لا يشك أحد من حلفاء إسرائيل في العالم في أن حربها على "حزب الله" في لبنان في تموز 2006 كانت فاشلة لأنّها عجزت عن تحقيق أهدافها منها وأهمّها على الإطلاق القضاء عليه وإزالة خطره عليها. هذه الحقيقة "المُرّة" يعرفها أيضاً شعب إسرائيل على اختلاف اتّجاهاته السياسيّة وأحزابه. إلّا إن من يعرفها أكثر فيها المؤسّسة العسكريّة التي "تبهدلت" في تلك الحرب أولاً بسبب إخفاقها في إراحة شعبها من خطر يعتبره الأكبر في تاريخه الحديث بعدما زال الخطر الذي كانت تشكّله عليه الدول العربيّة وجيوشها النظاميّة. وثانياً بسبب استرخائها وتالياً استسهالها الحرب مع "الحزب" فذهبت إليها باستعدادات عسكريّة ناقصة وغير جدّية وبخطط عسكريّة بدائيّة وبمعلومات استخباريّة ضحلة أو ناقصة. وثالثاً بسبب تساهلها مع قلّة كفاية القيادة السياسيّة الإسرائيليّة في ذلك الحين التي تمثّلت في غياب استراتيجيّة واضحة لها وخطط تطبيقيّة لها. فبدت دولة إسرائيل بكل مؤسّساتها "مُياومة" أي لكل يوم حرب خطّته وأهدافها التي تتعارض بل تتناقض مع خطط الأيّام الأخرى.
ولا يشك أحد من هؤلاء الحلفاء في أن حرب تموز 2006 لا تزال تعيش مع الاسرائيليّين شعباً ومؤسّسات وأحزاباً لغاية اليوم. فحكومتها وجيشها يعملان يوميّاً لاستخلاص العبر منها والدروس والاستعداد للانتقام من "حزب الله" في الوقت المناسب أي يوم يقوم بعمليّة عسكريّة ضدّها تبرّر مبادرتها إلى بدء الحرب، أو يوم تدفعها الحروب المشتعلة في المنطقة إلى اتّخاذ قرار بشنّ الحرب ظنّاً منها أن النصر ممكن. وفي هذا الإطار كانت المناورات العسكريّة الكثيرة التي جرت في السنوات الماضية والاستعراضات التهديديّة التي قام بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الذكرى العاشرة لحرب تموز. وفي الإطار نفسه كان حلفاء إسرائيل، وفي مقدّمهم أميركا على رغم الخلاف الجدّي بين رئيسها باراك أوباما ونتنياهو، يُرسلون التحذير تلو التحذير إلى قادة "الحزب" من استهداف إسرائيل بأي عملية لأن ردّها سيكون مدمّراً له لا بل للبنان كلّه. وأهم معنى لهذه التحذيرات هو أنّها تعبّر ضمناً عن موافقة أميركيّة على الردّ "الحاسم" عسكريّاً. هل "حزب الله" المتدخّل أو بالأحرى "المتورّط" في حرب سوريا وسائر حروب المنطقة جاهز أو قادر على التورّط في حرب مع إسرائيل؟
لم يتخلّ "حزب الله" يوماً عن هدف تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانيّة تحت الاحتلال الاسرائيلي. ولم يتخلّ عن اعتبار تحرير فلسطين هدفاً استراتيجيّاً له ولراعيته إيران الإسلاميّة. وهو يقول إن اشتراكه في حرب سوريا وحروب المنطقة إنّما هو لمقاومة إسرائيل وحليفتها أميركا اللّتين تستغلّان الوضع القائم أو تشعلانه لإنهاء قضية فلسطين. ويقول هنا قريبون منه إن "الحزب" نفّذ نوعاً من الإستنفار قبل أشهر قليلة تحسّباً لعمليّة عسكريّة إسرائيليّة ضدّه. ولا ينفون أنه يجري مناورات أحياناً يستعمل فيها صواريخ حقيقيّة وأخرى وهميّة اقتناعاً منه بعدم القدرة على إخفاء أي شيء في وجود الجواسيس والأقمار الاصطناعيّة. ويعترفون بأن أولويّتهم كانت إسرائيل وإنهاء احتلالها للبنان وإزالتها لاحقاً. لكن الحرب السوريّة أضافت إليه أولويّة أخرى هي محاربة التكفيريّين وإرهابهم والقضاء عليهم. وهذه الأولويّة صارت الأولى الآن. وينقل هؤلاء عن السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ"الحزب" قوله في خطاب له: هناك الحرب مع إسرائيل وهناك المعركة. فالحرب ممنوعة حتى الآن على الأقل بقرار أميركي بل ودولي بسبب انتفاء أي مصلحة فيها لأحد. أمّا المعركة فممكنة. وأراد في ذلك التأكيد لقادتها الذين يتحدّثون عن إدخال "الحزب" صواريخ إلى لبنان أنّهم إذا ضربوها وضربوا الموجود منها في لبنان أساساً كما التي بتصرّفه في سوريا أن الرد سيكون بواسطة الصواريخ. وهي قد تطال مرافق حيويّة. كما أراد التأكيد أيضاً أن "حزبه" حصل على صواريخ جديدة وهذه لا يمكن إخفاءها عن أعين الجواسيس الموجودين سواء في "الحزب" أو في طهران أو في سوريا أو في لبنان.
فهل تفتعل إسرائيل حرباً مع "الحزب"؟ أو هل يستدرجها "الحزب" عمداً أو عن غير قصد إلى حرب معه؟ لا جواب عند أحد عن ذلك. لكن القريبين منه يلفتون إلى أمرين. الأوّل أن إسرائيل عثرت على سيارة مفخخة بالقرب من مصنع في حيفا وهي لم تعرف حتى الآن من فعل ذلك. فهل قام "الحزب" بعملية فاشلة داخل إسرائيل في تلك المرحلة كما قيل؟ والثاني أن الحزب قد يقصف إسرائيل من سوريا إذا اضطر إلى ذلك.