بعد الفشل الذريع الذي منيت إليه مفاوضات الكويت دون التوصل إلى اتفاق سلام بين الأطراف اليمنية، وفي وقت تشهد فيه جبهات اليمن تصعيدًا عسكريًّا، يوازيه تصعيد سياسي من قبل جماعة الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بإعلانهم عن أسماء المجلس السياسي لإدارة البلاد من صنعاء.

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ بل أعلن الجيش اليمني عن بدء معركة الحسم لتحرير صنعاء والمحافظات الأخرى من قبضة ميليشيا الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي صالح، فيما شن طيران التحالف العربي عشرات الغارات على مواقع الميليشيات ومعسكرات المتمردين في صنعاء ومحيطها ومحافظات مأرب وصعدة والجوف وتعز وإب والحديدة، واستهدفت الغارات مخازن الأسلحة والذخيرة وطرق الإمداد.

إضافة إلى ذلك يواجه الحوثين أزمة ثقة مع عدد من مشايخ قبائل اليمن وخاصة في مدينة البيضاء، في وقت تؤكد الحكومة اليمنية على استمرار مواجهة "الانقلابين" وذلك بعد توقف دام أشهراً عديدة جراء عملية التهدئة التي رافقت مشاورات الكويت.

تساؤلات مطروحة في ظل تطور الأوضاع باليمن

لكنّ تساؤلات تلوح في الأفق بسبب هذا تطور الأوضاع السياسية والميدانية على أرض الواقع، فلماذا انتهت مشاورات الكويت إلى فشل ذريع بين حكومة الشرعية من جهة والمؤتمر الشعبي والحوثيين من جهة أخرى بعد أشهر دامت دون التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين وما هو السبب الحقيقي في هذا الأمر؟

وما هو دور الحكومة الإيرانية في ثني الطرف الثاني في نجاح المشاورات وانتهائها بالتوافق بين الطرفين، وإلى ماذا تهدف طهران من وراء إفشال المحادثات والمكاسب التي تريد تحقيقها؟، وماهي طبيعة هذه الضغوطات وما هي الأوراق التي من شأنها أن تقطع الطريق على طهران لتجبرها على عدم التدخل بالأزمة اليمنية وتنتهي لحل أزمة الفرقاء باليمن؟، ولماذا هذا الصمت والغياب الكبير من قبل السعودية وخفوت نجمها تجاه الملف اليمني خصوصاً في المشاورات التي دامت بين الطرفين بالكويت؟

تساؤلات مطروحة تبقى عالقة لكنّ مراقبون يؤكدّون على أنّ السعودية كانت جادة ومصممة بالفعل إيجاد حل حقيقي في اليمن وفق القرارات الدولية بهذا الشأن وكان دورها منذ اندلاع الأزمة في اليمن واضح ومؤيد لتفاهم واتفاق بين اليمنيين، حيث أكدت على الحكومة الشرعية المعترف فيها وأنّها هي المحور الأساسي في إيجاد توافقات تنهي الأزمة في اليمن، وبأنّ تشكيل التحالف العربي خير دليل على ايقاف التدخلات الايرانية في الشأن اليمني ليكون شأناً يمني-عربي بعد دعوة وطلب من الحكومة اليمنية الشرعية لحماية الشرعية والشعب اليمني الذي عان الأمرين من الحوثيين ومن حكم علي صالح.

سياسة السعودية واضحة بعدم التدخل بشؤون أي دولة

وعن هذا الأمر يؤكدّ المحلل السياسي عارف الكعبي، على أنّ سياسة السعودية واضحة بعدم التدخل بشؤون أي دولة أخرى وما حدث من مباحثات ومفاوضات في الكويت بين الوفد الحكومي الشرعي من جهة وبين الحوثيين والمؤتمر الشعبي بتدخل أممي وبقرارات تعزز من إرساء أسس السلام والتأكيد على وحدة اليمن وشعبها وهذا ما ذهبت إليه الرياض لإعطاء فرصة لليمنين لحل مشاكلهم وإيجاد الحلول المناسبة، وبهذا جسدت السعودية سياستها المتزنة والمتماشية مع القرارات الدولية.

ويضيف الكعبي قائلاً: "لم يخفت نجم السعودية تجاه الملف اليمني إنّما كانت تراقب عن كثب سير المحادثات التي عثرها الحوثيين بأوامر ايرانية وصالح وما ينتج عنها، وبالتالي فهي تسعى إلى حل الملف اليمني بأسرع وقت حفاضاً على استقرار اليمن وأمنه والشروع بالتنمية في هذا البلد العربي المنهك بسبب تعنت الحوثيين وانقلابهم على الشرعية"، مشيراً إلى أنّ الدور الإيراني هو دور سلبي وتخريبي بكل المقاييس حيث لم يتركوا مجال لإحداث تقارب نسبي، فالمفاوضات لم تحقق أي تقدم طيلة الشهور نتيجة الإملاءات والخطوط الحمراء التي وضعتها طهران على الحوثيين، وذلك لإطالة الأزمة في اليمن كما عرف عن النظام الإيراني تصدير الأزمات الداخلية الى الخارج حيث دعمت حكومة طهران الحوثيين بكل ما تمكنت من سلاح وأموال وقوات من الحرس الثوري بغية السيطرة على اليمن والاستحواذ عليها لتنفيذ مخططاتها التوسعية، مشدداً على أنّ أي اتفاق يحصل بين الفرقاء في اليمن وبالأخص المحادثات التي جرت في الكويت والذي يخلص لإنهاء الأزمة في اليمن ﻻ يخدم النظام الإيراني بأي شكل من الأشكال ويقطع الطريق على المشروع الإيراني في المنطقة وباليمن تحديداً.

