباب تقديم وزير الداخلية التركي إفكان ألا، استقالته في شكل مفاجئ، بطلب من أردوغان. ورفضت الحكومة توضيح الأمر، مكتفية بتبريره بخلافات بين الوزير والرئيس على تعيين ولاة ومحافظين، ولوم ألا إذ لم يكافح بسرعة كافية، تمدّد جماعة غولن في وزارته.
هذه الحجج لم تقنع كثيرين، علماً أن الوزير ألا كان الذراع اليمنى لأردوغان، ورأس حربة في الحرب على جماعة غولن، منذ استعان به الرئيس بعد فضيحة فساد كبرى طاولت 4 وزراء، في كانون الأول (ديسمبر) 2013. وأفادت معلومات آنذاك بأن التدابير التي اتخذها ألا، بعد تعيينه وزيراً للداخلية، حالت دون توقيف بلال، نجل أردوغان، في إطار تلك القضية.
وأعلن «حزب الشعب الجمهوري» امتلاكه معلومات تفيد بأن محافظين يُستجوبون الآن، لاتهامهم بالانتماء إلى جماعة غولن، أقرّوا بأن الوزير ألا هو «شيخهم»، ويخفي انتماءه إلى الجماعة. وأضاف أن هذه الاعترافات وصلت إلى أردوغان، مثيرة شكوكاً لديه، فعزل الوزير لكي يتأكد من صحتها. ورجّح الحزب المعارض أن يلقى الأخير، إذا تأكدت هذه المعلومات، مصير آلافٍ من أنصار الداعية، أودعوا السجن.
ولفتت مصادر مقربة من قصر الرئاسة إلى أن اختيار أردوغان وزير العمل والضمان الاجتماعي سليمان صويلو، لخلافة ألا، يعود إلى أن صويلو يساري وليس قريباً من أي جماعة دينية.
في الإطار ذاته، أثار شريط فيديو لحلقة ذكر صوفية في مسجد قصر الرئاسة، غضب «حزب الشعب الجمهوري»، اذ رأى في الأمر تحدياً للجمهورية العلمانية، معتبراً أن السماح لجماعات صوفية بأداء حلقات الذكر في مسجد القصر، يشير إلى تمهيد أردوغان للاستعانة بجماعات صوفية ودينية، لتحلّ مكان جماعة غولن في مؤسسات الدولة.