قبل عامين في مثل هذا الشهر؛ هاجمت الدولة الإسلامية اليزيديين، تلك الأقلية الدينية الكردية التي تقطن الأماكن المحيطة بجبل سنجار بالعراق؛ حيث هاجم المُسلحون حينها على القرى غير المُحصَنة، كالذئاب على الحظيرة، ذابحين الرجال وآخذين الاف النساء والأطفال ليتم بيعهم كرقيق الجنس.


أما اليزيديون الذين تمكنوا من الهرب، فقد فرّوا إلى الجبال بالأعلى دون طعام أو ملبس ملائم أو حتى أحذية، كما حدث في بعض الحالات، وظلوا محاصرين هناك لأيام، بظروف قاسية وبالقليل فحسب من الدعم العالمي، أما أولئك الذين وعدوا بالأساس أن يتولوا حمايتهم، وهم جنود البيشمركة التابعين لحزب مسعود بارزاني السياسي بإقليم كردستان العراق، فقد اختفوا وقت الحاجة إليهم.

النساء اليزيديات

هكذا تقول ميريديث تاكس، مؤلفة كتاب "طريق غير مرئي: نساء تقاتلن الدولة الإسلامية" في نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الخميس 18 أغسطس/آب. تناولت فيه دور النساء اليزيديات بالصراع المحتدم، واللاتي لا يشاركن بين صفوف المحاربين فحسب، بل يتقلدن القيادة أيضاً، في مواجهة تنظيم داعش والانتهاكات التي تتعرض لها النساء بالمنطقة، والتي تصل إلى العبودية الجنسية.

تضيف الكاتبة أن المقاتلين الأكراد من سوريا وتركيا هم من شقوا طريقهم في أعالي الجبال عبر الأراضي التابعة للدولة الإسلامية، حيث فتحوا ممراً لجلب الناجين من اليزيديين إلى بر الأمان، بمنطقة أعلنت استقلالاً ذاتياً عن البلاد تُدعى كردستان السورية "روجافا"، وهي كلمة كردية تعني الغرب.

العديد من هؤلاء المقاتلين كانوا من النساء؛ فطالما كان المبدأ الأساسي لحركة التحرر الكردية الممتدة لعقود أن النساء ليس بإمكانهن انتظار الآخرين للدفاع عنهم، بل عليهن حتماً أن يقاتلن كي يكنّ أحرار، وفي الواقع؛ بعض هؤلاء النساء قلن إنهن يقاتلن من أجل النساء الأخريات، لأنهن يعرفن الأهوال التي تنتظر من يُلقى القبض عليهن من قبل الدولة الإسلامية.

وفي حرب روجافا ضد الدولة الإسلامية، لا توجد النساء في صفوف المقاتلين فحسب، بل أيضاً في قيادة وحدات المحاربين؛ حيث قررت بعض النساء اليزيديات، بعد إنقاذهن من جبل سنجار، أن تسلكن هذا الطريق، وأن تبدأن ميلشياتهن الخاصة "وحدة شنغال لحماية النساء" وهو اسم آخر لمنطقة سنجار. وبالمثل في أقليم كردستان العراق؛ أنشأت النساء اليزيديات اللاتي أُنقِذن من العبودية الجنسية لواءهن الخاص.

وعلى الرغم من أن المحاربات النساء يقاتلن في صفوف حركات التحرك الوطنية بأماكن ممتدة من الصين إلى فيتنام، ومن كوبا إلى نيكاراغوا، وفي موزمنبيق وأنجولا وإيران وبالأراضي الفلسطينية، فإن المُنظمات النسوية العالمية السائدة تميل إلى حذو نهج الجامعة الدولية للمرأة للسلام والحرية، والتي تم تأسيسيها بالحرب العالمية الأولى والتي ترى أن الحل لإيذاء النساء خلال الحرب يكون أولاً عبر رفض الحرب، وثانياً عبر التأكد من أن النساء على طاولة المفاوضات عندما تنتهي الحروب.

حركة التحرر الكردية

ولكن نهج حركة التحرر الكردية؛ على العكس من ذلك، يؤكد على الدفاع عن النفس من الناحيتين العسكرية والاجتماعية، فالمحاربات من النساء يناط بهن أن يكن نماذج يُحتذى بها، وأن يبينّ أن القادة من النساء حاسمات في كل مجال من مجالات المجتمع.

وفي نظام كردستان سوريا، تلك المنطقة التي أعلنت استقلالاً ديمقراطياً (وهي ضمن الحدود السورية)، توجد أطر تنظيمية رسمية قوية لمشاركة المرأة في الحكم، وتدار جميع المنظمات من قِبل رجل ٍ وامرأةٍ معاً، ولدى لجان النساء سلطة حقيقية للتعامل مع مشكلات مثل الزواج القسري والعنف المنزلي.

والمرأة المحاربة على وجه الخصوص هي من تقدم صورة مضادة لضحايا الاغتصاب والإهانة، التي تعتبر مصدراً للعار لعائلاتها ومجتمعها. فقد جعلت الأفكار الأبوية القديمة من الاغتصاب والعبودية الجنسية استراتيجية مركزية بصراعات الإبادة العرقية، التي تهدف إلى تدمير هُوية العدو، فهكذا كان يُستخدم الاغتصاب في البوسنة وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهكذا كان يُستخدم في وقت أسبق بأنحاء الهند وبحرب التحرير في بنغلاديش، وهكذا يُستخدم في يومنا هذا في العراق وسوريا.

فالنساء مثل اليزيديات اللاتي تعرضن للعنف الجنسي على هذا النحو الرهيب لا يمكن بسهولة إعادة إدماجهن في الأنماط القديمة، ولن يحققن تقدماً إذا تم النظر إليهن – وإذا نظرن هن إلى أنفسهن- باعتبارهن ضحايا مصحوبات بالعار، ويجب أن ينطوي جزء من إعادة التأهيل على تحدي وصمة العار التي تواجه الناجيات.

وبطبيعة الحال؛ دائماً ما توجد طرقٌ للقيام بذلك دون حمل السلاح، ولكن الحقيقة هي أن بعض الناجيات في مخيمات اللاجئين بكردستان العراق، تلك المنطقة التي لا تزال تخضع لنظام أبوي على نحو هائل، قد اخترن هذا المسار الذي يشير إلى نفوذ المقاتلات الكرديات الراديكاليات.

(هافنغتون بوست)