ومن هنا سعت ايران إلى افشال المفاوضات كما أنّه اذا انتهت الأزمة في اليمن سيغلق جزء من الملف الساخن في المنطقة وينتهي دور ايران في اليمن التي كانت تستخدمها في مفاوضاتها مع الدول الكبرى، وهذا ﻻ يصبّ في مصلحة الايرانيين.

أوراق ضغط كثيرة على الحوثيين

ويرى الكعبي بأنّ انتهاء المشاورات في الكويت بين الحكومة الشرعية والحوثيين من جهة، يعود إلى أسباب عديدة كانت واضحة للمليء والتي تتلخص في أنّ الحوثيين لم تكن لهم رغبة بوقف الاقتتال في اليمن والجنوح الى السلم وبدء مفاوضات حقيقية، بل كان هناك مخطط لإطالة أمد المفاوضات، وبالتالي ابقاء الوضع في اليمن في حالة حرب، وهذا يعود بطبيعة الحال بحسب رؤية الكعبي إلى وجود أجندات خارجية تملى عليهم وتتدخل في مفاصل المشاورات.

وهذا ما تجسّد فعلاً في التعنت الواضح من قبل الحوثيين الذي كان مبنياً على أساس كسب الوقت لاستحداث توافقات مع بعضهم لتهيئة انقلاب آخر يكون طلقة الرحمة على المفاوضات علماً بأنّ دولة الكويت والدول العربية قد أعطت الوقت الكافي وأبدت مواقفها الإيجابية الداعمة لحل الأزمة، إلا وأنّها كانت محسومة الأمر بالنسبة للانقلابين مع تواجد الوفد الأممي الراعي للمفاوضات وطرح مبادرات واضحة ومناسبة.

ومن هنا فإنّ القرار الإنقلابي قد أدلى دلوه منذ بداية المفاوضات تجسّد في تدخل إيراني سافر رسم فيها خارطة للحوثيين ﻻ يمكن الخروج منها وهذا ما أفشل المفاوضات بحسب رؤية الكعبي، مشدداً على أنّ الضغوطات الإيرانية تتجه باتجاه حجم الدعم على جميع المستويات التي تقدمه ايران للحوثيين على وجه التحديد، إضافة إلى التمويل المالي واللوجستي فإنّ هناك دعم سياسي واضح وهذه الورقة تشكل ورقة ضغط واضحه على قرارات الحوثيين وطريقة تعاملهم مع أي مبادرة دولية أو عربية تلوح بالأفق لحل الأزمة لتحطّ من أوزار القتال في اليمن.

وضع خارطة طريق تجاه التدخلات الإيرانية السافرة

وحول الأوراق التي من شأنها أن تقطع الطريق على طهران لتجبرها على عدم التدخل بالأزمة اليمنية، يؤكدّ الكعبي بأنّ هذا الأمر يكون عبر اتخاذ خارطة طريق واضحة تجاه التدخلات الإيرانية السافرة ويكون عبر إثارة وتحريك الوضع الداخلي الإيراني المتهاوي والذي يتمثل على رأسه بتفعيل الملف الأحوازي عربياً ودولياً ودعم مشروعية دولة الأحواز التي تؤسس إلى اعادة الشرعية لدولة الأحواز والاعتراف بها رسمياً كدولة عربية قامت إيران، وذلك كخطوة مهمة ثمّ تكوين تحالف خليجي-عربي- سياسي يتصدى للسياسات الإيرانية ويجعلها على المحك مباشرة بكشف مخططات ايران التخريبية التوسعية وتفعيل قرارات إدانة واسعة وتحجيم الدور الإيراني التواجدي في سوريا والعراق ولبنان واليمن لقطع أذرعتها من المليشيات التابعة لها في المنطقة.

كل هذه الخطوات والأوراق من شأنها بالفعل أن تجبر طهران على التدخل في الملفات العربية وعلى رأسها الملف اليمني والعراقي والسوري، فهل ستلقى هذه الأوراق تفعيلاً حقيقياً من قبل الدول العربية لقطع الطريق على طهران، لكنّ الواقع الحقيقي لهذه الدول خير شاهد على ذلك فهل يضع العرب نصب أعينهم مستقبلهم السياسي لضمان استمرارية أمنهم واستقراراهم هذا ما ستكشفه الأيام القادمة للرد على ذلك.

المصدر : Lebanon360 : مصطفى أبو عمشة