تربيت بعائلة تغيّر قناة التلفاز بمجرد سماع كلمات: جنس، دعارة، تحرش، حتى كلمة إغتصاب كان من المعيب سماعها. في طفولتي الأولى لم يكن يعنيني الموضوع، ومع تقدمي بالعمر بدأت أشكل في ذهني قاعدة أساسها أن هذه جميعها كلمات محظورة لا تنمّ إلا عن إنحلال أخلاقي وفساد إجتماعي. لا أخفي عليكم أنها كانت كلها بنفس المعنى بالنسبة لي، لم أفرق بين الجنس والتحرش، كانا بنفس المستوى من الدونية والإحتقار.


كبرت أكثر وبدأت أبحث عن معاني تلك الكلمات التي لطالما إصطفّت في ذهني على خط واحد ولم ترتفع إحداها عن الأخرى، كلها كانت في القعر حيث الخبائث والممنوعات. وبعد القليل من البحث، حقاً كان قليل، إتضحت الرؤية لديّ ومنحت عندئذ هذه الكلمات معانٍ تليق بها.

الجنس


علاقة طبيعية بين فردين أحبا بعضهما أم لم يحبا، وفي الحالتين هما اللذان اختارا إلتصاق جسديهما ببعضهما البعض لتفريغ حاجة بشرية لا تقل أهمية عن الحاجة للماء والغذاء. وهنا فكّرت ملياً ما الذي يمنعنا من سماع هذه الكلمة؟ لماذا نخفض أصواتنا ونتهامس بها؟ هل أخفضنا صوتنا يوماً عندما طلبنا شرب الماء؟ وهنا أتخيل نفسي أتلفظ بهذه الكلمة ”المعيبة“ في وسط سهرة عائلية، فأرى خالتي تعض على شفتها لتسكتني، وأرى في عيون أمي نظرات توعد لمعاتبة قادمة بعد إنتهاء السهرة التي وكأن أحد فيها لم يمارس الجنس قطّ!


التحرش


هو لفظ أو تصرف غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المتحرش به ويعطيه إحساس بعدم الأمان، الخوف، الإهانة والإنتهاك. التحرش إذاً مختلف عن الجنس، هل كانت كل تلك المرات التي سمعت فيها تلطيشاً وتصفيراً عندما أعود إلى منزلي تحرشاً؟!! هل حقاً أنا تعرضت لإحدى تلك الكلمات ”المعيبة“ وأنا لا أدري؟ لم أستطع حينها أن أؤكد الموضوع أو أنفيه، ولكن ما استطعت التأكد منه أن عدم سماع كلمة تحرش لم ولن يحميني منه.

الإغتصاب


هو ممارسة الجنس مع شخص دون رضاه بواسطة القوة أو بالتهديد والترهيب، ويعتبر الإغتصاب جريمة يحاسب عليها القانون. شعرت بالأسى والحزن على نفسي لأني كنت أحتقر طرفي الإغتصاب، ولم أكن أدري أن واحد منهما فقط هو المعتدي والآخر بريء مظلوم. كانت صدمتي الكبرى عندما قرأت عن قصص إغتصاب أطفال، هل كنت معرضة لذلك طيلة فترة طفولتي؟ لماذا لم يخبرني أحد؟ هل كانوا سيتكتمون عن خبر إغتصابي كما يكتمون صوت التلفاز.

كل هذه المفردات نقلتني لعالم آخر من الأفكار، إحتقرت التلفاز، ما ذنب التلفاز؟ إحتقرت مجتمعي, أنا لا أنتمي إلى هنا، هنا لا يمكن للإنسان أن يميز بين أفضل الأمور وأسوأها، كل الأمور سيئة لديهم. أنا بدأت أميز، كيف سأعيش بينهم؟ هل سيرغمونني على خفض صوتي؟ سأعمد إلى رفع صوتي تدريجياً لعلّ الصوت المرتفع يؤذي آذانهم ويذكرهم بضرورة البحث والمعرفة في كل مرة يشعرون بوخز الأذن.

نعم، إنها كلمات متنوعة لا تشبه بعضها بشيء إلا أنها محظورة في مجتمعي وأصبحت مباحة في أفكاري.

المصدر: دخلك بتعرف

(جنان دياب)