"لم تجد زينب سوى "الفايس بوك" لتعريف الرأي العام بالواقع الصعب لعائلتها جراء تهالك منزلها في مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين.

تعيش زينب في أحد أزقة المخيم مع أخواتها الخمس. الوصول اليها يحتاج الى دليل. احمد، أحد الناشطين الاجتماعيين في المخيم يتولى المهمة. كل غريب يدخل الى المخيم، يرمقه العابرون بنظرة استفهام اذا كان يمثل جهة دولية تتفقد المخيم ومنازله المتهالكة، خصوصا بعد حادثة إقدام نزار عباس عمر، احد اللاجئين في المخيم، على إحراق مكتب لوكالة الـ "اونروا" احتجاجاً على عدم البت بطلب ترميم لمنزله كان تقدم به منذ سنوات.

الصورة تزداد بؤساً كلما اقتربنا من عتبة منزل زينب الذي لا يصلح حتى لسكن المواشي. التجوّل داخله يجعل الرطوبة تتسلل الى صدرك ومسامات جلدك. إضافة الى انه يتطلب مصباحاً كهربائياً، برغم ان الساعة لم تتجاوز العاشرة صباحاً. آثار الحريق الذي تعرض له المنزل منذ فترة لا تزال ماثلة للعيان في كل مكان بسبب عدم القدرة على إزالتها.

كل مكان في المنزل يحتاج الى تجديد، خصوصا السقف الذي يدلف بغزارة في الشتاء، فيما بقع التعفن الناتجة عن تسرب مياه الأمطار، ظاهرة بوضوح في جميع ارجائه، الامر الذي حوّل لونه مع الوقت من الابيض الى الاسود. اما الجدران الداخلية فتغزوها التصدعات والشقوق من الأعلى والأسفل، وتحاول العائلة إخفاءها بساتر من قماش، او قطعة اثاث لم تسلم بدورها من الحريق.

في إحدى الغرف تقع أعيننا على مشهد مأساوي آخر. نسأل زهراء، شقيقة زينب، عن سر وجود طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره في هذا الوقت، وعدم خروجه للهو مع بقية أطفال المخيم. يأتينا الجواب سريعاً والغصة في فمها، هذا أخي خليل وهو كفيف.

نستأذن زهراء للخروج، فشدة الرطوبة منعتنا من إكمال المقابلة، تتوجّه إلينا بما يشبه العتاب، "عشر دقائق لم تتحمّلوا أنتم فكيف نحن الذين نعيش في هذه الخربة على مدار السنة"، وتستطرد: "الرطوبة تسبّبت لخليل بداء الحساسية، فكأنه لا يكفيه أنه كفيف".

تحملنا زهراء ونحن نودّعها، رسالة باللهجة العامية الفلسطينية قائلة "الله يخليكن بس انقلوا الي شفتو للمسؤولين بالأونروا أو أي مسؤول فلسطيني أو لبناني".

حادثة نزار لا تزال ترخي بظلالها على اجواء المخيم، ثمة نقمة على الـ "اونروا" التي رد مصدر مقرب منها على اتهامها بالتقصير والمماطلة والتسويف في البت بطلبات الترميم، قائلاً: في مخيم البرج وحده هناك 1000 طلب ترميم، والاولوية للأسر التي هي ما دون خط الفقر.

ويشرح المصدر آلية عمل الـ "اونروا" التي تتم وفق التالي: في المرحلة الأولى، يقوم فريق من الباحثين الاجتماعيين بمسح اقتصادي اجتماعي شامل للأسر التي تقدّمت بطلبات الترميم، على أن يأخذ الوضع الصحي بعين الاعتبار. ثم يُعمَل على تعبئة استمارات خاصة تتضمن معلومات عما إذا كان رب الأسرة يعمل أو لا، المدخول الشهري، المصروف اليومي، الاعباء المالية التي تزرح تحتها الاسرة.

في المرحلة الثانية، يطلع الفريق على الملف الصحي للأسرة، إذ إن وجود حالات صحية سيئة داخلها، يشكل دافعاً كبيراً لقبول الطلب. بعدها يدرس الطلب وفي حال كانت النتيجة هي تحت خط الفقر، يتولى فريق هندسي مهمة الكشف الميداني على المنزل لتقييم حالته الإنشائية وإذا ما كان صالحاً للسكن ام لا.

بناء على هذا الكشف، يجري العمل على جمع النقاط التي وضعت من قبل الفريق الاجتماعي، مع النقاط التي قام الفريق الهندسي بتسجيلها، وبنتيجة المجموع الكلي للنقاط، يوضع ترتيب بالعائلات التي يجب أن ترمّم منازلها.

لا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ بحسب المصدر، بل تعقد اجتماعات مع اللجان الشعبية والأهلية في المخيم لاطلاعهم على النتائج التي أفضى اليها المسح الاجتماعي والكشف الميداني. ثم يجري البحث للاتفاق على الآلية النهائية للأسماء والتي تتطلّب توقيع كل من الـ "اونروا" واللجان الشعبية والأهلية في المخيم.

بعد الموافقة، تتخذ الإجراءات للمباشرة بالتنفيذ، وترفع الأمور الى الجهات الأمنية اللبنانية، على ان يجري التنفيذ ضمن القواعد والضوابط التي تحدّدها وتضعها هذه الجهات. ويختم المصدر معلقاً على قضية نزار بالسؤال: وهل قدّم طلب حتى يُرفض؟".

( السفير)