تعرف مدينة الحسكة الواقعة في شمال شرق سوريا، تصعيدا خطيرا بين النظام السوري ووحدات حماية الشعب الكردي، ينذر بقطيعة نهائية بين الطرفين.
وأكدت قيادات من الوحدات، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، أن المدينة ذات الغالبية الكردية تشهد اليوم حربا حقيقية، فيما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها أرسلت طائرات لمؤازرة حلفائها الأكراد في تطور لافت، قد يكون رسالة لكل من روسيا وإيران وتركيا مفادها أنها لن تسمح بالمساس بهم.

وقال متحدث باسم وحدات حماية الشعب إن السلطات الكردية أجلت الجمعة، الآلاف من المدنيين من المناطق الكردية في الحسكة في اليوم الثاني للضربات الجوية والقصف المدفعي من جانب الجيش السوري.

ولفت ريدور خليل إلى أن العشرات من المدنيين قتلوا خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، ووصف المعركة بأنها الأشرس بين الوحدات الكردية والحكومة السورية منذ بداية الحرب قبل خمس سنوات.

وأوضح أن معظم الذين تم إجلاؤهم من النساء والأطفال، مضيفا “كل من يستطيع حمل السلاح يقاتل النظام وعصاباته”.

وشدد خليل “موقفنا حتى الآن دفاعي لكنه سيتغير كليا إذا استمر النظام في التصعيد بهذا الشكل”.

ولطالما حصلت مناوشات بين قوات الأمن الداخلي الكردية المعروفة باسم (الأسايش)، التابعة لما يسمى “الإدارة الذاتية” وبين عناصر “الدفاع الوطني” (ميليشيات موالية لنظام الأسد) في الحسكة، إلا أن الأمور لم تشهد مثل هذا التصعيد الذي يحصل اليوم.

وفيما يلتزم النظام السوري الصمت، أكدت مصادر محسوبة عليه أن ما يحدث من قتال وقصف جوي في الحسكة، جاء نتيجة الإصرار الكردي على طرد عناصر “الدفاع الوطني” من المدينة لإحكام الهيمنة عليها.

وذكرت ذات المصادر أن مفاوضات جرت في الأيام الأخيرة بين ممثلين عن الإدارة الذاتية التي يشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام، إلا أنها فشلت في التوصل إلى أي اتفاق، ما أفضى إلى انحدار الوضع إلى ماهو عليه.


ريدور خليل: موقفنا حتى الآن دفاعي لكنه سيتغير كليا إذا استمر النظام في التصعيد
وأوضحت المصادر أن اتخاذ قرار التصعيد العسكري بما يشمل الجو جاء كرسالة للوحدات الكردية بأن النظام لن يقبل بوجود طرف خارج عن سلطته، كما هو رسالة إلى أنقرة بأنه تجمعهما نفس التحديات.

واعتبرت هذه المصادر أن الأكراد ومنذ نجاحهم في تحرير منبج من سيطرة تنظيم داعش، باتوا أكثر رغبة في الهيمنة وفرض أمر الانقسام أو الفدرلة كواقع لا بد على الجميع التعايش معه.

وجدير بالذكر أن النظام وبعد اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، عقد اتفاقات مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، تم بموجبها تسليم المناطق ذات الغالبية الكردية ومنها الحسكة، إلى الأخير مع الإبقاء على البعض من أجهزته هناك، وذلك للتفرغ لقتال المعارضة السورية في باقي المناطق.

وكانت العلاقة بين النظام وصالح مسلم، قبل الأزمة يشوبها الكثير من التوتر، إلا أن نقاط التقاء كثيرة جمعتهما بعدها، حتى أن المعارضة ترفض بشدة تصنيف مسلم وحزبه ضمن تشكيلتها الواسعة، كما حصل في جولات المفاوضات السابقة بينها والوفد الحكومي.

ويرى متابعون أن النظام السوري، يريد بخطوة التصعيد هذه مع الوحدات تعبيد الطريق مع أنقرة، التي تتجه شيئا فشيئا نحو المحور الروسي الإيراني، كما أن هناك توجسا سوريا روسيا من الوجود الأميركي المتزايد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد.

وأعلن البنتاغون، الجمعة أنه أرسل طائرات حربية لدعم الوحدات في مواجهتهم مع الجيش السوري.

وفي وقت سابق، أكد مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية وقوع استهداف لمواقع تابعة لقوات وحدات حماية الشعب الكردي في الحسكة وعلى مقربة من مواقع للقوة الأميركية الخاصة المتواجدة بسوريا. ووصف المسؤول الأميركي هذه الغارة بـ“غير العادية”.

وكانت مصادر مطلعة، قد ذكرت أن قرابة 45 عنصرا من سلاح مشاة البحرية في الجيش الأميركي المارينز، قد وصلوا الخميس إلى بلدة المبروكة الواقعة بريف الحسكة الغربي، بدعوى إزالة الألغام التي زرعها تنظيم داعش في مناطق شاسعة، تشمل ريف الحسكة الغربي والجنوبي.

ولكن مراقبين يقولون إن وصول هذه القوة الأميركية إلى المبروكة، يهدف إلى بناء قاعدة عسكرية جديدة في المنطقة الاستراتيجية المشرفة على مساحات واسعة من الأراضي السهلية.

وكانت الولايات المتحدة قد قامت بإنشاء عدد من القواعد العسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الوحدات وتحديدا في بلدة رميلان بريف الحسكة، وعين العرب بريف حلب.

هذا التمدد الأميركي الذي يجري “بصمت” يثير ريبة موسكو التي تسعى لأن تكون لها الكلمة الفيصل في النزاع السوري.

ميدانيا ورغم القصف الجوي النظامي، تمكنت الوحدات الكردية الجمعة من انتزاع السيطرة على عدة مواقع من القوات السورية لتوسع نطاق سيطرتها في المدينة.

وقال ناصر حاج منصور وهو مسؤول كردي في تحالف قوات سوريا الديمقراطية المرتبط بوحدات حماية الشعب، إن القوات الكردية التي تسيطر بالفعل على معظم مدينة الحسكة انتزعت السيطرة على مبان من الحكومة بينها كلية للاقتصاد.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات الكردية حققت مكاسب في الشطر الجنوبي من المدينة.

ويقول مراقبون إن هذا الوضع الميداني المتصاعد بين النظام والوحدات قد يدخل الطرفين في دوامة حرب استنزاف طويلة، في حال لم يتم لملمتها.

صحيفة العرب