لم تتوقف الآلة الإعلامية لحزب الله، منذ خمس سنوات، عن التأكيد وإعادة التذكير بالأسباب التي دفعته للدخول في المستنقع السوري، وعن التزاماته تجاه حلفائه، الأمر الذي قد يعتبر بحد ذاته مؤشرا على وجود أزمات لدى الحزب، تتعلق بأدائه على الأرض، وفي قدراته على حفظ تماسك جبهته الداخلية وجهوزية قاعدته الشعبية، أو "الخزان البشري لقوته العسكرية"، كما وصفته دراسة أميركية حديثة، نشرتها وكالة "الأناضول" التركية للأنباء.

مكاسب استراتيجية

حقق حزب الله مكاسب كبيرة من التجربة السورية على المستويين العسكري والإقليمي. فبالرغم من مقتل أكثر من 1600 وجرح أكثر من 5000 من العناصر المقاتلة للحزب، بحسب تقديرات، فإن الحزب قد تمكن من رفع المستوى القتالي لآلاف آخرين من خلال مشاركتهم في المعارك. 

لقد حول الحزب سوريا إلى "حقل تجارب" مفتوح لمختلف الأسلحة، و"ميدان تدريب" كبير لآلاف المقاتلين على تكتيكات لم يعتدها الحزب من قبل، فهذه الحرب هي الأولى من نوعها التي يخوضها الحزب منذ تأسيسه، حيث يقف مقاتلوه في موقع الهجوم، لا كما اعتاد في حروبه السابقة مع إسرائيل. إلى جانب ذلك، فإن قيادات الحزب العسكرية، قد تمكنت للمرة الأولى من خوض معارك جنبا إلى جنب مع القوات الروسية، كما حدث في معركة تدمر في آذار الماضي، حيث تمكن قادة الحزب ومقاتلوه من التعرف على التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية المتقدمة التي يستخدمها الروس، إلى جانب إلقاء نظرة عن قرب على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية. 

ويتبع الحزب سياسة تدوير المقاتلين، حيث إنه يرسل ثلث مقاتليه، المقدر عددهم بـ30- 33 ألفا، إلى الجبهات لمدة محددة قبل أن يقوم بارسال قوات تحل محلهم، وذلك لتجديد الدماء على الجبهات وتعزيز قدرته على الصمود، ولتشجيع المقاتلين وعوائلهم على تقبل المشاركة، إلى جانب رفع المستوى القتالي لأكبر عدد ممكن من مقاتليه.

إلا أنه ومنذ إعلانه المشاركة في جبهات بعيدة عن الحدود اللبنانية، فقد زادت مدة بقاء مقاتليه على الجبهات قبل استبدالهم، الأمر الذي ترتب عليه تكاليف مادية ومعنوية كبيرة من جهة، ولكنه من جهة أخرى شكل فرصة مهمة للحزب لتدريب عناصره على البقاء في الجبهات لفترات طويلة، وفي النهاية فإن أداء الحزب على الأرض سيرجح كفة مكاسبه أو خسائره من تلك المغامرة.

وتجدر الإشارة أيضا إلى إنشاء الحزب قواعد عسكرية على الأراضي السورية، كما حدث في القصير بعد انتصاره فيها عام 2013، الأمر الذي يجعل لحضوره بعدا استراتيجيا إلى جانب الأبعاد الأمنية والدينية، أي "حفظ أمن لبنان وحماية الأماكن المقدسة"، ويرسخ تحقيق الحزب مكاسب على الأرض في سوريا بالرغم من التكلفة الثقيلة. حيث قام الحزب وإيران بنقل جميع الأنشطة المشتركة التي كانت تتم في إيران، من تدريب ودورات لعناصر الحزب، إلى تلك القواعد، الأمر الذي عمق من ارتباط الحزب بالصراع في سوريا.

إقليميا

مهما كانت نتيجة الصراع الدائر، فإن حزب الله أثبت بأنه ورقة مهمةٌ لأطراف إقليمية عديدة، وفرض نفسه لاعبا أساسيا في "محور الممانعة". ويشكل وجود الحزب في قواعد على الأرض السورية وبالقرب من هضبة الجولان السوري، تقدما على جبهة المواجهة مع إسرائيل، الأمر الذي سيؤثر على طبيعة الصراع بين الطرفين.

الخسائر

سبقت الإشارة إلى أعداد قتلى وجرحى الحزب، حيث إنها تقدر بـ1600 قتيل و5000 جريح، إلا أن الأمر لا يقف عند إحصاء الأرقام، حيث تؤثر تلك الخسائر نفسيا على حاضنة الحزب الشعبية وإيمانها بمهمته في سوريا، والذي يفاقمه عجز الحزب في كثير من الأحيان عن نقل جثامين قتلاه لدفنهم في لبنان. وتضم قوائم قتلى وجرحى الحزب قادة ميدانيين وكوادر مخضرمين، الأمر الذي ينعكس على أداء المقاتلين على الأرض وعلى ومعنوياتهم. 

ولا تقف تداعيات تلك الأرقام عند ذلك الحد، حيث يلتزم الحزب بدفع تعويضات لأهالي القتلى والجرحى للحفاظ على تلك الحاضنة ولبث الطمأنينة لدى المقاتلين بأنه لن يترك عوائلهم في حال "استشهادهم"، إضافة إلى الأموال التي يتم ضخها في أجهزة الحزب الإعلامية للحفاظ على حماس أنصاره وقدرته على تجنيد المزيد من الشباب. 

يشكل كل ذلك ضغوطا مادية كبيرة على الحزب الذي يعاني أصلاً من نفقات الحرب، ومن تردي الاقتصاد اللبناني، وتأثيرات انخفاض أسعار النفط على الدعم السوري والإيراني، عدا عن العقوبات الأمريكية والأوروبية، وأخيرا وليس آخرا، العقوبات الخليجية، الأمر الذي حدا بالحزب إلى تقليص رواتب العديد من كوادره، وخفض المبالغ المقدمة لجهات داخلية من أجل الحصول على ولائها السياسي، بحسب الدراسة. 

ومن قبيل الاستدلال على مخاوف الحزب الحقيقية حيال تراجع التأييد الشعبي الشيعي في لبنان لعملياته في سوريا، فإن الدراسة تشير إلى حرص قادة الحزب جميعهم، بمن فيهم أعضاء البرلمان، على حضور جنازات جميع القتلى، وإقامة جنازات مهيبة لهم. 

أما قاعدته الشعبية الإقليمية، التي عمل جاهدا على تعزيزها لعقود، فيبدو أن الحزب قد قرر الاستغناء عنها عندما أعلن إرسال قواته للمشاركة في قتل الشعب السوري وإخماد ثورته، فقد كان يحظى بدعم كبير في دول عربية كالكويت والأردن ومصر، ارتفع بشكل ملحوظ بعد حربه في 2006 مع إسرائيل، وتهاوى بعد 2013.

ماذا بعد؟

في ظل هذه الصورة، يبدو أنه يصعب الجزم بمستقبل حرب "حزب الله" في سوريا وبتوقع نتائجها النهائية، فأي خلل في موازين القوى على الأرض، أو أي تطور كبير قد يطرأ على تجاذبات التسوية السياسية للملف السوري بين الدول المعنية فيه، قد يؤثر على الحزب بشكل مضاعف.

 

عربي21