لا شك أن معركة حلب تشكل الحدث الأبرز في مسار الأزمة السورية، وتم تسليط الأضواء عليها إعلاميا وسياسيا لجهة أنها تشكل المفصل في أي تسوية مرتقبة لهذه الأزمة، خصوصا مع احتدام الصراع على المدينة وكثافة النيران التي تستخدم في هذه المعارك الضارية، ومع سيطرة جماعات المعارضة المسلحة وفي مقدمتها جبهة فتح الشام /جبهة النصرة سابقا /ومن خلفها تركيا ودول الخليج والخبرات الأميركية على منطقة الراموسة الحصينة التي تعتبر من أهم الركائز العسكرية للنظام في حلب بل وربما في منطقة الشمال السوري على الحدود مع تركيا.

 
إلا أن الحديث عن اعتبار معركة حلب التي اشتعلت في الأسابيع الأخيرة على أنها ام المعارك وهي التي ستحدد المستقبل السياسي لسوريا فيه شيء من المبالغة او الكثير منها، سيما وأن القوى الدولية والإقليمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تتعامل مع الحدث السوري وفق مبدأ توازن القوى العسكرية الذي يعطي الصراع ماهية الاستمرار لاستنزاف الأطراف الداخلية والخارجية الداعمة والمتورطة في هذه الحروب الدموية، بحيث لا يستطيع أي من طرفي الصراع، النظام والمعارضة من حسم الحرب لمصلحته وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب اي لا مهزوم ولا منتصر، وبالتالي فإن المعركة في حلب مهما اكتسبت من أهمية تبقى تحت سقف محدود في تحديد مصير النظام السوري إذ أن مستقبل الرئيس بشار الأسد لا يتقرر فقط من خلال منطقة حلب بل يتقرر من خلال مناطق أخرى أولها في الأهمية العاصمة السورية دمشق وثانيها منطقة الساحل السوري. 


وفي جانب آخر فإن لمعركة حلب ابعاد سياسية متصلة بالدول المشاركة فيها. فتركيا تحاول التأكيد على أنه ورغم المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرضت لها ما زالت قادرة على أن تفرض أجندتها على الأطراف الدولية والإقليمية في الصراع السوري أو على الأقل في منطقة حدودها الجنوبية، وأيضا فإن معركة حلب أوضحت على أن روسيا باتت أكثر قدرة على التصرف في الملف السوري ان لجهة فرض شروطها على النظام او لجهة التوضيح لإيران أن دورها على الساحة السورية سيبقى محدودا وخاضع للأطر التي تحددها لها روسيا، وعليه فإن التباين في الموقفين الروسي والإيراني سيبقى مرشحا للتصاعد.


ولا بد من الإشارة إلى أن ما حصل في حلب من تحول لصالح المعارضة المسلحة السورية بعد الانتكاسات المتتالية التي تعرضت لها مؤخرا في أكثر من مكان ما كان ليتحقق لولا وجود إرادة أميركية للحفاظ على الستاتيكو القائم. ولا تسمح بالاخلال به، وذلك للدفع باتجاه الحل السياسي وفق الرؤية الأميركية، وفي هذا المناخ فإن الإدارة الأميركية تريد أن توجه رسالة إلى روسيا بأنها هي التي تتحكم بالملف السوري، وعلى روسيا أن تضبط إيقاعها على هذا الأساس وأن لا تتجاوز او تحاول اللعب خارج الإطار الذي تحدده لها السياسة الأميركية. 


وفي هذا السياق فإن دبلوماسيين أوروبيين اعتبروا أن معارك الأسابيع الأخيرة في حلب مثلت في أحد جوانبها شكلا من أشكال التخاطب بين القوى الإقليمية والدولية، وأن لغة النار الكثيفة المستخدمة هي مقدمة وتسبق التفاهمات الجاري التوصل إليها في كواليس الدبلوماسية وغرف القرار، سيما وأن هناك تحركات حثيثة للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا من أجل إطلاق محادثات جنيف 3. 


لكن ليس في الوقائع الميدانية ما يشير إلى احتمال التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. فلا المعارضة مستعدة لتقديم ما رفضت تقديمه في الجولات التفاوضية السابقة من تنازلات، ولا النظام يبدي مرونة في ظل الدعم الكبير الذي يتلقاه من حلفائه روسيا وإيران والتنظيمات الشيعية.